سليمان شفيق
فجأة تحول الفيس إلى ساحة لنشر أخبار غير دقيقة لتسخين الأقباط، «ذبح صيدلى قبطى فى طنطا»، «استشهاد راهبة فى حادث إرهابى»، ولم ينتظر أحد نتائج التحقيقات، وفى ساعات قليلة تمت إدانة الشرطة والنظام، وحينما أصدرت الكنيسة والدير الخاص بالراهبة بيانات تؤكد أن الحدث جنائى وغير طائفى، أدان كثيرون الكنيسة، واعتبروا أن بياناتها والدير فيها شبهة تواطؤ مع الحكومة!
بالطبع هناك أسباب موضوعية لفقدان الثقة من قبل قطاع من الأقباط، منها مثلا: أحداث الكرم وما ارتبط بالإفراج عن المتهم الأول فى الأحداث، الذى نسب إليه «تعرية السيدة»، وحرق أربعة منازل باللوفى فى سمالوط بالمنيا بعد شائعة بناء كنيسة.. إلخ.
حدث ضغط على الضحايا فى العامرية واللوفى لإجراء مصالحة بعيدا عن القانون، وبالفعل تمت الجلسة العرفية فى العامرية، ورغم أن من ضمن الضحايا فى اللوفى الاعتداء على ضابط شرطة، وتحطيم سيارة الشرطة، فإنه للأسف وفى المصرى اليوم بتاريخ 1/7 نشرت: «من جانبه، كلف المحافظ اللواء طارق نصر، بيت العائلة بالتحرك والانتقال للقرية ولقاء الجانبين، واحتواء وتهدئة الموقف وإنهاء الأزمة.. فيما أعلن الشيخ محمود جمعة، أمين عام بيت العائلة، الانتقال إلى القرية، ولقاء العمدة حاتم أبوزين، وبعض الأهالى لعرض المشكلة والحلول المقترحة لإعادة الاستقرار».
تصوروا المحافظ ممثل السلطة التنفيذية يوكل لـ«بيت العائلة» القيام بالحلول العرفية بديلا لدولة القانون!! فى الوقت الذى أصدرت فيه مطرانية سمالوط بيانا رفضت فيه الحلول العرفية، وجددت فيه مطالبها بالموافقة على طلبها المقدم من 2007 ببناء كنيسة فى القرية.
حدث ذلك فى وقت تحارب فيه دولة السيسى على كل الجبهات حماس وجند الله شمالا، وأنصار بيت المقدس من سيناء وحتى القاهرة وداعش غربا، والإخوان شرقا وجنوبا، وتدفع القوات المسلحة والشرطة والأقباط الشهداء يوما بعد يوم، ونحاول إعادة بناء النظام السياسى الذى اهترأ فى الثلاثين عاما الماضية، فالسلطة التنفيذية شهدت من 2010 وحتى 2012 خمسة رؤساء ووزراء، أحمد نظيف، وأحمد شفيق، وعصام شرف، والجنزورى، وهشام قنديل، سجن منهم أحمد نظيف وهشام قنديل، واتهم أحمد شفيق فى قضايا فساد، كما اتهم تسعة وزراء، سجن منهم ستة، وشهدت السلطة القضائية محاولات لكسر هيبتها، خاصة من قضاة محسوبين على الإخوان، وتمت لأول مرة فى تاريخ مصر إدانة مرسى بالتجسس، أما السلطة التشريعية فحدث ولا حرج، برلمان 2010 أسقط مبارك وبرلمان 2012 كان له أبلغ الأثر فى إسقاط الإخوان، إذن نحن أمام خلل هيكلى فى النظام السياسى، وصراع غير خفى بين الأجهزة الرقابية والأمنية، الأمر الذى تم تدارك أغلبه منذ ثورة 30 يونيو وحتى الآن، مما أزعج دوائر داخلية وخارجية فتحركت لإيقاف ذلك التقدم. النخب السياسية مهترئة أيضاً، السيسى يقدم المبادرة تلو الأخرى من المشاريع الكبرى والمؤسسات الدينية ليست بعيدة عن حالة التراخى، خاطبهم السيسى لتطوير الخطاب الدينى، وكان الرد عكس الاتجاه! عشرات القضايا تحت سيف ازدراء الأديان، وكم من مرة تقابل الرئيس مع الإعلام إلى درجة «التدليل» للبعض، ولكن فوضى الإعلام على أشدها، وأصبح هناك بارونات إعلام يتربعون أمام الكاميرا، ويحللون وفق مصالح كل عصر من الإخوان وأى حاكم، ويكنزون الملايين فى الوقت الذى يعيش فيه شباب الصحفيين على «بدل النقابة»!!
لهذا كله تهتز صورة النظام أمام قطاعات من الأقباط، بل ويفقدون الثقة حتى فى البيانات الرسمية للكنيسة، ويتعرضون لقداسة البابا، ويرون أنه ينحاز للوطن أكثر من إنحيازه لمطالب الأقباط!!
إننا أمام مشهد لا يبالى به بعض القيادات الأمنية، وهو تسييد السلفيين للرأى العام للقرى بالمنيا «تحريات المباحث فى أحداث اللوفى أكدت ذلك».
وكيف يجاهرون بكراهية الأقباط والكنائس، وتكرار الأحداث فى الثلاث سنوات الأخيرة فى 23 قرية، كتبنا عنها مرارا وتكرار، لا أحد يكتب تقارير دقيقة حتى وصل الأمر إلى الاعتداء على الشرطة فى اللوفى!!
إننا أمام أزمة حقيقية تتجسد بالاستهانة لما يحدث فى المنيا، وكيف يعبث الطابور الخامس بآلام الأقباط، وحتى المحافظ يفرط فى سيادة القانون لصالح بيت العائلة والحلول العرفية.
ربى لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه.