"الحزب الوطني يُـريـد إحكام قَـبضته على مفاتيح التغيير القادم في رئاسة مصر"
اتسمت الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب المصري بالعديد من التجاوزات والمضايقات وأعمال العنف
في القاهرة، قالت وسائل إعلام حكومية يوم الاربعاء 1 ديسمبر إن الحزب الحاكم في مصر يقترب من فوز كاسح بعد الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في حين حصلت أحزاب معارضة على عدد محدود للغاية من المقاعد.
وكانت جماعة الاخوان المسلمين التي كانت تسيطر على خمس المقاعد في مجلس الشعب المنتهية مدته قد أعلنت في وقت سابق أنها لم تفز بأي مقعد في الجولة الاولى من الإنتخابات التي أجريت يوم الاحد 28 نوفمبر لكنها قالت إن 26 من مرشحيها سيخوضون جولة الإعادة في 5 ديسمبر وألمحت إلى احتمال انسحابها من السباق الانتخابي.
وفي ظل ما بدا إصرارا من السلطات الحاكمة في مصر على مُـواصلة احتكار السلطة، حتى لو اقتضى الأمر تزوير الإنتخابات واعتقال أعضاء أكْـبر جماعة للمعارضة (الإخوان المسلمون)، وشراء الأصوات ورفض نداءات أمريكية وأوروبية بالسماح لمراقبين دوليين بمتابعة سيْـر الإنتخابات البرلمانية والتأكّـد من حريتها ونزاهتها، أسْـفرت الجولة الأولى للإقتراع عن وصول أقلّ عدد من نواب المعارضة إلى مجلس الشعب منذ عشرين عاما.
وفي محاولة لفهم ما يحدث وأبعاد التطورات الأخيرة في مصر، توجّـهت swissinfo.ch بالسؤال إلى الدكتورة ميشيل دان، كبيرة الخبراء بمؤسسة كارنيغي للسلام العالمي في واشنطن ورئيسة تحرير "نشرة الإصلاح العربي"، التي تحولت في الأعوام الأخيرة إلى مرجِـع لدُعاة الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي، وأجريت معها الحوار التالي.
swissinfo.ch: باعتبارك متابِـعة لمحاولات التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في العالم العربي، كيف تقيِّـمين سيْـر عملية انتخابات مجلس الشعب المصري؟
ميشيل دان: لقد شابت الانتخابات كثير من النواقص والعوْرات وافتَـقرت بشكل كبير إلى الشفافية، في ظلّ محاولات مُـستميتة من النظام الحاكم في مصر، لحجب تغطِـية أجهزة الإعلام لسيْـر العملية الانتخابية، خاصة التغطيات التليفزيونية الحية. كما أعاق النظام حرية وصول مراقبي الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني المصري إلى مراكز الإقتراع، بل ومراكز فرْز الأصوات.
وبطبيعة الحال، رفَـض النظام الحاكم السماح بمشاركة مراقبين دوليين، وبالتالي، أصبح من الصعب بمكان معرفة ما الذي جرى بالضبط ومدى مِـصداقية نتائج الانتخابات في ظلّ كل هذه القيود. ولكن هناك وفْـرة من تقارير المراقبين المحليِّـين والصحفيين وممثِّـلي المرشحين من الأحزاب المنافسة للحزب الحاكم، تفيد كلها بوقوع عمليات تزوير واسعة النطاق من خلال مشاهدة القائمين على مقارّ اللجان الانتخابية بمَـلء بطاقات الإقتراع بأنفسهم خلال فترات تمّ فيها إغلاق تلك المقار لساعتين أو نحو ذلك أو بدخول أنصار الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم إلى بعض المقار الإنتخابية حاملين أكياسا مكتظة ببطاقات اقتراع مملوءة مُـسبقا لصالح مرشّـحي الحزب.
تفاخر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم باكتِـساحه للجولة الأولى من الانتخابات وعدم نجاح أيٍّ من مرشّـحي الإخوان المسلمين وفوز مرشحي المعارضة بأقل من 1% من مقاعد المجلس. فكيف سيؤثِّـر ذلك على مستقبل مصر السياسي؟
ميشيل دان: مع أن هذه النتائج تشكِّـل ما تمّ حسْـمه في الجولة الأولى، فإنه لا يمكن أن نتوقع بعد كلّ ما حدث أن تسفِـر انتخابات الإعادة في الأسبوع القادم عن وضْـع مختلف، فستنتهي الانتخابات بعدد ضئيل للغاية من المقاعد للمعارضة المصرية، مما سيعني أن انتخابات مجلس الشعب في عام 2010 عادت بمصر إلى الوراء عشرين عاما، حين لم يكن للمعارضة في البرلمان المصري عام 1990 سوى عدد ضئيل من النواب، وسيعني ذلك افتِـقار المجلس الجديد إلى المصداقية والشرعية في عيون الشعب المصري، الذي سيضطر إلى المزيد من عدم المشاركة السياسية بعد أن تهاوَت أحلامه في التقدّم إلى الأمام ووجد وطنه يتقدّم إلى الخلف!
في الماضي، كان الحزب الحاكم في مصر يكتفي بضمان أغلبية الثُّـلُـثين، فما الذي دعاه إلى التغول والرّغبة المحمومة في تأمين أغلبية ساحقة ترسِّـخ احتِـكار السلطة والانفراد بالقرار، دون معارضة تُـذْكر؟
ميشيل دان: بصراحة، يجب الاعتراف بصعوبة فهْـم دوافع الحزب الوطني الديمقراطي إلى هذا القدر من التغول، خاصة وأن المجلس السابق، ورغم أنه كان يضم أكبر نسبة معارضة سمح بها النظام ووصلت إلى 25%، منها 20% لممثلي جماعة الإخوان المسلمين، أجاز كل ما احتاجه النظام من قرارات تشريعية، بل ومن تعديلات دستورية، بفضل أغلبية الثلثين التي حافظ عليها الحزب الحاكم بضمّ مُـعظم الأعضاء المستقلّـين، وكان بوسعه تأمين أغلبية الثلثين في انتخابات نظيفة والمحافظة على مساحة معقولة للمعارضة، ولكن ذلك لم يحدُث، لذلك، فالتفسير الوحيد أمامي لتفسير مسلك التغول، هو وجود توتّـر سياسي عارم في مصر فيما يتعلّـق بمن سيخلف الرئيس مبارك في حُـكم مصر في انتخابات الرئاسة في العام القادم، في ظلّ عدم وضوح الرؤية وما إذا كان الرئيس مبارك، كبير السن المعتل الصحة، سيرشح نفسه لستّ سنوات أخرى، بعد أن بقي في الحكم ثلاثين عاما أم سيخلفه ابنه جمال أو أي مرشح آخر من الحزب الحاكم، الأمر الذي خلق انقساما داخل الحزب حول خلافة مبارك، لذلك، هناك شعور عام بأن الحزب الوطني الديمقراطي يحاول من خلال انتخابات مجلس الشعب أن يحكم قَـبضته على مفاتيح التغيير القادم قريبا في رئاسة مصر.
سارعت وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض إلى التعبير عن خيْـبة الأمل إزاء ما انطَـوت عليه الانتخابات المصرية من تجاوُزات وافتقارها للشفافية. فهل تعتقِـدين أن هذه البيانات تشكِّـل ردا أمريكيا كافيا على ما حدث؟
ميشيل دان: تضمَّـنت البيانات الأمريكية استخدام كلمات تنديد قوية، مثل الشعور بالقلق وخيْـبة الأمل، بل والاستياء. وكذلك، تضمَّـنت الاستعداد الأمريكي لمُـواصلة العمل مع الحكومة المصرية ومؤسسات المجتمع المدني في مصر، لإدخال المزيد من التّـحسينات على الوضْـع السياسي في مصر وتجنّـب تِـكرار المخالفات التي وقعت، وأعتقد أن البيانات الأمريكية كانت جيِّـدة بشكل عام، ولكن المهِـم ليس البيانات، وإنما ما الذي ستقدم عليه إدارة أوباما بعد ذلك، وكيف ستنتقل من مرحلة الحوار المهذّب وراء أبواب مُـغلقة في تنبيه الحكومة المصرية، إلى مقومات الإنتخابات النزيهة خلال الشهور الستة السابقة على الانتخابات وعدم إصدار أي انتقادات علنِـية قاسية للنظام الحاكم في مصر، إلى مرحلة الشعور المتزايد بالإحباط إزاء تدهْـور الوضع السياسي في مصر بعد إخفاق انتخابات عام 2010 في تحقيق تقدّم عن انتخابات عام 2005، بل والعودة إلى الوراء عشرين عاما. وأعتقد أن إدارة أوباما ستضطر إلى التفكير في تغيير التكتيكات المُـستخدمة مع مصر لتوفير قدْر أكبر من الفعالية للجهود الأمريكية، التي تستهدف إدخال إصلاحات سياسية في مصر.
حذّرت افتتاحية لصحيفة "واشنطن بوست" إدارة أوباما، من أن السماح للنظام الحاكم في مصر بأن يمهِّـد الطريق من خلال انتخابات مجلس الشعب لحُـكم وراثي لأسْـرة مبارك، بتمرير السلطة لابنه جمال، سيُـحوِّل مصر إلى دولة يحكُـمها نظام غيْـر شرعي، مما سيجعلها عُـرضة لمعارضين من القوميين أو الإسلاميين. فهل تتَّـفقين مع هذا التحليل؟
ميشيل دان: أعتقد أن هناك ما يدعو إلى القلق إزاء توجّـهٍ مُـتزايد في مصر نحْـو إيجاد أشكال من الحُـكم غير الشرعي، بدءا بمجلس الشعب القادم الذي سيفتقِـر إلى المصداقية والشرعية في عيون الشعب المصري، ووصولا إلى عملية خلافة الرئيس في العام القادم. فلو تمّ انتخاب الرئيس في غِـمار عملية يشوبها الافتقار إلى العدالة والنزاهة أو من خلال عمليات تزوير أو حِـرمان المرشحين الآخرين من حقِّـهم في المنافسة الشريفة على هذا المنصب البالغ الأهمية في مصر، وإذا تمّ حرمان الشعب المصري من حقّـه الأصيل في الاختيار الحُـر بين أكثر من مرشح، فلن يشارك في انتخابات الرئاسة إلا عدد ضئيل من الناخبين، مما سيخلق أزمة شرعية ستدعو الشعب إلى التعامل مع الرئيس الجديد بقدْر أقل كثيرا من الاحترام، مما سيفتح الباب على مصراعيْـه أمام تحديات وقلاقل.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :