بقلم : حمدي رزق | الاربعاء ٣ اغسطس ٢٠١٦ -
١٢:
٠٥ م +02:00 EET
حمدي رزق
الاسم طوبة والفعل أمشير، والاسم محكمة وحكمت المحكمة، والفعل فعل الدولة الدينية الرهيبة المتغلغلة فى شرايين وأوردة المجتمع المصرى، تحكمه وتقهره وتُرديه وتسجنه فى قفصها، حتى يأتيها صاغراً، راكعاً، ساجداً، مُقِراً بفعله، نادماً مستغفراً لذنبه، طالباً العفو والسماح، ولن تعفو ولو اعتذرتم أو عفّرتم وجوهكم فى تراب الأقدام، سبحانه وتعالى يعفو عن كثير.
تأييد الحكم على إسلام بحيرى، مثل تأبيد فى أسر الدولة الدينية، وكل مَن يعرف طبائع هذه الدولة ما كان عليه أن يمنى نفسه بقبول النقض أو الطعن أو حتى العفو، الدولة الدينية العميقة قررت أن تعاقب مَن تجرأ على قدسيتها، وتمعن فى عقابه حتى يكون عبرة لمَن لم يعتبر، وتجرأ، مَن اقترب احترق.
فى بلدتنا الصغيرة فى غيابات الدلتا، راجت الأسطورة، ماكينة الطحين لا تدور دورتها ويُسمع صوتها الرتيب إلا إذا شبعت، وإذا جاعت فى موعد معلوم تخطف طفلاً بريئاً لم يبلغ الحلم تزفّر بدمائه سيورها الجلدية، شببنا عن الطوق نخشى الاقتراب، وإن اقتربنا نمسك فى ذيل جلباب الأمهات خوفاً وخشية، ماكينة شريرة تتخطف العصفور الصغير من حضن أمه وهى بتضمه.
الدولة الدينية مثل ماكينة الطحين لا تشبع أبداً، ضحاياها كثر، تتلذذ بمذاق الدماء، تتحين الفرصة لتنقَضَّ بمخالبها الحادة تنهش القلوب، تترك لنا الأشلاء، يخشى الذى فى قلبه مرض، ويهلل ويكبر العوام فى الطرقات، دولة عتيقة عميقة مسيطرة، نافذة، متحكمة، أدخلت فى قلوبهم رعباً، وفى وعيهم أنهم حماة المقدس، يحاربون من أجله أو يهلكون دونه، كُتب علينا الهلاك إذا تنكبنا الطريق الذى رسمه مشايخ هذه الدولة ثقيلة الأقدام.
دولة تأسست على قمع الأفكار، وسجن العقول، وسحق الهامات، تأسست على أساطير مؤسسة فى كتب صفراء يحلفون بها فى الشوارع والحارات، وتمددت فى فترات الضعف والهوان، صار الشيخ فينا يحكم ويتحكم بالحلال والحرام، وتكفير وتفسيق ورِدّة، يستخرجون من كتبهم الصفراء ما يفرقون به بين المرء وزوجه، افتئاتاً واجتراءً.
دولة قادرة على تنويم الجموع بأحاديث البهتان، وتسحب القطيع إلى حتفه غرقاً فى عرقهم جزعين من انتقامها، وتسلط عليهم عتاة يجلدون العوام بسوط من عذاب، وتستولى على عقولهم بتحريف الكلم عن موضعه، وتغمض أعينها كذئب جائع عن الحلال البين والحرام البين، وتقف على المشتبهات، تتبضع سلطاناً بالمختلف، وإذا اختلفوا فيما بينهم حول السلطان، قالوا افتئاتاً اختلافهم رحمة، وهم قساة لا يرحمون.
لا أقف مشدوهاً أمام أحكام تصدر من محاكم هنا أو هناك بالسجن على ثلة من الرفاق، أنتم السابقون، هذه مشيئة الدولة الدينية التى تحكم البلاد، شاءت وشاء لها الهوى، وهذا الذى نتترى فيه من احتراب من صنع مشايخها، هؤلاء هم مَن يحكمون البلاد، ويتسلطون على العباد، واحتكروا الفقه والتفسير، وقمعوا الفكر والتفكير، وأوصدوا باب الاجتهاد، وتماهوا مع فتاوى صدرت فى أزمان سحيقة، واستخرجوا من كتبهم الصفراء ما يُمَكِّنهم من الرقاب بالإجماع.
الدولة الدينية هى التى تحكم بالسجن على العقول، هى التى تُفتى فينا، وتخطب فينا، وتُصبحنا وتُمسينا، وتزعم تجديداً وتثويراً، مثل هذه الدولة لا مكان فيها لعالِم مجتهد أو مجدِّد أو معلم، دولة العمائم ومن غيرهم يفقهون، وعلى دربهم يسير رهط من حاملى اللواء.
للدولة الدينية ضحايا تسفك دماءهم كل حين تحت أقدام سلطانها، جائعة إلى تثبيت سلطتها، وتحصين منعتها، وتتويج عمائمها فوق الرؤوس جميعا، وتطلب ابتداء تنكيس الرؤوس، ومَن يرفعها آثم فى قلبه، يحق عليه العذاب، سوط عذاب يفرقع فى الهواء فى دوائر حلزونية ثم يلتف حول الرقاب، ويلقف الرؤوس، دولة فاشية تقتات على الدماء، ولا ترتوى أبداً، هل من مزيد.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع