الأقباط متحدون - لو كنت المسؤول
أخر تحديث ٢١:٥٠ | الخميس ٢١ يوليو ٢٠١٦ | ١٤ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٩٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

لو كنت المسؤول

عبد الناصر سلامة
عبد الناصر سلامة

لو كنت المسؤول لقُمت بتكريم ذلك المستثمر، مواطناً كان أو أجنبياً، الذى يقوم باستصلاح ١٠٠٠ فدان، دون الرجوع إلى الدولة، بعقد أزرق أو أخضر، أو حتى فوشيا، لو كنت المسؤول لقمت بتكريم ذلك المستثمر، مواطناً كان أو أجنبياً، الذى قام بتشييد مصنع يمكنه استيعاب أو تشغيل ٥٠٠ شاب من ذوى المؤهلات المختلفة، لو كنت المسؤول ما طلبت من صاحب أى مشروع مُنتِج فى أول خمس سنوات أى أموال تتعلق بضرائب أو تأمينات أو ما شابه ذلك، لو كنت المسؤول ما طلبت من أى رجل أعمال التبرع لمصر، ولا لأى شىء آخر، مادام يُنتج ويستوعب عمالة، ويسدد حقوق الدولة، لو كنت المسؤول لأصدرت قرارات يحصل من خلالها أى صاحب فكرة مشروع على كل التيسيرات والموافقات خلال فترة زمنية لا تتعدى ٢٤ ساعة.

رأس المال جبان أيها السادة، المنافسة فى ذلك أصبحت كبيرة جداً على المستويين الإقليمى والدولى، من دول القارة الأفريقية بلا استثناء، إلى الآسيوية بلا استثناء، إلى الأمريكتين أيضاً بلا استثناء، إلى دول الاتحاد الأوروبى، سوف يجد صاحب رأس المال هناك كل التيسيرات التى تجعله يقيم مشروعه، زراعياً كان أو صناعياً، أو حتى فضائياً، خلال ساعات قليلة جداً، وبإغراءات لم نسمع عنها من قبل، سوف يشعر أى مستثمر أنه فى وطنه الأول، وإلا لما استوطن الملايين من مواطنينا فى هذه الأقطار، من أقصى الكرة الأرضية إلى أقصاها، فى مِلكيات خاصة بهم، وليس وظائف كما قد يعتقد البعض.

بالمناسبة، لن نتقدم، ولن نتطور، ولن يُكتب لنا النجاح أبداً، إذا استمرت هجرة العقول الوطنية، والأموال الوطنية، بهذه الوتيرة المتسارعة، بسبب مجموعات من الفاسدين، المعوِّقين والمعوَّقين فى آن واحد، لن نتقدم، ولن نتطور، ولن يُكتب لنا النجاح أبداً، إذا استمر العمل بتلك الورقة المدونة بها أسماء الجهات الخمس عشرة، التى يجب الحصول على موافقاتها قبل الشروع فى إنشاء أى مشروع أو الحصول على أى قطعة أرض، لن نتقدم، ولن نتطور، ولن يُكتب لنا النجاح أبداً، إذا استمر العمل بقانون «فتَّح عينك تاكُل ملبن»، أو قانون «مشِّى حالك يا أستاذ» أو قانون «سلِّك أمورك»، وغير ذلك من قوانين حياتنا الاجتماعية والعملية اليومية.

فى سالف الزمان، كُنا نسمع عن رشاوى بالآلاف أو حتى عشرات الآلاف، الأمر الآن أصبح أكبر من ذلك بكثير، لحساب مجموعات هذه هى مهمتها فى المجتمع فقط، مهمتها التعويق حتى الدفع، وهو ما جعل رجال الأعمال الحقيقيين يركنون الآن إلى نظرية «وليسعك بيتك» ثم نشكو بعد ذلك: أين رجال الأعمال، أين أموال المصريين، أين الاستثمارات؟ وبالمناسبة أيضاً، لن يأتى إلينا رجال أعمال من الخارج أبداً، إذا كان أبناء الداخل يتوجسون خيفة، معظمهم شركاء، وجميعهم أصدقاء، والمصالح واحدة، والمعطيات أمام الجميع واحدة، وبالتأكيد النتائج كذلك.

كنت أتمنى ذات يوم أن تقوم الدولة باستصلاح الأراضى وتوزيعها على الخريجين دون مقابل، ولا أدرى ما الذى يمنع ذلك، كنت أتمنى ذات يوم أن تعمل الدولة على إغراء أصحاب رؤوس الأموال باستصلاح الأراضى وتملكها فوراً دون معوقات، ولا أدرى ما الذى يمنع ذلك، نعيش على ٧٪‏ من مساحة أرض مصر، وهذا فى حد ذاته سبب كاف لتنفيذ هذا التصور، البطالة تمثل المشكلة الأولى فى المجتمع، وهذه فى حد ذاتها كانت سبباً كافياً لتطبيق هذا التصور، ندرة الإنتاج مشكلة أساسية فى المجتمع، وهى تكفى كسبب لتنفيذ هذا التصور.

أعتقد أنه يجب تركيز الجهود فى جلب رؤوس الأموال المصرية من الخارج، باستعادة ثقة أصحاب هذه الأموال فى وطنهم، بدلاً من ذلك التوجس الحاصل مع الدولة الرسمية لأسباب عديدة ومعلومة للجميع، وبصفة خاصة صنَّاع القرار، سوف نجد صعوبة بالغة فى إقناع مستثمر واحد أجنبى بذلك، فى ظل هذه الظروف التى تمر بها البلاد، لكننا لن نبذل نفس الجهد مع مئات وآلاف المواطنين، الذين يهيمون عشقاً فى وطنهم، إلا أنها الممارسات الطاردة، التى عانوا منها خلال الأعوام الماضية، ومازالت كما هى لم تتغير، بل تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم، مادمنا ننطلق فى تعاملاتنا معهم من «الغِل والحسد»، وليس من القاعدة الشرعية «واللهُ فضّل بعضكم على بعض فى الرزق فما الذين فُضِّلوا بِرادى رزقهم...» سورة النحل.

فى مصر الجديدة، البداية لم تكن موفقة أبداً مع رجال الأعمال، ولا غيرهم من أصحاب الأموال بصفة عامة، التحفز كان واضحا، كما التحريض، البعض شعر بالغبن، البعض الآخر أحس بالغدر، بدا الموقف وكأنه لا توجد أى خطط للنهوض، الأعين تتجه فقط لأموال رجال الأعمال، لا توجد برامج انتخابية، ولا خطط خمسية أو عشرية، الحديث يدور فقط حول رجال الأعمال، تم ربط أرقام مالية باهظة على معظمهم لسبب أو لآخر، اعتبرها البعض عشوائية، حتى يمكن أن «ينفد بجلده» على أقل تقدير، المنع من السفر، كما ترقب الوصول، كما التحفظ على الأموال، كما المضايقات، جميعها كانت إجراءات طاردة، حتى لمن لم يصبه الدور.

على أى حال، بدا أننا ندور الآن فى حلقة مفرغة على كل المستويات، نتيجة ظاهرة أصبحت شائعة فى المجتمع، وهى انعدام الثقة، انعدام الثقة فى بعضنا البعض، فى السلطة، فى القيادة، فى المستقبل، فى الإدارة، فى كل شىء تقريباً.. أعتقد من هنا يبدأ العلاج، استعادة الثقة، أيضاً على كل المستويات.
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع