أحياناً أحس أن محافظة المنيا قد استولت عليها «داعش»، وجعلتها إمارة مستقلة على كوكب آخر فى مجرة منعزلة، هذه المحافظة المنكوبة التى تتعامل معها الدولة والقيادات الأمنية بمنطق أغنية سهير البارونى «وأنا عاملة نفسى نايمة»، وإذا كانت الأغنية قد انتهت بسقوط النجفة على أم رأس المطربة، وكانت النتيجة ضياع بصرها، لذلك فأنا خائف من أن تسقط المنيا فى هوة الضياع وطريق اللاعودة وتصبح النتيجة أن تفقد عروس الصعيد وعيها وعذريتها وبكارتها وانسجامها وجمالها، ما كدنا نفيق من تعرى سيدة قبطية على أيدى همج وحمقى فى قرية الكرم، وانشغل المحافظ وقيادات الأمن وقتها بالمساحة التى تعرّت وكأنهم يعملون ترزية ومقصدارات فى مصنع ملابس،
وأنكروا أن التعرية قد كانت كاملة كما يذكر دعاة الفتنة وتمزيق نسيج الوطن وأكدوا أنها من النوع التوبلس فقط وهو مقدار مسموح به دولياً!!، التقطنا الأنفاس وقلنا الحمد لله من الممكن أن يكون المحافظ قد رتّب أولوياته وركز اهتماماته بعد اطمئنانه على بيضته المقدسة فى علبتها القطيفة المزركشة، فإذا بنار الفتنة وكأنها كرة بنزين مربوطة فى ذيل قطة مسعورة تجرى بلا هدى فى غيطان المنيا، قرية أبويعقوب ينتفض رجالها الشجعان الذين لا ينتفضون لانقطاع مياه أو عدم وجود المجارى أو جفاف الأرض أو تعدٍّ سافر على أراضٍ زراعية، لكنهم ينتفضون فقط ويجتمعون على قلب رجل واحد عندما يصلهم النبأ العظيم، بناء كنيسة،
تحويل حضانة إلى مكان صلاة للمسيحيين، غلت الدماء فى العروق التى لا تغلى من مشاهد الفقر، التهبت الأعصاب التى لا تلتهب من طوابير الانتظار أمام مقابر من ماتوا نتيجة فشل كلوى أو كبدى أو سرطان نتيجة ظروف غير آدمية تعيش فيها مثل هذه القرية وأخواتها، غُدد الغليان وهرمونات الالتهاب لا تعمل فقط إلا عند سماع شائعة أن المسيحيين يريدون الصلاة فى مكان يجهزونه لذلك، لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى تراق على جوانبه الدم، خرجت القرية عن بكرة أبيها لتحرق البيوت والزروع، كانت النتيجة تفحُّم خمسة منازل يمتلكها ويسكنها أقباط، وهكذا تحقّق التقدم وارتفع مستوى المعيشة وتحرّرت المنيا من الغزاة الصليبيين وتحوّلت «أبويعقوب» إلى أم القرى!!،
ومن «أبويعقوب المنيا» إلى «طهنا الجبل»، ومن الحرق إلى القتل، ومن ألسنة النار إلى هدير الرصاص نستمع فى الخلفية إلى صوت المحافظ ومدير الأمن ومؤسسات الدولة وهم يغنون «كورس» فى فيلم فول المنيا العظيم وأنا عاملة نفسى نايمة، وأنا عاملة نفسى نايمة، حرق بيتى، شوفى قلة أدبه، قتل ابنى، شوفى قلة أدبه.. إلخ، يضرب رجال الأمن فى المنيا على ظهر يد الحارقين والقتلة ورافعى الملابس الحريمى، قائلين كخ عيب وبلاش قلة أدب منك له، ثم يتم الإفراج أو الصلح عبر الجلسات العرفية الإذعانية العبثية، أو تجرى مطافى بيت العيلة بعد فوات الأوان ودون خراطيم مياه أو عربات إطفاء، يذهبون بحسن النوايا والطبطبة وتبويس اللحى أمام الكاميرات ومطالبات ضبط النفس بعد كتم الأنفاس، فاكرين زمان لما كنا بنغنى مصر لم تنم، الآن صار نشيدنا القومى وسلامنا الجمهورى فى محافظة المنيا وأنا عاملة نفسى نايمة!!
نقلا عن الوطن