الأقباط متحدون - المحاولة الانقلابية.. زلزال يهز عرش أردوغان
أخر تحديث ١٥:٥٠ | الثلاثاء ١٩ يوليو ٢٠١٦ | ١٢ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٩٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

المحاولة الانقلابية.. زلزال يهز عرش أردوغان

ارشيفية
ارشيفية
د.عبدالخالق حسين
ما حصل مساء الجمعة (15/7/2016)، من محاول انقلابية عسكرية، لم يكن حدثاً من فعل فصيل صغير في الجيش التركي، كما أدعى أردوغان وأتباعه، وإعلامه، بل هو زلزال شمل كل تركيا، كاد أن يطيح بحكمه لو كان قد خطط له باتقان وحرفية. والمحاولة هذه كانت نتيجة حتمية ومتوقعة بسبب سياسة "السلطان" المغرور رجب طيب أردوغان الذي يحلم بإعادة الإمبراطورية العثمانية عن طريق أسلمة الشعب التركي سياسياً، والقضاء على علمانية كمال أتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة. 
 
فقد نجح الإنقلابيون في السيطرة على محطة تلفزيونية، حيث أصدروا منها بيانا جاء فيه إن "مجلس السلم" يدير شؤون البلاد، وإنه قاد انقلابا عسكريا من أجل "استعادة النظام الدستوري، والديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات".
 
لقد كشفت المحاولة عن مدى الشق الذي أحدثه أردوغان في الشعب التركي، مدنيين وعسكريين. إذ سيطر الإنقلابيون على عدة مؤسسات حكومية في العاصمة أنقرة، واسطنبول ومدن أخرى. وهذه المحاولة عبارة عن بركان كان يغلي تحت السطح ينتظر اللحظة المناسبة لينفجر في وجه أردوغان ويطيح بنظامه الإسلاموي. إذ لا يمكن لفصيل صغير أن يقوم بكل ما حصل في مختلف مناطق تركيا الواسعة ما لم يكن له من دعم واسع، عسكرياً ومدنياً. فرد الفعل الكبير الذي قام به أنصار أردوغان لم يتناسب مع فعل فصيل صغير، مما حصل من قتل وإصابات واعتقالات الألوف في صفوف العسكريين والمدنيين وخاصة في صفوف القضاة. فآخر الأرقام التي نشرتها وكالات الأنباء نقلاً عن مكتب رئاسة الجمهورية التركية: "ارتفاع عدد القتلى خلال محاولة الانقلاب إلى 265 شخصا من بينهم 161 مدنيا. كما لقي 141 عسكريا من المتورطين في محاولة الانقلاب حتفهم، وأكثر من 1500 جريح". كذلك أفادت الأنباء عن اعتقال نحو ثلاثة آلاف عسكري بينهم خمسة جنرالات و 29 عقيدا، إضافة إلى اعتقال وإقالة نحو ثلاثة آلاف قاضيا، بينهم أعضاء في المحكمة العليا.
 
وكالعادة، اتهم أردوغان جهات خارجية "كيانا موازيا" بتدبير محاولة الانقلاب، في إشارة إلى رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن. وطالب الولايات المتحدة بتسليمه. ورفضت أمريكا الطلب ما لم تقدم تركيا الأدلة على تورط غولن بالمحاولة الإنقلابية. وقد نفى غولن أن تكون له أية علاقة بما وقع، وقال إنه يدين "بشدة محاولة الانقلاب في تركيا ". 
 
المعروف عن اردوغان أنه اتبع في تسلطه على الحكم خطوات هتلر النازي الألماني الذي استلم السلطة ديمقراطياً عام 1932، ومن ثم بدأ بحصر السلطات بيده، واضطهاد معارضيه وتصفيتهم، إلى أن سيطر بالكامل على الشعب الألماني عن طريق البلطجة والترغيب والترهيب، ثم قاد إلى الحرب العالمية الثانية ونتائجها الكارثية المعروفة. كذلك أردوغان، منذ فوز حزبه (حزب العدالة والتنمية) الإسلامي، عام 2002، وتعيينه كرئيس للوزراء، قام بنهضة إقتصادية جيدة وأعلن تمسكه بالعلمانية والديمقراطية، مما ساعده على كسب شعبية واسعة، وتحقيق المزيد من الفوز في الانتخابات البرلمانية اللاحقة. وبعد أن ثبَّت أقدامه، بدأ تدريجياً بأسلمة الشعب التركي، أي فرض الإسلام السياسي، وتقليص العلمانية، وكشف عن دكتاتوريته.. 
 
فبعد ثلاث دورات من تسلمه رئاسة الوزراء، و نفاد حقه في تسلم رئاسة الحكومة مرة أخرى، رشح نفسه رئيساً للجمهورية التي هي تشريفاتية بروتوكولية حسب الدستور التركي، ولكن لم يكن مثله ليقتنع بهكذا منصب بدون صلاحيات تنفيذية، لذلك عمل على تغيير الدستور، وتبني النظام الرئاسي التنفيذي لأغراضه الشخصية. ولما عارضه رفيقه ومنظر أيديولوجية حزبه، رئيس الوزراء السابق، أحمد داوود أغلو في ذلك، قام بطرده من منصبه، وعين مكانه بن علي يلدرم المعروف بطاعته وخنوعه لأردوغان. وهكذا بدأ أردوغان منذ استيلائه على السلطة بحصر السلطات بيده، وأسلمة المجتمع، وتقليص العلمانية، والتضييق على حرية التعبير، والصحف، و قام باعتقال المئات من الصحفيين الذين عارضوا نهجه الاستبدادي، وأغلق بعض الصحف، واستبدل هيئات تحرير صحف أخرى بصحفيين موالين له.
 
هذا النهج الأردوغاني مخالف لثقافة الشعب التركي الذي اعتاد على حرية التعبير والتفكير والحياة الغربية التي تبناها أتاتورك. والجدير بالذكر أنه منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة تعهد الجيش أن يكون الضامن للمبادئ الأتاتوركية، وعلى رأسها العلمانية. لذلك فما حدث من محاولة انقلابية عسكرية دليل على مدى الغليان والسخط والتذمر في المجتمع التركي ضد سياسة أردوغان الإسلاموي، ونزعته الديكتاتورية. 
كذلك قام أردوغان بزج تركيا في صراعات إقليمية ودولية لا مبرر لها، ألحقت أضراراً كبيرة بالشعب التركي، مثل دعمه لداعش، وتحالفاته مع أشد دول المنطقة رجعية مثل السعودية وقطر، للإطاحة بحكم بشار الأسد، وتدخلاته الفظَّة في العراق وغيره، وإثارة العداء ضد روسيا. وقد أثبت الزمن فشله في جميع هذه السياسات الرعناء، وخاصة في دعمه لداعش الإرهابية التي انقلبت عليه فيما بعد، مما اضطر أردوغان أخيراً إلى الاعتذار من روسيا، والاتصال ببشار الأسد طالباً الصفح، وطي الماضي، بعد سنوات عجاف مما جلبه من خراب وعدم الاستقرار على دول المنطقة وبالأخص على سوريا والعراق، وأخيراً على تركيا نفسها. 
 
لماذا فشل الإنقلاب؟
فشل الانقلاب لعدة أسباب منها كما يلي:
1- عدم حرفية التخطيط. إذ كان المفروض بالانقلابيين أن يبدأوا بالقبض على أردوغان، حيث كان يقضي عطلته في منتجع مرمريس في جنوب غربي  تركيا. فلو كان قد تم إلقاء القبض عليه وعلى أعوانه الكبار لتغير الأمر في صالح الانقلاب.
2- افتقار الإنقلابيين إلى تأييد شعبي واسع، فالمرحلة هي ليست مرحلة الانقلابات العسكرية كما كان الوضع في القرن الماضي، فقد مل الناس من حكم العسكر. لذلك فحتى أحزاب المعارضة وقفت ضد الانقلابيين رغم معارضتهم لأردوغان، إلا إنهم يريدون إزاحته بالوسائل الديمقراطية.
3- فقدان التأييد الدولي لحكم العسكر،
4- كون تركيا عضو في حلف الناتو، ومهمة للغرب، إذ تشكل جسراً بين الغرب والشرق الأوسط، خاصة في هذه المرحلة حيث الإرهاب وعدم الاستقرار، وموجات اللجوء المليونية نحو الغرب، لذلك من الصعوبة نجاح الإنقلاب بدون تأييد غربي وخاصة من أمريكا.
 
ما بعد المحاولة الانقلابية
حال سماعه بالمحاولة الإنقلابية، نجح أردوغان في إصدار أوامره إلى أنصاره بالخروج إلى الشارع والدفاع عن الديمقراطية، الأمر الذي أطلق العنان للنزعات العدوانية الانتقامية لأنصاره ضد الجنود، فهناك صور بشعة بالفيديو، حيث قام أنصار أردوغان بأعمال وحشية ضد الجنود المشاركين في المحاولة، وتم تجريد أعداد كبيرة منهم من أسلتحهم وحتى من ملابسهم، والاعتداء عليهم بالضرب والركل، وهناك صورة بشعة يقوم فيها أنصار أردوغان بذبح جندي بعد أن سلّم نفسه وسلاحه على جسر البسفور وقطع رأسه، تماماً على طريقة الدواعش. 
 
كما قامت السلطة بحملة اعتقالات عشوائية واسعة ضد الألوف من العسكريين والمدنيين ممن يشك بولائهم لأردوغان، الأمر الذي دعى جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، إلى مطالبة المسؤولين الأتراك بضبط النفس وتجنب النزعات الانتقامية، والإلتزام بالقانون. ولوحظ أيضاً نزعة العداء بين الجماهير والجيش، وهذه الحالة لها تأثيرات سلبية على المجتمع التركي لاحقاً، إذ لا يمكن للجيش التركي أن يتساهل مع هذه الإهانات إليه، فالتاريخ يعلمنا أن المحاولات الإنقلابية الفاشلة تقود بالتالي إلى محاولة ناجحة لاحقاً.
 
خلاصة القول، إن المحاولة الانقلابية هي الجزء المرئي من الجبل الجلدي، يعكس مدى تذمر الشعب التركي ضد سياسات أردوغان، فإن فشلت المحاولة هذه المرة، فهذا لا يعني نهاية المعركة، بل خطوة كبيرة نحو نهاية أردوغان، خاصة وأنه (أردوغان) سيستغل فشل المحاولة لفرض المزيد من تشديد قبضته الحديدية على الشعب التركي، وأسلمة المجتمع، وتقليص العلمانية والديمقراطية، ومصادرة الحريات، الأمر الذي سيزيد من تذمر الشعب التركي، ويعجل بنهايته ديمقراطياً أو حتى عسكرياً. كذلك لهذه المحاولة تأثير سيئ على سمعة تركيا دولياً، فهكذا بلد مازال مهدداً بالانقلابات العسكرية، أصبح انضمامه للإتحاد الأوربي الذي يحلم به أردوغان، شبه مستحيل في المستقبل المنظور. 
كل هذه المصائب هي نتيجة سياسات المغرور أردوغان، إذ كما قال الشاعر العربي:
إذا كان الغراب دليل قوم ... سيهديهم إلى دار الخراب

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع