بقلم: أسامة بدير
أبدا لن تموت مصر، ولن يموت شعبها، لكن سيكون الموت حتما هو مصير مزورى الانتخابات من أدناهم إلى أقصاهم الذين قاموا بتزيف إرادة الأمة، ويروجون الأباطيل والخرافات عن اجراء انتخابات نزيهة وشفافة.
حتما إن هؤلاء القتلة ومصاصى دماء كرامة وحقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الرأى والتعبير سيكون مصيرهم فى القريب العاجل مزبلة التاريخ من أوسع أبوابه وفى أسود عصره التى عاشتها مصر على أيديهم الأثمة.
ليس فقط لأنهم قتلوا أحلام ملايين البسطاء من الشعب المصرى من أجل حياة ديمقراطية حرة ونزيهة لهم ولأسرهم، وإنما يضاف أيضا لسجل جرائهم الملوث والملطخ بدماء نشطاء وأحرار هذا الوطن فى أقبح صورة من صور التبجح والإرهارب والقرصنة على مقاعد بيت الشعب - منبر التشريعات التى تنظم حياة الناس ويراقب أعمال الحكومة - مجلس الشعب وتزويرهم الفاضح وتلاعبهم بسمعة مصر على الصعيدين الإقليمى والدولى.
لقد تابعت معظم ما نشرته الصحف ووكالات الأنباء العالمية - وما بثته محطات التلفزة عن انتخابات مجلس الشعب التى جرت جولتها الأولى يوم 28 نوفمبر الماضى وجولتها الثانية يوم 5 ديسمبر الجارى - وأجمعت على أن هذه الانتخابات غير نزيهه وتفتقد لأبسط قواعد الشفافية وشابتها أعمال عنف وتزوير وشراء أصوات على نطاق واسع، الأمر الذى يفقدها الشرعية ويعرض مجلس الشعب كله للبطلان خاصة فى ظل صدور آلاف الأحكام والاستشكالات القضائية - أكثر من 1100 حكم واستشكال - من محكمة القضاء الإدارى بوقف إجراء الانتخابات فى مئات من الدوائر وبطلان نتائجها فى مئات آخرى.
وهو ما يعنى عدم قانونية وشرعية هذه الانتخابات وبالتالى بطلان تكوين مجلس الشعب لأن أحكام القضاء هى عنوان الحقيقة، وكما يقول الفقهاء الفرنسيون إن أحكام القضاء هى الحقيقة ذاتها وليست مجرد عنوان لها.
وهنا أدين وبأقصى عبارات الإدانة تجاهل السلطة التنفيذية ممثلة فى حكومة الحزب الوطنى الحاكم كل هذه الأحكام وصارت فى طريقها لإنجاز مهمة التزوير والتزيف وأعمال البلطجة القانونية، لتعيين أعضاء مجلس الشعب بتشكيلة ميكانيكية مبرمجة على هوى آل مبارك تضمن لهم أغلبية كاسحة لتمرير مسلسل التوريث من غير صداع ولا قلق أو حتى كلمة معارضة واحدة.
لقد شهد العالم أجمع هذه المهزلة الانتخابية تحدث فى أكبر دولة عربية من حيث التاريخ والسكان، وأننى على يقين من ذلك أن مصر هى أكبر دولة فى المنطقة بأسرها وإذا ماتت مصر ماتت المنطقة كلها واستبحها العدو أيان كان من هو.
كما أننى أنطلق من زواية أن مصر مع حكم آل مبارك تراجع دورها عشرات المرات عما كانت عليه فى فترات وحقب سابقة، فلم يعد لها أى دور يذكر فى قضايا هامة وحساسة تمس سيادتها بل وسيادة المنطقة بأسرها، كونها باتت تشارك فى علاقات غير متكافئة مع تحالافات إقليمية ودولية من أجل تنفيذ مخططات تلك القوى الاستعمارية المستغلة والطامعة فى ثروات منطقتنا بهدف ضمان سيادة إسرائيل وتفوقها الاقتصادى والعسكرى على كل دول المنطقة، وفى المقابل يضمن آل مبارك تنفيذ مسلسل التوريث الذى يسعى إليه مبارك الأبن.
ومن هنا وأنا على ثقة من أن آل مبارك يدفعون حياة المصريين وكرامتهم قربنا وثمنا بخسا لتنفيذ مخططهم التوريثى فى أسرع وقت ممكن، وبالتالى أضحى آل مبارك يرتكبون أبشع جرائم البشرية فى حق ملايين المصريين ويصادرون حرياتهم العامة والخاصة وبات الشعب المصرى كله فى ظل قانون الطوارىء المطبق عليهم منذ أكثر من ثلاثون عاما يعيش فى معتقل كبير محروم من اداء حقه الدستورى والقانونى فى اختيار ممثليه بحرية ونزاهة ومن غير وصاية أو تدخلات أمنية سافرة.
ولعل قراءة الخارج للانتخابات المصرية وما شابها من خروقات تؤكد حتما أن مصر دخلت فعليا نفقا سياسيا مظلما خاصة كونها مقبلة على مرحلة حاسمة من تاريخها الحديث فى ظل مناخ سياسى ملبد بالغيوم والضباب.
وأما الداخل المصرى والممثل فى منظمات المجتمع المدنى والإعلام المستقل وكل المرشحين بخلاف مرشحى الحزب الوطنى الحاكم وما يسمى بمحلل التزوير - اللجنة العليا للانتخابات - أكدوا عبر شهادات ووقائع موثقة وأدلة دامغة تثبت عدم نزاهة الانتخابات شكلا وموضوعا وأن عمليات التزوير تمت على نطاق واسع وبشكل مخطط ومنهجى وفق قواعد صممها وأشرف على تنفيذها زبانية الحزب الوطنى الحاكم.
ولست هنا بصدد سرد آلاف التجاوزات الفاجرة التى ارتكبها قتلة الديمقراطية من الحزب الوطنى الحاكم لأن معظم الشعب المصرى شاهدها بنفسه وربما يكون ساهم فيها بشكل أو بأخر.
لكن أحب أنوه فقط إلى نموذج واحد أنقله على لسان أحد الذين شاركوا فى نكسة الديمقراطية عام 2010 والتى لا تقل قسوتها ومراراتها بأى حال من الأحوال عن نكسة عام 1967 .
وإليك عزيزى القارىء قصة من بين مئات القصص التى شهدتها الانتخابات المصرية كما رواها أحد رؤساء اللجان الانتخابية وشهدتها دائرة الحوامدية التى تعد أكبر دوائر محافظة 6 اكتوبر حيث كانت جولة الإعادة بين أثيين من الحزب الوطنى الحاكم على مقعد الفئات وأثيين على مقعد العمال أحدهما مستقل والآخر وطنى.
كانت البداية فى تمام الساعة الثامنة صباح يوم 5 نوفمبر جولة الإعادة حيث قام أحد ضباط الشرطة المصرية برتبة مقدم بجمع كل المشرفين ورؤساء اللجان من الموظفين فى مكان واحد وهو فناء أحد المدارس، ثم حضر شخص آخر بلباس مدنى وقدم لهم نفسه على أنه الرائد فلان (...) من آمن الدولة وقال لهم بالحرف الواحد "لقد اتخذ القرار بنجاح فلان (...) وطنى على مقعد الفئات وفلان (...) وطنى على مقعد العمال ومش عايز أى كلام تانى ولا وجع دماغ وأليى هيعمل فيها شريف يورنى نفسه وأنا هبهدله، ويروح من أولها، وعموما أنتم هتبستم فلاس هتخدم حالا وأكل هتكلم..مطلوب منكم أن تقوموا بتسويد البطاقات للأسمين إليى قلت عليهم وتعملوا الآتى.. يعنى عندما تكون اللجنة فيها 900صوت تسود 850 فقط والـ50 البقية تقسمها ما بين المرشح الآخر والأصوات الباطلة وأشخاص لم يحضروا..فى أى تساءول.. فساءله أحد رؤساء اللجان ولما يأتى أحد الناخبين من أليى أحنا انتخبنا مكانه نعمل أيه..فرد عليه ضابط أمن الدولة قائلا: قول له أسمك مش موجود عندى روح دور عليه فى لجنة آخر يعنى تزحلقه"..تمام كده يا جماعة..تمام يا فندم..نادى ضباط أمن الدولة لأحد الأشخاص الذى كان يقف على مقربة منا وفتح حقبية مليئة بعشرات المئات من النقود حيث قام بتوزيع مبلغ 300 جنيه علينا وقال هذه الأموال هدية من المرشحين الذين سوف تقوموا بتسويد البطاقات الانتخابية لهما.
بعدها أمرنا الضابط بممارسة عملنا فى التزوير وبالفعل فى غضون ربع ساعة وبمساعدة مندوبى المرشحين كان كل شيىء تمام، يعنى على الساعة 8.30 صباحا كانت دائرة الحوامدية متقفلة بالتزوير لصالح مرشحين الحزب الوطنى الحاكم.
هذه هى قصة واحدة من بين المئات التى تؤكد من وجهة نظرى على شيىء واحد فقط لا ثانى له، أن ما يسمى بنظام مبارك بات معزولا عن شعبه، وربما فى أى لحظة فارقة من حياة الشعوب ينتفض هذا الشعب ويثور على حاكمه.
وفى يقينى أن هذه اللحظة ربما تكون باتت وشيكة، فكل المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تؤكد حتما أنها أضحت على مقربة من مرمى البصر، وعندها فقط سيرفع الشعب المصرى شعاره الوطنى الحقيقى تحيا مصر والموت للخونة.