الأقباط متحدون - جبهة النصرة
أخر تحديث ٠٩:١٧ | الاثنين ٨ اغسطس ٢٠١٦ | مسرى ١٧٣٢ش ٢ | العدد ٤٠١٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

جبهة النصرة

خالد عكاشه
خالد عكاشه

تبديل زائف للأقنعة، وإعادة تدوير لمزيد من الارهاب .

جبهة النصرة هي تنظيم إرهابي يعد من أبرز منتجات تيار "السلفية الجهادية"، تم تشكيلها في منتصف عام 2011م خلال اندلاع أعمال العنف المسلح في سوريا واستثمرت الانفلات الأمني وارتباك الأحداث في الداخل السوري لتنمو وتتمدد سريعا، تطورت قدراتها خلال شهور معدودة لتدخل عام 2012م وهي أحد أبرز التنظيمات المسلحة خاصة بعد انكشاف أنها تمثل فرع "تنظيم القاعدة بسوريا"، وهو فرع تشكل من داخل رحم "تنظيم القاعدة بالعراق" الذي كان يقوده "أبومصعب الزرقاوي"، ومن هناك خرجت كوادر مدربة ولديها خبرة وتمرس على أعمال القتال تم اكتسابها في أعمال المقاومة المسلحة بالعراق ضد القوات الأمريكية، والجدير بالذكر أنه نفس النبع الذي خرج منه "تنظيم داعش" فقد خرجا سويا من العراق إلى سوريا وهناك تفرقا إلى تنظيمين، تمسك تنظيم "جبهة النصرة" بولاءه للتنظيم الأم "القاعدة" حتى أيام قليلة مضت، وانفصلت مجموعة عنهم لتشكل وحدها "تنظيم داعش" لا تعترف بمرجعية القاعدة وبدأت في العمل بعيدا عن "جبهة النصرة" .

أصدرت "جبهة النصرة" بيانها الرسمي الأول في 24يناير 2012م والذي فيه دعت السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري، ودعت أنصار القاعدة في مختلف بقاع العالم للانضمام إليها في أرض الجهاد الجديدة وتجاوب الكثيرين بالفعل لهذا النداء، ليتشكل أعضاء التنظيم الجديد من السوريين الذين قاتلوا سابقا في ساحات العراق وأفغانستان والشيشان وهؤلاء لهم خبرات طويلة في قتال الجيوش والقوات النظامية، ومع استمرار القتال بالداخل السوري انضم للتنظيم عناصر من الجنسيات العربية المختلفة وأتراك وأوزبك وشيشانيين وطاجيك وعدد أقل من الجنسيات الأوروبية، العمليات المسلحة الكبرى المسجلة بإسم التنظيم عديدة ومتنوعة ربما أبرزها تفجير واقتحام "مبنى قيادة الأركان" في العاصمة دمشق أكتوبر 2012م، وكذلك تفجير كلا من "مبنى المخابرات الجوية، ونادي ضباط الجيش" في حلب مارس 2013م فضلا عن معاركه الطويلة المركزة في "محافظة أدلب" والتي أدت إلى خروجها عن سيطرة النظام فترة طويلة ولم تسترد بالكامل حتى الآن، وتشارك تنظيم "جبهة النصرة" مع العديد من التنظيمات المسلحة في تنفيذ معارك مشتركة ضد قوات النظام السوري أشهرهم "الجيش الحر، وكتائب أحرار الشام"، حيث خاضوا سويا القتال والسيطرة على كل من مدينة حلب ومعرة النعمان ومطار تفتناز وثكنة هنانو والغوطة ووادي الضيف وغيرها من مناطق الوسط والجنوب السوري، في كل من درعا وحماة وحمص والقلمون .

عقب التمدد وحجم التدمير الهائل الذي أحدثته "جبهة النصرة" قامت الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2012م بتصنيفها رسميا تنظيم إرهابي، وسعت بعدها لدى الأطراف الدولية لاتخاذ نفس النهج رغم الرفض الواسع من ممثلي المعارضة السورية وقادة الجيش الحر، لتنجح في دفع "مجلس الأمن" بمنظمة الأمم المتحدة ليقرر في 30 مايو 2013م بالاجماع إضافة "جبهة النصرة" إلى قائمة العقوبات للكيانات والأفراد التابعة لتنظيم "القاعدة"، بعدها وجهت دعوات عديدة لـ "جبهة النصرة" لفك الارتباط عن تنظيم "القاعدة" لما يحمله هذا الاسم من ضرر على المعارك الدائرة بسوريا، ليخرج بعدها زعيم التنظيم "أبومحمد الجولاني" في حديث على "قناة الجزيرة" القطرية ليعلن أن النصرة عملها محصور في الشام فقط، وليس في نيتها القيام بأي هجمات أو عمل عدواني في أوروبا أو أمريكا كما تدعو "القاعدة" وقال ربما ذلك من أهداف القاعدة لكنه ليس من أهدافنا، وقد أوضح الجولاني في اللقاء المصور أنه عندما يتم تشكيل مجلس شورى واحد يضم كافة ممثلي الفصائل والاندماج بجيش واحد وتحت راية واحدة سيتم فك الارتباط تلقائيا عن "القاعدة"، وقد أثار هذا اللقاء التلفزيوني حينها تساؤلات عديدة حول طبيعة العلاقة ما بين "جبهة النصرة" ودولة قطر وعن طبيعة الدعم الذي تقدمه قطر للجبهة، ولازالت هذه العلاقة الغامضة محل شكوك عميقة فتوجه قطر عن طريق "قناة الجزيرة" لمحاولة غسل سمعة التنظيم الارهابي لا تخفى دوافعه عن أحد، ومن قبل هذه الواقعة الاعلامية كان هناك الكثير من الشواهد التي تدعم فرضية وقوف قطر بالدعم المالي والسلاح خلف "جبهة النصرة"، ويؤكده اليوم أن المخابرات القطرية هي صاحبة المقترح الجديد المتعلق بتغيير إسم "جبهة النصرة" والمسجل دوليا كتنظيم إرهابي إلى إسم جديد "جبهة فتح الشام"، حيث أعلن في 28 يوليو الحالي "أبومحمد الجولاني" من خلال تسجيل تم بثه على "قناة الجزيرة" مرة أخرى بشكل حصري، عن إلغاء العمل باسم جبهة النصرة وإعادة تشكيل جماعة جديدة بإسم "جبهة فتح الشام" وأنه وهذه الجماعة الجديدة ليس لهم علاقة بأي جهة خارجية (يقصد تنظيم القاعدة)، وهذا يكشف جزء من مخطط إعادة تدوير التنظيم الإرهابي بمعرفة قطر لدمجه داخل كيانات المعارضة السورية التي تحمل السلاح ضد النظام، لضمان بقاءه على ساحة العمل المسلح خاصة في ظل التراجع الكبير الذي تشهده تلك الكيانات لصالح النظام السوري الذي بدأ يسترد مناطق واسعة ظلت خارج السيطرة طوال أعوام مضت .

هذا التحول الجديد تراهن من خلاله "جبهة النصرة" على أنه من الممكن أن يكسبها المزيد من المؤيدين على المستويين المحلي والدولي، فبعد إعلان انفصالها عن "القاعدة" تقدم نفسها في ثوب جديد يتمثل في عملية تجديد هويتها، وظهورها مستقبلا دون شارة القاعدة ربما تستهدف محو سمعتها القديمة كواحدة من أكثر الجماعات المسلحة وحشية في سوريا لتبدأ تعريف نفسها من جديد، هذا لا يعني بالطبع أن الجبهة سوف تغير من أساليبها وأهدافها الاستراتيجية المنخرطة على أساسها في الصراع، لكنها بوضوح تسعى إلى التنصل من تبعيتها لتنظيم القاعدة حتى تتفادى الوضع على قائمة أهداف الضربات الجوية الأمريكية الروسية القادمة، لكن المراهنة على هذا الثوب الجديد للجبهة ضعيفة جدا إذ أنها تعرف جيدا أن فرص تغيير سياسة الاستهداف التي تتبناها روسيا والولايات المتحدة لن تتغير بعد إعادة تعريف الجماعة المسلحة، لكنها تحاول أن تعلن أن قضيتها الرئيسية هي الجهاد السوري من أجل إسقاط النظام الحاكم، فمن ضمن الجمهور المستهدف من عملية تطوير هوية جبهة النصرة وتقديمها في ثوبها الجديد بعيدا عن التبعية لتنظيم القاعدة، هو الجماعات المسلحة في الداخل السوري إذ يواجه هؤلاء مشكلة في التحالف مع قوات الجبهة رغم وحدة الهدف المعلن، فهناك الكثير من الجماعات التي تقاوم وجود بشار في الحكم وفي نفس الوقت ترفض نهج الجبهة المبني على الفكر المتطرف لتنظيم القاعدة، والمثير أيضا في الأمر أن يقوم "أيمن الظواهري" زعيم تنظيم القاعدة بدعم هذه الخطوة ويعلن من جانبه الانفصال الرسمي لجبهة النصرة عن التنظيم الأم، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن القاعدة هي الأخرى قد دخل عليها طور جديد من التطوير يحولها إلى تنظيم لامركزي، يمكن أن تفرض عليه منهجية العمل المسلح أن يتخلى عن الأنماط القديمة لارتباطات الفروع به، من أجل السعي لنجاح تلك الفروع التنظيمية على ساحات العمل التي تمارس نشاطها المسلح فيها بتغيير الأقنعة والتكتيكات المطلوبة لكل ساحة وفق مقتضيات الضرورة .

ومبدئيا وبعد مرور أيام معدودة لهذا الاعلان لم تستقبل الاطراف الدولية الرئيسية تلك الخطوة بأي نوع من اشارات الترحيب التي كان يراهن عليها التنظيم، حيث ذكر "جيمس كلابر، رئيس الاستخبارات الوطنية الأمريكية" في المنتدى الأمني بآسبن: إن إعلان جبهة النصرة انفصالها عن تنظيم القاعدة وتغيير إسمها لـ"جبهة فتح الشام" يعتبر خطوة علاقات عامة، وأن الهدف هو خلق صورة جديدة أكثر اعتدالا في محاولة لتوحيد ودعوة فصائل وجماعات أخرى مسلحة تقاتل في سوريا، وبالمثل أعلنت الخارجية الروسية في بيان أصدرته الجمعة 29 يوليو أن تنظيم "جبهة النصرة" سيبقى تنظيما إرهابيا غير شرعي مهما أطلق على نفسه من تسميات، مؤكدة مواصلة مكافحة هؤلاء المتعصبين حتى القضاء عليهم تماما، وأنه لا توجد حاجة إلى تأكيد أن كل محاولات الإرهابيين لتغيير صورتهم ستفشل، فإن "جبهة النصرة" ستبقى إرهابية لا تهدف إلا لإقامة ما يسمى بالخلافة الإسلامية من خلال وسائل قاسية وهمجية، وأشارت الخارجية الروسية بتهكم في بيانها إلى أن: المدعو أبو محمد الجولاني زعيم "جبهة النصرة" شكر في بيانه قيادة "القاعدة" على "تفهمها"، وكذلك تعليماتها الخاصة بأفضل طرق الجهاد في الظروف الجديدة، ومن جانبنا نحن من دون شك نتفق مع كلا الرؤيتين الأمريكية والروسية في أن تلك الخطوة التي حاول تنظيم النصرة الالتفاف بها على الوضع الراهن، هي خطوة علاقات عامة وإعادة تدوير لنفايات إرهابية سفكت من الدماء السورية الكثير وتلفعت كاذبة بالرايات الاسلامية زورا وبهتانا، وها هي تجد مرة أخرى من يقدم لها العون لينتشلها من المأزق الذي سقطت فيه من خلال المقترحات القطرية في ظل انشغال حليفها المعلن الثاني وهي تركيا، حيث مثلت تلك الدولتين الداعم الرئيسي لجبهة النصرة منذ لحظات نشأتها الأولى وطوال مسيرة الضخ بالأموال والعتاد، للانفاق على عملا مسلحا وإعاشة لما يقارب 10 آلاف عضو داخل الجبهة في أقل التقديرات التي رصدت النشاط المسلح الذي امتد لخمس أعوام كاملة .

مجلة المصور الاسبوعية


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع