يواصل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان سياساته الرامية إلى الإجهاز تماماً على كل صوت ونفَس معارض يقول قولاً مخالفاً لما يقول الخليفة العثمانى الجديد، اعتقالات بالآلاف فى كافة المجالات من جيش وقضاء وسلك دبلوماسى، فصل عشرات الآلاف من وظائفهم. يكفى أن نشير إلى ما كتبه «كريشان» المذيع بقناة الجزيرة على صفحته نقلاً عن حديث للرئيس التركى مع قناة تليفزيونية تركية من أن أردوغان يقدر عدد المندسين داخل الجيش التركى بنحو ٦٣٩ ألف عنصر (ستمائة وتسعة وثلاثون ألف عنصر)، ويعنى هذا ببساطة أن الرجل يخوّن غالبية أفراد الجيش التركى. نعلم أن الصراع يدور داخل إطار جماعة الإخوان، فأردوغان وعدوه اليوم جولن ينتميان للجماعة، وكانا حلفاء الأمس ثم اختلفا وتنافسا، فلا علاقة لما يجرى اليوم من تصفيات داخل الجيش التركى ومؤسسات الدولة بالمؤسس أتاتورك، فالمتصارعان يتفقان على تمزيق أشلاء وتركة مؤسس تركيا الحديثة أتاتورك.
ما نلاحظه هنا هو أن الجماعة وأنصارها يدعمون أردوغان فى كل ما يقوم به من سياسات انتقامية، بل ووفّروا له العناصر المسلحة التى تولت مواجهة عناصر محاولة الانقلاب الفاشلة، فقد انتشرت ميليشيات الجماعة والجماعات السلفية فى الشوارع وتولت مواجهة عناصر الانقلاب من الجيش التركى وارتكبت جرائم بشعة بحق جنود وضباط أتراك.
والحقيقة أن ما جرى ويجرى فى تركيا اليوم إنما يكشف خيبة الجماعة وفشلها فى أى مكان توجد فيه مهما كانت طبيعة الدولة والشعب، ومهما تلونت بألوان براقة تتحدث عن الديمقراطية والحرية بل والثورية.
فقد ارتدت الجماعة الثوب العثمانى تحت شعار «العثمانيون الجدد» وقدموا أنفسهم للعالم باعتبارهم نموذجاً للواقعية السياسية، وجاء وزير خارجيتهم فى ذلك وقت «داود أوغلو» إلى القاهرة أكثر من مرة ليشرح لمراكز الفكر والدراسات رؤية العثمانية الجديدة للتنمية الاقتصادية وللعلاقات المتجددة مع الجوار الإقليمى، وخلاصة رؤيتهم هى أن تركيا مع حزب العدالة والتنمية الذى ينسب نفسه لتيار الإسلام السياسى ثقافياً وحضارياً سلكت طريقاً جديداً يستند إلى حل كافة المشاكل التاريخية مع دول الجوار التى كانت ضمن الإمبراطورية العثمانية مترامية الأطراف فى يوم ما قبل أن تصبح الرجل المريض الذى تقتسم دول أوروبا ممتلكاته. طرح العثمانى الجديد داود أوغلو رؤيته للعلاقة مع دول الجوار من خلال ما سماه «صفر مشاكل»، أى تسوية كافة المشاكل فى البلقان وإلى الجوار الجنوبى، وطرح العثمانى الجديد رؤيته على شعوب وأعراق عديدة ارتكب العثمانى القديم بحقها جرائم وصلت إلى حد الإبادة (الأرمن) وأخرى عاق حقها فى تقرير المصير وظلمها تاريخياً (الأكراد).
فى الوقت نفسه قدم العثمانى الجديد نفسه لأوروبا باعتباره نموذجاً للدولة الإسلامية العلمانية التى يمكن أن تكون جزءاً من أوروبا، تؤمن بقيمها الحديثة وتتعامل معها من منطلق المصلحة الوطنية.
نقلا عن الوطن