بقلم : أسامة كمال | الأحد ١٤ اغسطس ٢٠١٦ -
١١:
٠٥ م +02:00 EET
أسامة كمال
بدأت صناعة الأفلام الوثائقية تحتل مكانة عالمية متميزة وأصبح بعضها يحقق إيرادات ضخمة فى دور العرض الأمريكية.. آخر هذه الأفلام فيلم «Hillary’s America» عن هيلارى كلينتون والحزب الديمقراطى وارتباطه بالعبودية فى الماضى والاستعباد فى الحاضر والذى دخل سباق إيرادات دور العرض وسط الأفلام العملاقة.. مؤلف الفيلم هو دينيش ديسوزا، وهو معلق سياسى أمريكى من أصول هندية، وهو صاحب فيلم تسجيلى آخر بعنوان: «Obama’s America» تعرض بعده لاتهامات بالرشوة حكم عليه بسببها بالغرامة والاحتجاز..
أعلى الأفلام الوثائقية تحقيقاً للإيرادات كان فيلم فهرنهايت 9/11 الذى كتبه وأخرجه منتج الأفلام الأمريكى المخرج مايكل مور عام 2004، حيث حقق ما يقارب المائة والعشرين مليون دولار فى دور العرض فى الولايات المتحدة..
نحن إذن أمام صناعة لها أصول ولها مستقبل فى عالم يبحث عن الحقيقة حتى حولها إلى وسيلة تسلية، فيذهب الإنسان للسينما ويدفع تذكرة نظير متابعتها، وليس كما اعتدنا فى مصر، أن ننتجها بأقل الإمكانيات وبدون ضوابط لنعرضها على شاشاتنا مجاناً، فيشاهدها البعض ويعرض عنها الغالبية.. وفى هذا المضمار تفوقت قناة الجزيرة فى إنتاج أفلام وثائقية مميزة قامت بإنفاق الملايين عليها، وأسست لها قناة خاصة لتذيعها.. وكانت هناك محاولة مصرية من قبل نجيب ساويرس لفعل نفس الأمر بتخصيص قناة «أون تى فى» لهذا الغرض وقت كانت القناة العامة فى شبكته التليفزيونية هى «أو تى فى»، ولكنه توقف لسبب أو لآخر، ولم تستمر التجربة واختفت وحلت أون محلها..
هذا التقديم الذى استغرق نصف المقال تقريباً سببه الفيلم الذى أنتجته «الجزيرة» وتبدأ إذاعته اليوم بثلاث لغات على عدد من قنواتها تحت عنوان «كانوا جرحى» الذى من المفترض أنه يروى قصة المستشفى الميدانى فى ميدان رابعة العدوية وقت اعتصام الإخوان فى 2013.. أخرجت الفيلم مخرجة تركية حملت مؤخراً الجنسية الكندية، وتم إعادة بناء المستشفى الميدانى برؤية للمخرجة فى تركيا حيث تم التصوير.. بعض اللقطات التى توافرت لى قبل عرضه تظهر أن المحاكاة فى الفيلم، والمقصود منها إعادة تمثيل مشاهد حدثت وقت فض الاعتصام، لا صلة لها بما حدث، ولكنها من خيال المؤلف والمخرج أو من كلفهم بصناعة الوثائقى..
لا يزعجنى صدور فيلم ملفق أو حتى حقيقى، ولكن ما يزعجنى حقاً هو أن التاريخ يتم تزويره أمام أعيننا وتتم إعادة كتابته مرة أخرى بأسلوب اتبعه أعداء لهذه الأمة على المدى الطويل، فرسخوا أفكاراً فى ذهن الغرب، وربما فى أذهان الأجيال الجديدة من أجيالنا أننا -نحن العرب- المعتدون على إسرائيل، وأن إسرائيل انتصرت علينا فى حرب أكتوبر 1973..
وبنفس أسلوب إسرائيل تقوم «الجزيرة» بتوثيق وجهة نظر خيالية، فتعيد كتابة تاريخ كنا نسمع عنه من قبل أن المنتصر هو من يقوم بكتابته، ولكن اليوم صاحب المال الوفير هو من يكتب التاريخ لحساب جماعة تستعد من الآن للانقضاض مرة أخرى على مجتمعنا بعد شهر أو عام أو حتى مائة عام، وبعد أن تكون المقالات قد كتبت والأفلام سجلت والحقيقة ضاعت واختفت..
فى المقابل، من الذى دون التاريخ الحقيقى، مهما كانت تلك الحقيقة؟ لا أدعى امتلاك مفاتيح الحقيقة أو معرفة الأسرار الدفينة، ولكن هناك أحداث وقعت وشهود عيان أحياء يرزقون وجدوا فى هذه البقعة وفى ذلك التوقيت يمكن من خلالهم توثيق ما حدث وتدوينه ونشره وإنتاجه فيلمياً.. نفس الأمر ينطبق على أحداث كثيرة تستحق التوثيق حتى لا تضيع الحقيقة ولدينا المثال أننا لم ننتج بعد فيلماً جاداً يوثق لانتصار أكتوبر..
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع