الأقباط متحدون - ماذا لو لم يتم إسقاط حكم صدام؟
أخر تحديث ٠٦:٢٣ | الأحد ١٠ يوليو ٢٠١٦ | ٣ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٨٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

ماذا لو لم يتم إسقاط حكم صدام؟

 صدام
صدام

د.عبدالخالق حسين
وأخيراً نشرتْ بريطانيا يوم الأربعاء 6 تموز/يوليو 2016، التقرير الرسمي بشأن حرب العراق، (The Iraq Inquiry)، والمعروف بتقرير تشلكوت Chilcot Report، نسبة إلى السير جون تشلكوت رئيس اللجنة التحقيقية. وقد "بحث التقرير اسباب مشاركة بريطانيا في الغزو الامريكي للعراق عام 2003 الذي أدى الى الاطاحة بصدام حسين وتبعات الغزو التي أدت إلى بقاء القوات البريطانية في العراق حتى 2009 إضافة إلى جاهزية القوات لخوض الحرب بالصورة المطلوبة، والكيفية التي أديرت بها ومدى الاستعداد لتداعياتها"(1).

وقد تم تشكيل لجنة تشلكوت عام 2009 بقرار من السيد غوردن براون، رئيس الوزراء الأسبق (من حزب العمال)، بناءً على إلحاح عوائل العسكريين البريطانيين الذين لقوا حتفهم في العراق وعددهم 179، والجماعات المناهضة لتلك الحرب. واستغرق التحقيق نحو عام، وتحضيره بشكله النهائي نحو سبعة أعوام. ويتكون التقرير من 2.6 مليون كلمة، في 8000 صفحة موزعة على 12 مجلد. وتبلغ "تكلفة شراء التقرير كاملا 787 جنيه استرليني، بينما يتكلف الحصول على الملخص الذي يتكون من 150 صفحة 30 جنيه استرليني.(نفس المصدر).

لا أريد هنا أن أدخل في تفاصيل التقرير، فهو متوفر على الانترنت، ولكن أود في هذه المداخلة الرد على أولئك الذين استغلوا المناسبة، فأطلقوا العنان لنزعاتهم الانتقامية من توني بلير وجورج بوش، لأغراض سياسية، فادعوا أنه لولا إسقاط صدام حسين لكان العراق الآن بألف خير، وما عرف العالم شيئاً اسمه الإرهاب الإسلامي. وقد لخص أحدهم هذا الادعاء على صفحات التواصل الاجتماعي قائلاً: "لو لم يكن بلير يحكم بريطانيا و بوش يحكم أمريكا، لكان هناك بلد اسمه العراق، وشعب آمن ولم يقتل ويهجر الملايين منه." اخترت هذا القول لأنه ملخص ما يردده أنصار حكم البعث عن خبث ودهاء، وكذلك كثيرون من ضحايا ذلك النظام الجائر عن حسن نية بسبب ابتلائهم بالإرهاب البعثي الداعشي، وضعف ذاكرتهم، فسرعان ما ينسون مظالم ذالك النظام الجائر، وينشغلون بتداعيات سقوطه فقط. بل راح آخرون، وخاصة من ذوي الأغراض السيئة من بعض المعلقين، والسياسيين الغربيين من أمثال دونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، قائلين أنه لولا إسقاط صدام لما وُجد الإرهاب أصلاً!! فهل هذا صحيح أم هو تضليل صريح للضحك على الذقون؟

الواقع يؤكد أن الإرهاب الإسلامي بدأ في الجزائر عام 1992، بعد أن عاد عرب الأفغان إلى بلدانهم. والجزائر ابتلت بالإرهاب، بدون أن تتعرض لأي احتلال، أمريكي أو بريطاني، وحتى قبل أن نسمع باسم توني بلير وجورج بوش الابن. وقد حصد هذا الإرهاب أرواح أكثر من ربع مليون إنسان ومازال مستمراً.

الحقيقة التي يتجنب ذكرها هؤلاء، هي أن حزب البعث الذي اغتصب الحكم في العراق لخمسة وثلاثين عاماً، كان قد مارس إرهاب الدولة بأبشع أنواعه حين كان في السلطة، و يمارسه الآن وهو خارج السلطة وتحت مختلف الأسماء الإسلامية التي آخرها داعش.

لقد جعل صدام  حسين العراق ملكية إقطاعية خاصة له ولعائلته وعشيرته، وليس للشعب العراقي، فكل شيء كان باسم صدام، مدينة صدام، مطار صدام ، جامعة صدام،...الخ وقد بلغ بهم الأمر إلى أن يكتبوا في المنافذ الحدودية (أهلاً بكم في عراق صدام)، لذلك فأنسب اسم أطلق على النظام البعثي الصدامي هو(جمهورية الخوف) حسب تعبير كنعان مكية، و(دولة المنظمة السرية) حسب تعبير البعثي السابق حسن العلوي.

لقد أحال صدام العراق إلى جهنم لا يطاق لشعبه، ففرار الملايين لم يحصل بعد صدام، بل حصل في عهده حيث فر نحو 5 ملايين عراقي في الشتات، مفضلين مخاطر الغرق في البحار ليتحولوا إلى طعام للأسماك، على أن يعيشوا تحت حكمه الجائر بالذل والجوع والتعرض للقتل أو التعذيب. كان العراق في عهد صدام دولة المافيا البعثية، ولو كان دولة حقيقية للشعب العراقي لما تجرأ بوش وبلير على احتلاله، ولدافع عنه الشعب العراقي بكل غال ونفيس، ولكن العراقيين شعروا بأن هذه الدولة ليست دولتهم، وأن هذه الحرب هي آخر وسيلة لنجاتهم، فآخر الدواء الكي، ولسان حالهم يردد قول الشاعر العربي: (وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان)، على أمل أن يستعيدوا بلدهم من الفاشية، ويعيشوا بكرامة وحرية. وما جرى ويجري بعد تحرير العراق من إرهاب، هو على أيدي نفس الطغمة الباغية التي اضطهدت الشعب وهم في السلطة، ولأسباب طائفية وسياسية.

لا أريد هنا أن أعدد تلك المظالم من دكتاتورية الحزب الواحد والشخص الواحد، و زج العراق في حروبه العبثية مع إيران، ثم غزوه للكويت، وسياساته الطائشة، وتبديد ثروات البلاد على الحروب، وعسكرة المجتمع، وتجهيله وتفتيته، وتطبيقه مبدأ (فرق تسد) لاستعداء مكون على آخر، وتسببه للحصار الاقتصادي الأممي الذي أذل العراقيين لثلاثة عشر سنين عجاف، ورهن ثروات البلاد بيد الأمم المتحدة، وتسبب في قتل وموت أكثر مليونين عراقي، والقائمة تطول، فهذه الحقائق باتت معروفة للجميع ولا ينكرها إلا الجاهل، أو البعثي الطائفي الخبيث وعن عمد.

ومن إرهابه على سبيل المثال لا الحصر، في عهده كان يأتي "زوار الفجر" يطرقون أبواب من يشكون في ولائه للبعث، يطلبون منه أن يذهب معهم إلى المركز أو مقر الحزب، و يعدونه بأنه سيعود بعد نصف ساعة!! فيختفي، ليأتوا به بعد ستة أشهر مهشماً في كيس قمامة يتركونه أمام الباب ويهربون، ناهيك عن سراديب التعذيب وأحواض الأسيد، وسلوك ولديه عدي وقصي وأقربائهم المستهترين بأمن الناس وأملاكهم، وهتك أعراضهم.

والسؤال المهم هو: ماذا كان حال العراق لو لم يتم إسقاط صدام حسين ونظامه الجائر؟ وهل حقاً لكان هناك شعب آمن ولم يقتل ويهجر الملايين منه؟
الجواب واضح: ولدينا أمثلة كثيرة وجاهزة من الواقع. فالنظام البعثي السوري هو شقيق ورديف النظام البعثي الصدامي العراقي، و لم يتعرض للاحتلال الأنكلو- أمريكي، ولكنه تعرض لما يسمى بانتفاضات الربيع العربي أسوة بعدد من الباد العربية التي لم تتعرض لأي احتلال. ولخمس سنوات، وهذه سوريا معرضة للحروب الإرهابية من أكثر من مائة تنظيم أغلبها إرهابية تحمل أسماءً إسلامية مثل الجيش الإسلامي، وجبهة النصرة، وداعش...وغيرها، وقد تحولت عشرات المدن السورية إلى خرائب وأنقاض، وأكثر من 300 ألف قتيل، وضعف هذا العدد من الجرحى، وملايين اللاجئين في الشتات. والمثال السوري، وقبله الجزائري، يكفي لدحض خرافة (لولا الغزو الأمريكي للعراق لما كان هناك إرهاب).

إذن ما هو سبب الإرهاب؟
الإرهاب هو نتاج سلسلة من الأسباب والنتائج (causes and effects). ولا نريد أن نذهب إلى بدء الإسلام، كما يدعي البعض أنه لولا الإسلام لما كان هناك إرهاب...الخ، وإنما تم استخدام الاختلافات الدينية والمذهبية لأغراض سياسية، ولو لم تكن هناك إختلافات دينية ومذهبية لاخترعوا وسائل أخرى للتحريض والاستعداء لتبرير الإرهاب، كما في ليبيا والجزائر ومصر وغيرها. لقد بدأت سلسلة الأسباب والنتائج، بالانقلاب العسكري في أفغانستان عام 1978، ليتبعه النظام الشيوعي، والغزو السوفيتي، وتشكيل التنظيمات الإسلامية الجهادية لإسقاط النظام الشيوعي وطرد السوفيت، ومن هذه التنظيمات هي طالبان والقاعدة الإرهابيتين، وبدعم من أمريكا وبريطانيا، ويتمويل من السعودية والدول الخليجية وأيديولوجيتها الوهابية التكفيرية... ثم عودة (الأفغان العرب) إلى بلدانهم بعد أن أدمنوا على قتل "الكفار"، فواصلوا عملهم في بلدانهم بدءً بالجزائر كما أشرنا أعلاه.

ثم هناك تراكمات مظالم الأنظمة العربية الرجعية المستبدة، الخارجة عن الزمن، وبلغ الظلم إلى درجة الانفجار، فحصلت انتفاضات (الربيع العربي)، والتي لا علاقة لها في أول الأمر بالتنظيمات الإسلامية الجهادية، إذ بدأت في تونس عام 2011 بعد أن أقدم شاب بائع خضروات (محمد بوعزيزي) على حرق نفسه احتجاجاً على تعرضه للإهانة من قبل شرطية. فكان عبارة عن إشعال عود ثقاب في برميل بارود، انتشرت شرارتها في مصر وسوريا وليبيا واليمن. ولكن تمت سرقة هذه الانتفاضات العفوية من قبل التنظيمات الإسلامية الجهادية الإرهابية.

فلو كان صدام في الحكم عام 2011 هل كان من الممكن أن يسلم (عراق صدام ) من هذه الانتفاضة؟ علماً بأن الربيع العراقي بدأ بالانتفاضة الشعبية العارمة في آذار (شعبان) عام 1991، أي عشرين عاماً قبل الربيع العربي، بعد أن طردت القوات الدولية بقيادة أمريكا صدام من الكويت، ولم يكن العراق آنذاك محتلاً من قبل أمريكا وبريطانيا. وقد قابل صدام تلك الانتفاضة بقتل أكثر من 300 ألف من المنتفضين في محافظات الوسط والجنوب خلال ستة أسابيع، وملأ العراق بأكثر من 450 مقبرة جماعية، وهذا يدحض أي إدعاء بأن الشعب العراقي كان بخير وأمان في عهد صدام، علماً بأن صدام قد بدأ بما يسمى بالحملة الإيمانية، وحتى استورد مشايخ الوهابية من الخليج لنشر الوهابية في العراق لأن الوهابية تكفر الشيعة وتبيح إبادتهم.

حول أسلحة الدمار الشامل
قالوا أن بوش وبلير كذبا حين ادعيا إمتلاك صدام لسلاح الدمار الشامل، إذ لم يتم العثور على السلاح النووي من قبل لجان التفتيش الأممية بعد سقوطه. فالمعروف أن صدام حسين هو نفسه كان الدمار الشامل على شعبه وعلى شعوب المنطقة، وكان لديه برنامج لامتلاك السلاح النووي، وقد هدد متنابزاً أمام الإعلام العالمي أنه بإمكانه حرق نصف إسرائيل. وفي هذه الحالة لا يمكن لقادة الغرب أن يأخذوا هذا التهديد كمزحة، وإنما مسؤلياتهم تحتم عليهم يأخذوا كل تهديد بمنتهى الجدية لحماية السلام العالمي، وأمن شعوبهم التي انتخبتهم، وأمن أصدقائهم في المنطقة ومنها إسرائيل طبعاً. أما إذا كان صدام يقصد من تهديداته الغبية تلك تخويف إيران، فهو الذي جنى على نفسه، وكما يقول المثل العربي: "جنت على نفسها براقش".

والجدير بالذكر، أن سلاح الدمار الشامل (WMD)، لا يعني السلاح النووي فقط، بل ويشمل السلاح الكيمياوي والجرثومي (الأنثراكس) أيضاً. وكان صدام يمتلك خزيناً هائلاً من السلاح الكيمياوي، واستخدمه في حربه مع إيران، كما استخدمه ضد عرب الأهوار، وضد الكرد في حلبجة حيث قتل أكثر من خمسة آلاف من أهالي تلك المدينة المنكوبة. كذلك نشير إلى كارثة الأنفال ضد الكرد حيث قتل منهم أكثر من 180 ألفاً. كل هذه الجرائم الوحشية أرتكبها صدام حسين ضد الشعب العراقي قبل أن تقدم القوات الدولية بقيادة أمريكا لإسقاط نظامه الجائر.

ومما يجدر التنبيه له، أن تقرير تشلكوت كُتِبَ للشعب البريطاني وليس لغيرهم، فمن وجهة نظر البريطانيين أن تغيير أنظمة جائرة من مسؤولية الشعوب المضطهدة. فالبريطانيون لم يعانوا يوما واحداً مما عاناه الشعب العراقي على يد الطاغية صدام وزبانيته. ولكن من الجانب الآخر، وخاصة في عصر العولمة، فسكوت المجتمع الدولي عن طاغية بلد ما، قد يؤدي إلى إيصال شروره إلى الشعوب الأخرى، وهذا ما حصل في حالة هتلر، وصدام. فصدام شن حرباً على إيران لثمانية أعوام، ثم وصل طغيانه إلى الكويت، ولو سكت عنه المجتمع الدولي إلى أن يمتلك السلاح النووي والقوة التي كان يمتلكها هتلر، لوصلت مظالمه إلى أوربا وما بعد أوربا، ولكن هؤلاء لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم. وقد أشار ساميول هنتنكتون في كتابه (صدام الحضارات) أنه لو تأخر صدام عن احتلال الكويت لثلاث سنوات، لما استطاعت القوات الدولية إخراجه، لأنه كان قد امتلك السلاح النووي.

حول مشاركة بريطانيا في الحرب
يجب أن يعرف نقاد توني بلير أن علاقة بريطانيا بأميركا هي علاقة وجودية أشبه بالتوأم السيامي. كانت بريطانيا على حافة الإفلاس والانهيار في الحرب العالمية الثانية، ولولا أمريكا برئاسة روزفلت آنذاك، لكانت بريطانيا وكل أوربا تحت حكم النازية الآن. لذلك فعندما حصلت جريمة 11 سبتمبر 2001، وكان بلير قد سمع الخبر وهو يتهيأ لإلقاء خطاب في مؤتمر اتحاد النقابات العمالية البريطانية، فأعلن الخبر من منبر المؤتمر، وهو متوتر غضباً وحزناً قائلاً: (سنقف مع أمريكا كتفاً إلى كتف shoulder to shoulder). هذا الموقف كان واجباً أخلاقياً تتخذه بريطانيا في جميع الأحوال، وأياً كان على رأس السلطة، بلير أو غيره.

خلاصة القول، وكما جاء في مقال للسيد حيدر الخوئي في الغارديان، كان العراق مقبل على الفوضى، سواءً بمشاركة بريطانيا أو بدونها.(2)
وأضيف هنا، كان العراق مقبلاً على الإرهاب والدمار، حاله كحال سوريا المبتلية بحكم البعث والإرهاب معاً، سواءً تم اسقاط حكم البعثي الصدامي أم لم يسقط.

فشعار البعث: إما نحكمكم أو نقتلكم.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- تسلسل زمني: تحقيق لجنة تشيلكوت بشأن حرب العراق
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160705_iraq_inquiry_timeline

2- رعد الحافظ: التحقيق بشأن العراق THE IRAQ INQUIRY
http://www.akhbaar.org/home/2016/7/214214.html

3- مقال السيد حيدر الخوئي في الغارديان
Iraq was destined for chaos – with or without Britain’s intervention
Hayder al-Khoei
https://www.theguardian.com/commentisfree/2016/jul/06/iraq-war-saddam-monster-chaos-britain-chilcot-report

4- مقال التلغراف
What would have happened if we had never invaded Iraq?
JULIE LENARZ
The Telregraph, 6 JULY 2016 • 9:34AM
What would have happened if we had never invaded Iraq?
http://www.telegraph.co.uk/news/2016/07/06/what-would-have-happened-if-we-had-never-invaded-iraq/


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع