الأقباط متحدون - الإيهام والإحباط والجريمة
أخر تحديث ٠٦:١٣ | الجمعة ٥ اغسطس ٢٠١٦ | أبيب١٧٣٢ش ٢٩ | العدد ٤٠١١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الإيهام والإحباط والجريمة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

فاروق عطية
    دعا الناشط "مجدى خليل" عضو منظمة التضامن القبطى يوم الإثنين 18 يوليو، أقباط أمريكا وكندا لتنظيم مظاهرة أمام البيت الأبيض للتنديد بالانتهاكات التى تحدث ضد الأقباط فى مصر، بعد تكرار حوادث العنف الدينى فى محافظة المنيا. وطالب خليل المقيم بواشنطن عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، كافة الأقباط المقيمين بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا إلى الانضمام للمظاهرة التى حدد موعدها بيوم الثلاثاء الثاني من أغسطس، ودعاهم للاتصال به من أجل ترتيب الحضور بالأتوبيسات. كانت قرية طهنا الجبل بمحافظة المنيا قد شهدت مساء الإحد 17 يوليو اعتداء علي عائلتي اثنين من الأباء الكهنة بالهراوات والأسلحة البيضاء، وأسفر ذلك عن وفاة فام ماري خلف27 سنة، إثر طعنة نافذة في القلب، وأصيب كل من نجيب حنا والد القس متاؤس بطعنات عديدة في الوجه، وملاك عزيز شقيق القس بطرس بطعنة نافذة في الجانب الأيمن، وعزة جمعة (إحدى الجارات)، بإصابات خفيفة بالوجه. كانت أسباب أحداث العنف التي وقعت وفقا لما تداوله شهود عيان في القرية هو شائعة بناء كنيسة. وقد شهدت نفس المحافظة حادث حرق منازل أقباط بقرية أبو يعقوب منذ أيام بسبب نفس الشائعة.

   وقبل ميعاد المظاهرة بعدة أيام قام هاكر الأمن الوطني المصري بالاستيلاء علي صفحة خليل الفيس بوكية وأرسلوا من خلالها رسائل التهديد والوعيد لكل من تسول له نفسه الذهاب للمظاهرة. كما أشاعوا علي عدة مواقع مختلفة أن متطرفي داعش هددوا بتفجير منطقة التظاهر إذا تمت.

   كما نقل القمص إبراهام عزمى، مسئول الإعلام للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالولايات المتحدة، رسالة من البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية لجميع الداعين للتظاهر أمام البيت الأبيض، يوم الثلاثاء، احتجاجًا على الأحداث الأخيرة بمحافظات الصعيد تجاه الأقباط. وقال البابا في رسالته عن التظاهرات، والتي نقلها موقع كوبتك ورلد التابع للمكتب الباباوى بأمريكا: "أنا ضد أي مظاهرات تضر مصر وتسبب الصراع مع السلطات العليا وإحراج شديد مع المسئولين. المظاهرات لا تغير أوضاعنا وتضر صورة مصر وطنيًا ودوليًا، ونحن في مصر قادرون على التعامل مع مشاكلنا وعواقبها". وتابع: "من فضلك، لأجل المسيح، تجنب هذا السلوك الذي هو غير مقبول في أي من كنائسنا في الولايات المتحدة الأمريكية، هذه المظاهرات تشوه بلدنا ومكسب للشر، لدينا ظروف مختلفة تمامًا عن تلك التي قبل خمس أو عشر سنوات ونحن لا نستطيع التعامل مع الأحداث الجديدة المتطورة باستخدام الأساليب القديمة، وابن الطاعة يحل عليه البركة والمخالف حالة تالف".

   هذا التهديد والإيحاء به، إضافة لاعتراض البابا تواضرس الثاني وشجبه للمظاهرات، جعل الكثير من الناس يخشون الذهاب بسبب الإرهاب، أو احتراما لرجاء قداسة البابا، وقرروا الإحجام. ولكنني رغم تحذيرات أم العربي ورغم التورم الذي أصاب ركبتي اليسري جراء وقوعي نتيجة تعثري بالرصيف أمام العمارة التي أسكنها، ونصيحة الطبيب لي بالراحة وعدم ارهاقها بالسير مع عمل كمادات مثلجة من آن لآخر. ورغم حبي وطاعتي للبابا تواضرس، الذي أقصر طاعتي له في المسائل الروحية الديبية فقط. ليت قداسته يقصر مقولتك  "وابن الطاعة يحل عليه البركة والمخالف حالة تالف" علي الرهبان في الأديرة لأنهم باعوا الدنيا وفضلوا العيش في البتولية بعيدا عن العالم، أما نحن العلمانيين فقول قداسته لا ينطبق علينا، وأري أن ليس لقداسته علينا غير السمع والطاعة في المسائل الروحية الدينية، أما حياتنا الخاصة سياسية واقتصادية وحياتية فهي تخصنا وحدنا وليس لقداسته علينا فيها أي طاعة، وأذكر قداسته بما جاء في أنجيل مرقص: (ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْمًا مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلَا تُبَالِي بِأَحَدٍ، لِأَنَّكَ لَا تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ، بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللّهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لَا؟ نُعْطِي أَمْ لَا نُعْطِي؟ فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ اِيتُونِي بِدِينَارٍ لِأَنْظُرَهُ. فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ: لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: لِقَيْصَرَ. فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ. فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ  إنجيل مرقس 12-12-17). ليت قداستك أن تترفع عن الخوض في المسائل السياسية، لأننا نطالب بالدولة العلمانية اللا دينية، فما الفرق إذن بيننا وبين من ينادون بالدولة الخلافة الدينية ؟. و لهذه الأسباب  قررت الذهاب للمظاهرة.

   وفي اليوم المحدد الثلاثاء الثاني من أغسطس، كان عدد الحضور مخيب للآمال، حضر عشرات من المتظاهرين حاملي اللافتات التنديدية. سرنا رافعي راياتنا في نظام حضاري كما هو عادتنا كمصريين مهجريين في كل تظاهراتنا. فجأة دوي انفجار بجانبي أطاح بقدمي اليمني في الهواء، فصرخت من شدة الألم لأستيقظ من غفوتي، وأجد أم العربي نجفف عرقي وتطمئنني أنني علي فراشي سليما معافا وأن ما حدث كان مجرد حلم.

   هذا الحلم ذكرني بحادث قديم نتيجة الإيحاء والوهم، شهدت أحداثه وأنا طالب بالمرحلة الثانوية. كان لي زميل في الدراسة، إبن عمدة قرية نزلة القاضي التابعة لمركز طهطا. كان بتلك القرية دجال اشتهر عنه ربط الرجال المقبلين علي الزواج حتي يفشلوا جنسيا فيلجأون له صاغرين يدفعون ما يطلب منهم من مال حتي يفك الربط. بالطبع أنا أعلم وأوقن أنه فقط يعتمد علي الإيحاء وخوف الرجال من الفشل الذي يذل كبريائهم ويحط من رجولتهم أما العروس وأهلها.

  قرر زميلي ابن العمدة الزواج من إبنة عمه التي تدله في حبها منذ الصغر، وكونه ابن العمدة ويعلم سلطة والده وجبروته في القرية وأن الدجال لا يجرؤ علي ذلك معه. ولكن في ليلة العرس وهو في الكوشة مع عروسه والأهل والأتراب من حوله يغنون ويحطبون ويرقصون، وقعت عينيّ العريس علي الدجال يجلس بين الحاضرين، فأصابه الخوف، أن يتناسي  الدجال سطوة أبيه ويفعلها معه. وبعد الفرح أخذ عروسه وانطلق إلي الإسكندرية لقضاء شهر العسل. وحين اختلي بعروسه، نتيجة هذا الجوف، وقر في داخله أنه قد تم ربطه، ولم يستطع الدخول بعروسه.

   ذهب لأشهر أطباء الذكورة بالإسكندرية، الذي أجري الكشف عليه وأثبت له أنه سليم 100% ويمكنه ممارسة الحب دون أي أدوية أومنشطات، لكنه حاول مرارا وفشل، وعاد للقرية حزينا محبطا. أخبر والده بما حدث له. أرسل العمدة شيخ الغفر لإحضار الدجال حيا أو ميتا. وحين حضر تحت تهديد السلاح أقسم بمئات الإيمانات أنه لم يفعل شيئا حيال ابن العمدة. بل أقسم أيضا أنه لا يستطيع ذلك من الأصل وأن الناس هم الذين تتوهمون ذلك ويأتون إليه بأموالهم ليفك رباطهم، فيقوم بعدة حركات تمثيلية وحرق بعض البخور وأوراق شخبط عليها بعض الشخابيط فيقتنع المربوط ويعود سليما كما كان.

   إطمأن زميلي وحاول أن يلغي الوهم الذي تغلغل داخله، وحاول مرات أخري ففشل. استل سكينا وجري كالمجنون إلي منزل الدجال وطرق بابه بعنف، وعندما فتح له الباب عاجله بعدة طعنات في القلب أردته قتيلا، قبض عليه وأمام القضاء، تعاطف القضاة مع حالته النفسية وحُكم عليه بحكم مخفف، 10 سنوات حبس مع الشغل والنفاذ.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع