الأقباط متحدون - الذئاب المنفردة والعملية الدموية في ميونيخ
أخر تحديث ٠٤:٥٤ | الثلاثاء ٢٦ يوليو ٢٠١٦ | أبيب ١٧٣٢ش ١٩ | العدد ٤٠٠١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الذئاب المنفردة والعملية الدموية في ميونيخ

بقلم : ميشيل حنا الحاج 

الهجوم في ميونيخ  الذي اودى بحياة تسعة أشخاص وجرح خمسة عشر بعضهم جراحهم خطرة، من المرجح أن يكون من انتاج الذئاب المنفردة  التي حذرت من نشاطها خلال عام 2016 مع تراجع قددرات الدولة الاسلامية على النشاط في الخارج. فهو الحادث الخامس في هذا العام. بدأه مواطن أميركي من أصل  افغاني لدى اطلاقه النار على رواد ملهى ليلي في أورلاندو الأميركية قبل بضعة أسابيع، وتبعه هجوم في داكا عاصمة بنغلادش بعد أيام قليلة. ومن ثم في  الرابع عشر من هذا الشهر، الهجوم الكبير الدامي الذي نفذه مواطن فرنسي من أصل تونسي في مدينة نيس الفرنسية وحصد 84 ضحية. وبعده  بأيام قليلة، وقع باكورة نشاط الذئاب المنفردة في ألمانيا، رغم تبني الدولة الاسلامية لذاك العمل.  وقد أخذ شكل الهجمة بساطور  من قبل شاب مراهق  من الذئاب المنفردة، وعمره 18 عاما، وكان ضحاياه  ركاب قطار يسير في ولاية بافاريا.  فجرح خمسة، وتقول بعض الأنباء  15، قبل أن يقتل من قبل رجال الشرطة.  ثم جاء  هجوم يوم امس  الثاني والعشرين من تموز (يوليو)، ونفذه أيضا في ميونيخ شاب مراهق في الثامنة عشرة من عمره، ألماني من أصل ايراني، وينحدر من عائلة ثرية، وتلقى تعليما جيدا، مما ينفي مواجهته حالة من  المعاناة من  حياة اجتماعية بائسة. كما أنه لم يكن ألمانيا صرفا، ليكون منتميا الى  تنظيم الماني متشدد كالنازيين الجدد مثلا. وبكل تأكيد لم يكن من اللاجئين السوريين، ليقال بأنه عنصر داعشي تسلل الى المانيا ضمن عملية لجوء بعض اللاجئين السوريين الى المانيا التي استقبلت أكثر من مليون وربع المليون لاجىء.
 
وقد تلجأ الدولة الاسلامية مرة أخرى الى الادعاء بأن تلك العملية، كانت عملية أخرى من عملياتها. فالدولة الاسلامية، في مرحلة ضعفها النسبي، سوف تتبنى اية عملية ارهابية تنفذ هنا وهناك. ومع ذلك، فانه لا يمكن استبعاد دورها تماما فيما حدث في ميونيخ. فازاء عدم وجود اي من الأسباب السابقة، كمعاناة من الوضع الاجتماعي، أو انتماء لتنظيم الماني متشدد، أو كون الهجوم من ذيول قضية اللاجئين السوريين، يرجح أن يكون مرد هذه العمليات المتكررة، التأثير غير المباشر للدولة الاسلامية على نهج تفكير اولئك الشباب وخصوصا الذين يمرون بمرحلة المراهقة. فالمهاجم في القطار كان في الثامنة عشرة، ومثله المهاجم في ميونيخ. وهؤلاء سريعو التأثر بأفكارالدولة الاسلامية ومعتقداتها التي تبث يوميا عبر الشبكة الأليكترونية العنكبوتية. فمثل هذه الدعوات التبشيرية من الدولة الاسلامية عبر النت والفيسبوك واذاعة الدولة الاسلامية، تؤثر في عقول البعض من المراهقين وغير المراهقين، وتحولهم الى أتباع  للدولة الاسلامية، لكنهم أتباع عن بعد،  ويعملون بمفردهم دون استلام تعليمات مباشرة من الدولة الاسلامية. وكما كررت مرارا فان دعوات هذه الدولة، تؤثر في معتقدات المراهقين  بل والبالغين أيضا. فكلنا نذكر العملية التي نفذها زوج وزوجته الايرانية في مصح طبي، في نهايات العام الماضي، في مدينة برناردينو الأميركية،حيث قتل أربعة عشر شخصا.
 
ويشير تقرير لرجال الأمن الألماني، عن احتمال كون الشاب الايراني مريض عقليا.  كما ورد اشتباه مشابه من قبل، عن احتمال كون المهاجم التونسي في نيس كان ايضا مريض نفسيا.  كما يحاول التحقيقان في ميس وفي ميونيخ، أن يشيرا  الى احتمال وجود حلقة تآمرية في الوضع. ولذا اعتقل خمسة أشخاص في نيس بتهمة تسهيل مهمة المهاجم. والآن المصادر الألمانية ترجح لاحتمال وجود مؤامرة ما في ميونيخ أيضا، لوجود اشتباه بأنه قد نشر على الفيسبوك  دعوة عامة لغداء مجاني في مطعم ماكدونالد الذي انطلق منه المهاجم، مما يفسر تواجد عدد من الشباب في المطعم طمعا في وجبة مجانية. ويؤكد الناطق باسم الأجهزة الأمنية، أن هذا الأمر لم يزل في مرحلة الاحتمال والتحقيق.
 
لكن الاحتمال الأكثر ترجيحا، هو أن جميع هؤلاء، في كل تلك الهجمات، كانوا من الذئاب المنفردة  المتأثرين بدعوات الدولة الاسلامية دون الانضواء رسميا تحت صفوفها. وأنا كنت قد كتبت  ونشرت مقالا في مطلع العام الحالي، أحذر فيه بأن عام 2016 قد يصبح عام الذئاب المنفردة  الذين يؤمنون بأفكار الأم الرؤوم أي الدولة الاسلامية دون الانتماء اليها، لكنهم يتطوعون تلقائيا لمساندتها، في مرحلة ضعفها. أما الاشتباه بوجود مرض نفسي أو عقلي لدى المهاجم في نيس والمهاجم في ميونيخ، فانه لا ينفي أبدا احتمالات كونهما قد تصرفا كذئاب منفردة رغم كونهم مرضى نفسيين، الذين يصبجون بسبب مرضهم ذاك، صيدا أكثر سهولة ويسرا للدولة الاسلامية، اذ أن مرضهم وما يفرزه من مخيلات غير صحية، يجعلهم أكثر اندفاعا نحو الايمان بمبادئها التي تدعو للعنف، وبالتالي اعتناقها.
 
 ومع تواتر الهجمات الدموية ووقوع ثلاثة منها على الأقل في مدى لم يتجاوز الثمانية أيام، فقد بات  يفترض بالمجتمع المدني وكذلك بالجهاز الأمني في الدول الأوروبية وفي غيرها من الدول، ألا يفاجئوا كثيرا بوقوع مزيد من الهجمات، ربما في وقت قريب. اذ أنه من المتوقع أن تزداد أعدادها مع استعار المعارك في منبج وفي حلب ومواقع أخرى، ومع استعدادات معلنة  ومتواصلة لمهاجمة الموصل، وربما الرقة في وقت متزامن مع مهاجمة الموصل، وهما المعركتان اللتان تنتظران فحسب حسم الموقف في منبج وفي حلب... ففي هذه الأجواء يفترض بالجميع توقع مفاجئات دموية أخرى، من ذئاب منفردة يعيشون بيننا، ولا نعلم أبدا بما يعدونه في مخيلتهم من مفاجاآت للمجتمع الذي يقيمون بين أبنائه.
 
ملاحظتان أخيرتان لا بد منهما.  أولهما أن عمليات الذئاب المنفردة الخمسة الأخيرة، بدءا بغزوة دكا، وانطلاقا بعدها لغزوات أورلاندو،  ثم نيس، والقطار في بافاريا، ومن ثم العملية الدامية في ميونيخ، كان منفذوها جميعهم من جذور قادمة من منطقة الشرق الأوسط وجوارها (أفغانستان، ايران، وتونس). وثانيهما، أنهم جميعا كانوا ينتمون للمذهب الاسلامي، فلم يكن اي منهم مسيحيا أو يهوديا او حتى بوذيا.  هذا اذن ليس مجرد صدفة عابرة، بل يشكل اشارة واضحة بأن الدولة الاسلامية، كما يتبين تدريجيا، أكثر وأسرع قدرة في التأثير على من ينتمون للدين الاسلامي الحنيف، منها في القدرة على التأثير بمن انتموا لطوائف أخرى. فهذا ما قد أخذ يتبلور تدريجيا وبوضوح أكثر، على ضوء عمليات الذئاب المنفردة الخمسة الأخيرة. فالمنفذون جميعهم، أصحاء أومرضى عقليين نفسيين أو يعانون من عقدة ما كما في حال المهاجم في أورلاندو، كانوا مسلمين وجذورهم قادمة من بلاد شرق أوسطية، وهذا ما جعلهم صيدا سهلا للتأثر بدعوات الدولة الاسلامية المتطرفة البعيدة تماما عما يدعو اليه الدين الاسلامي الحنيف الذي عرف على مدى قرون طويلة بالوسطية وبالاعتدال.

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع