قالت نقابة الصيادلة إنها رصدت 60 مصنعاً لإعادة تدوير الأدوية منتهية الصلاحية، وطرحها فى السوق المصرية، وأضافت فى تقرير لها، حصلت «الوطن» على نسخة منه، أن هناك قائمة طويلة من تلك الأدوية، يُعاد بيعها إلى الصيدليات بعد تدويرها فى تلك المصانع. وأكدت أنها تقدّمت ببلاغ إلى النائب العام أرفقت به نسخة من التقرير، وطالبته بفتح تحقيق رسمى لاستبيان الحقائق.
وكشف التقرير عن أن عقار «الترامادول» أحد أشهر تلك الأدوية التى يتم إنتاجها فى مصانع «بير السلم»، وذلك من خلال قيامها بلصق تاريخ إنتاج وصلاحية جديدين على الأغلفة وإعادة بيعها للمواطنين.
وحذّر التقرير من مرتجعات الأدوية الفاسدة «منتهية الصلاحية»، وأنها غير صالحة للاستخدام الآدمى وتصيب المواطنين بأمراض السرطان والفشل الكلوى والسكر، وقد تتسبّب فى انتشار حالات «الشذوذ الجنسى» بين الرجال والنساء، وتؤدى إلى مضاعفات أخرى قد تؤدى إلى الوفاة.
وأشار التقرير إلى أن نسبة الأدوية منتهية الصلاحية تتراوح من 2 إلى 3٪ من إجمالى حجم المطروح فى السوق، مما يُشكل خسارة تقدر بـ650 مليون جنيه تتكبّدها الدولة وأصحاب الصيدليات، ورغم تلك الخسائر المالية، فإن شركات الأدوية ترفض تسلُّم مرتجعات الأدوية «منتهية الصلاحية» من الصيدليات، رغم إلزام القانون لها باستردادها، لضمان عدم طرحها فى الأسواق مرة أخرى من خلال التحايل على تاريخ الإنتاج والصلاحية، وحَمّل التقرير إدارة التفتيش الصيدلى بوزارة الصحة، مسئولية التصدى لبعض تلك الأدوية التى يتم استيرادها من «إسرائيل والهند»، ومعظمها منشطات جنسية.
وتابع: حجم الاستثمار فى صناعة الدواء بلغ 20 مليار جنيه، فيما تُمثّل المرتجعات 3٪، مما يعنى خسارة للصيدليات تُقدّر بـ450 مليون جنيه، وتلك الأدوية المضروبة التى يتم إعادة تدويرها فى مصانع «بير السلم»، غالباً ما يتم عرضها للبيع بنسبة خصم كبيرة، ومن مصادر غير معلومة ومجهولة المصدر، وهناك دراسات حديثة أكدت أن ٨٪ من حجم الأدوية عالمياً مغشوشة، وأن مصر أصبحت محطة مهمة لتجارة «الترانزيت العالمية للأدوية المغشوشة»، حيث يصب فيها نحو ٧٪ من حجم الأدوية المغشوشة فى العالم، وأن نحو ٢٠٪ من العقاقير المتداولة فى مصر غير صالحة للاستخدام، مما يُمثل خطراً كبيراً على صحة المواطنين وعلى الأمن الدوائى المصرى.
ونوّه التقرير بأن حجم تجارة الدواء فى الشرق الأوسط بلغ 3% من إجمالى حجم التجارة فى السوق العالمية البالغة 3.1 تريليون دولار، وتُعد ثانى أهم تجارة فى العالم بعد تجارة الأسلحة، وأن هناك 136 مصنعاً تقوم بالإنتاج بالسوق المحلية إلى جانب 70 مصنعاً تحت الإنشاء، كما أن هناك 14 ألف دواء مسجل لدى وزارة الصحة، ومثلها تحت التسجيل، فى حين لا يتوافر بالسوق المحلية سوى 4000 دواء، لافتاً إلى أن السوق المصرية شهدت خلال العام الحالى نمواً يتراوح من 12% إلى 18%، وأن القطاع فى حاجة إلى عدة إجراءات تُحد من العمليات التهريبية التى تُعد السبب الرئيسى فى ظهور حالات الغش، فى ظل عدم وجود عقوبات رادعة للمخالفين.
وكشف الدكتور أشرف مكاوى، رئيس نادى صيادلة مصر، المنسق العام لمشروع مكافحة فيروس «سى»، إن النقابة رصدت 60 مصنعاً تقوم بتدوير الأدوية منتهية الصلاحية. وأضاف لـ«الوطن»، أن أى دواء يتم تدويره لا يعود إلى الصيدلية، بل يذهب إلى عيادة الطبيب، بعد أن بات الأطباء يملكون صيدلية داخل عياداتهم، خصوصاً عيادات أمراض النساء التى تبيع منشطات جنسية للمرأة، تُسبب سرطان الرحم والثدى، لأن تلك الأدوية تؤثر على الهرمونات، وتتسبّب فى إصابة المرأة بالعقم.
وأشار إلى أن مصانع بير السلم تقوم بتدوير الأدوية منتهية الصلاحية عن طريق تفريغ الكبسولة ووضعها فى ماكينة، يخرج منها شريط الأدوية كاملاً، ثم يتم وضع تاريخين جديدين للإنتاج والصلاحية، ومن أشهر الأصناف التى يتم إنتاجها على هذا النحو عقار «الترامادول»، ونوّه بأنه مع انتشار الشركات أصبح لكل صنف أكثر من 12 بديلاً، فالصيدلى أصبح لا يتحمّل كل هذه المرتجعات من الأدوية منتهية الصلاحية، مما يؤدى إلى استنزاف أمواله، مع استمرار الشركات فى الامتناع عن تسلُّم مرتجع الأصناف، فيضطر الصيدلى إلى التخلص من هذه الأدوية إما ببيعها، وإما بالتصرف فيها بطريقة أخرى.
وقال الدكتور أحمد فاروق، الأمين العام لنقابة الصيادلة، إنه طوال السنوات الثلاث الماضية استمرت النقابة فى محاربة ظاهرة الأدوية منتهية الصلاحية، وتحرّكت بجميع الطرق من خلال التواصل مع شركات الدواء وروابط الموزعين، ومع كل المعنيين بهذا الأمر، لكن لا أحد يسمع أو يستجيب لمطالبنا للحد من هذه الظاهرة التى تُمثّل خطورة على الأمن القومى المصرى.
وأضاف «فاروق» أن النقابة تقدّمت ببلاغ للنائب العام مثبت به عشرات القضايا لمخالفات المصانع التى تقوم بإعادة تدوير تلك الأدوية. وأوضح أن هناك مجموعة من القرارات الوزارية الملزمة لشركات الأدوية بسحب منتجاتها منتهية الصلاحية وإعدامها عن طريق محاضر رسمية بين الإدارة العامة لشئون الصيدلانية والإدارة المركزية للشئون الصيدلية، إلا أن تلك الشركات تقاعست طوال 10 سنوات عن استرجاع هذه الأدوية، مما أضر بسمعة الدواء المصرى، لافتاً إلى وجود «مافيا» كبيرة تقوم بتجميع هذه الأدوية، وتُعيد تدويرها مرة أخرى، ليكون المواطن هو الفريسة لتلك الكارثة.
واستنكر الأمين العام لنقابة الصيادلة، موقف وزير الصحة الحالى وتعامله السلبى مع قضية الأدوية «منتهية الصلاحية» والمغشوشة والمهرّبة، ووصفه بأنه «شاهد ماشافش حاجة»، وأنه غير حازم فى تعامله مع شركات الدواء التى باتت تُملى شروطها على أى وزير نتيجة سيطرتهم على الأسواق. ونوه بأن إعدام الأدوية «منتهية الصلاحية» ليس بالأمر السهل أو الميسّر، فالدواء سلعة مهمة لها طرق محدّدة لإعدامها حتى لا تُسبّب أضراراً بالبيئة، وهناك أدوية مثل اللقاحات والأمصال والأدوية البيولوجية والحيوية، كلها تُعدم بطرق معينة ومخصّصة ويتم حرقها فى محرقة «السويس»، أما بقية الأدوية الأخرى فيتم حرقها ودفنها فى محارق أخرى على مستوى الجمهورية. وتابع: هناك عشرات المحاضر التى تقدّمنا بها العام الماضى للنائب العام، لكن لم يتحرّك أحد، من بينها ضبط 5 ملايين عبوة دواء فاسد كانت معدة لترويجها بالأسواق، وتلك الكمية لها تداعيات كارثية على صحة المواطنين، وعلى وزير الصحة أن يُصدر قراراً جديداً يُلزم الشركات بسحب الأدوية منتهية الصلاحية، أو آخر ينص على تنفيذ القرارات الوزارية السابقة، ومنها القرار رقم 104 لسنة 2003 أو القرار 19 لسنة 2011، وذلك لإنقاذ المواطنين من تأثيرها على صحة المواطنين، مشيراً إلى أن النقابة أرسلت إنذاراً على يد مُحضر إلى وزير الصحة، لمطالبته بتنفيذ القرارات الوزارية التى تُلزم الشركات بسحب الأدوية منتهية الصلاحية من الأسواق.
وقال الدكتور أحمد أبودومة، المتحدث الرسمى باسم نقابة الصيادلة، إن النقابة طالبت لجنة الصحة بمجلس النواب، بإصدار مشروع قانون، أو استحداث مادة فى قانون مزاولة مهنة الصيدلة، لإلزام شركات الأدوية باستعادة منتجاتها منتهية الصلاحية من الصيدليات. وأضاف أنه لا بد من إيجاد آلية جديدة تلتزم من خلالها شركات الأدوية باسترجاع منتجاتها منتهية الصلاحية.
وقال الدكتور محيى عبيد، نقيب الصيادلة، إن النقابة ستعقد اجتماعاً اليوم (الأحد)، مع ممثلين من وزارة الصحة وشركة «ims» لتصميم المواقع وتكنولوجيا المعلومات، لدراسة إنشاء برنامج إلكترونى للصيدليات، للربط بين جميع الصيدليات والموزعين والمخازن فى مختلف أنحاء الجمهورية. وأضاف «عبيد»، فى بيان له أمس، أن برنامج الربط الإلكترونى سيتيح لوزارة الصحة وبعض الأجهزة الأمنية، تتبّع حركة الدواء داخل مصر، بداية من تصنيعه، وحتى توزيعه وبيعه للصيدليات، ووصوله إلى يد المريض، مما يساعد فى وضع خطة سنوية لدراسة حجم السوق واحتياجاته. وأوضح نقيب الصيادلة أن الربط الإلكترونى سيُسهم فى التواصل مع الصيدليات وضبط حركة سوق الدواء من خلال محاربة الأدوية المغشوشة عن طريق «شارات التصنيع»، كما سيُقلل حجم الأدوية منتهية الصلاحية عن طريق توجيه الصيادلة إلى تحريك الرواكد قبل أن تتجاوز تاريخ الصلاحية.
وتابع: «الربط الإلكترونى سيُساعد فى معرفة حجم الأدوية المهرّبة ومصدرها، بالإضافة إلى مخالفات مصانع بير السلم والتهرّب الضريبى، وأن البرنامج سيحل مشكلات الصيادلة قبل وقوعها عن طريق توفير جميع الأصناف وتقليل النواقص ومعرفة المشكلة قبل حدوثها» مشيراً إلى أن النقابة ستدرس إنشاء شركتين إحداهما لتجهيز الصيدليات بالأجهزة الإلكترونية وأجهزة المسح الضوئى، وأخرى لبرامج الإدارة والصيانة.