الأقباط متحدون - حضارة العولمة
أخر تحديث ٠٦:٢٤ | الأحد ٣ يوليو ٢٠١٦ | ٢٦ بؤونة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٧٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

حضارة العولمة


بقلم د. رؤوف هندي                                                                         

مصطلح العولمة (Globalization)من الناحية العملية يمكن تعريفها بعالمية تداول راس المال والأفكارومن الناحية النظرية يعني ان يترابط بنو البشرمن سكان كوكب الأرض ببعضهم البعض فيفيد كل منهم الآخرولاسيما ان المعوقات الطبيعيةوالمعرفية التي منعت الاتصال بينهم فيما مضى قد تلاشت وأضبحت وسائل الاتصال التكنولجية أسهل وأسرع فلماذا إذن لانتفاعل مع بعضنا البعض في ظل أسرة إنسانية ثرية بتنوعها تعيش على كوكب واحد شركاء في صيانة عالمنا وازدهاره والأرتقاء به لذا فإن العولمة من منظور اخر تعني عملية تحويل أو تغيير لوضع إجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي محدود بحدود الدولة السياسية إلى وضع غير محدود ليشمل العالم كله كوطن واحد لذا فإن العولمة في إحدى معانيها هي الانتقال من المحلية والقومية الضيقة إلى العالمية الواسعة في تنوعهاوتعددها ومن نظام تخطيط السوق المحلي إلى نظام سوق حرة بلا قيود منفتح على العالم ومن ثقافة ضيقة محـليـة إلى ثقافة عالمية ومن
 
فخرك لحب وطنك فقط إلى قدرتك على حُب العالم اجمع ومن تعصب إلى جـنس وعرق معيّن إلى إنفتاح وتقبّل للآخرومن تعصب بغيض إلى العقلانيةوالتسامح بمفهومه الواسع الشامل وإذا تاملنا هذا التقدم المذهل في ثورة الاتصالات العالمية الذي يجري من حولنا والذي جعل العالم يبدو كقرية صغيرة أو وطـن واحد نراه يحتّم علينا الإسـراع بإعادة ترتـيب احوال العالم الإنساني في جـميع المناحي السياسية والأقتصادية والثقافية والإجتماعية وهذا لن يتاتى إلا بنظرة جديدة للعالم والبشريـة هذه النظرة تتلخص في أن نعي وندرك ونحلل مانراه الآن من تطورعلى كافة الأصعدة والمجالات وليس بالضرورة ان نفهمه على انه من إفرازات عصرالعولمة وحدها ولكنه ايضا نتيجة طبيعية لعملية التطور الحتمية للجنس البشري فانهيارحواجزالاتصال بين كافة أرجاء دول المعمورة وماأدى إليه من اكتشاف مابداخل الدول امام تقـنية المعلومات والاتصالات التي فاقـت التصور وبالتالي ضعـفت قـدرات اي دولة على إخفاء أي تجاوزات تجري فيها بل وبات كل إنسان يملك إمكانية مستقـلة على المعرفـة والتـفكـير كونيا والتفعـيل محليا وكان لإنعـدام فرص الاخـتيار لأي دولة سواء سياسيا أو اقـتصاديا في ظـل ذلك الأرتباط الدولي العالمي وأسواق المال العالمية فـلم يعد بإمكان اي دولة الآن ان تختار نظاما مركـزيا يعتمد على الدولة وسطوتها وإلا تعرضت للخنق التدريجي كما لم يعُد بمـقـدوراي دولة في ظل إنفتاح السموات الفضائية أن تختار نظاما سياسيالايحترم أوفي الحد الادني يراعي حقوق الإنسان والتي باتت قضية عالمية شاملة بل وفي ظل العولمة بات مايخص دولة بعينها امرا يخص العالم بأسره وفي إطار ثورة الإتصالات العلمية المذهلة تراجعت حواجزالحصانة أي حصانة الدول كلها في بسط سيادتها على أقليمها وقد أدى ذلك إلى زعـزعة الأرتـباط التقـليدي بين الدولة وأرض الدولة ولذلك فإن الأرض التي كانت تمثل موضـوعا ورصيدا للسيادة الوطـنية أصبحت خارج دائرةإهتمام الدول ذاتها حيث اجـبرتها ظروف ومتطلبات
 
السوق والتجارة العالميةوتلاشي العديد من المفاهيم التي عفاعنها الزمن إلى القبول بتلك التوجهات العالميةوهكذا فإن التراجع والتقلص والانهيارفي الحواجزالتي أوردناها سابقا تؤكدعلى ملامح التغيرالحاصل في مقومات أي دولة(الشعب والأرض والسيادة) وعليه أستطيع القـول أننا على وشك أن نغادرعصر الدولة بمفهومها القديم النمطي(القومية اوالوطنية) إلى عصر(مابـعـد الـدولة‘) أو‘عالم اللادول‘عالم تزول فيه الحدود والفواصل والحواجز وتبدو الأرض كوطن واحد والبشر سكانه وفي رأيي أن ثورة الإتصالات العلمية والتكنولجية والمعلوماتية الحادثة الآن هي ثورة ثـقافـية مهولة تمهد الطريق وتفسح المجال لظهورحضارة جديدة سوف يستقبلها الجنس البشري نستطيع ان نسميهـا بحضارة (كوكبة الجنس البشريّ)أو حضارةالعولمة تدعمها وتدفعها ثورة ثقافية علمية ذات قوة بناء متجددة ومتسارعة ومهما حاول البعض ان يقف امام حركة وجريان تلك الثورة والحضارة الجديدة فلن يستطيع بل وقد يكون معرضالامحال للتلاشي والزوال بفعل حركةوقوة التطورالحضاري العلمي للجنس البشري فالتارخ الإنساني يؤكد أن كل حضارة جديدة ظهرت في عالم الوجود لابد ان تسبقها وتواكبها ثورة ثقافية فكرية وهذا مادفعني أن أؤكد ان البشريةعلى وشك استقبال حضارة جديدة بكل مايعنيه هذا المصطلح من أبعاد ومعان ٍوستكون أهم ملامح تلك الحضارة الجديدة بزوغ قيم إنسانية وروحيةعالمية ومتجددة فلأول مرة في التاريخ البشري باتَ في إمكان كل إنسان ان يتطلع بمنظارواحد إلى هذاالكوكب الأرضيّ بأسره بكل مايحتوي من شعوب متعددة ومتنوعةومختلفةالألوان والثقافات والاجناس وهذا بكل تاكيد سيقودنا إلى مرحلة قادمة من التطورليست ببعيدة لبزوغ مفهوم المواطنة العالمية ويقربنا بـشدة نحوالصورة الطبيعية المألوفة لهذا الكوكب بلونيه الازرق والأبيض الذي يسبح في فضاء أسود شاسع فسيح لامتناهٍ فـيعكس لنا صورة تخبرنا بحقيقـتنا كشعب واحد يعـيش على أرض واحدةٍ غنيٍّ بالـتنوع والتعدد وهذه الصورة تنبأنا أيضا أن الجنس البشري كيانٌ موحد لايتجزأوعليه فكل فرد يولد فيه يكون أمانة بيدالجميع وهذه العلاقة بين الفردوالمجموعة تحمل مفهوماإنسانيا جديدا وتشكل القاعدة الاخلاقية المتطورة لمعظم بنود ومواثيق حقوق الإنسان وفي رأيي أنّ الإضـطرابات الراهـنة والظروف المفجـعة التي تمر بها الشئون الإنسانية حاليا هي مرحلة طبيعية من مراحل تطور الجنس البشري الذي سيقود حتما في النهاية إلى بزوغ وشروق حضارةالعولمة في ثوبها الجديد ألا وهووحدةالجنس البشري ضمن نظام إجتماعي واحد حدوده هذا الكوكب الأرضيّ والمتأمل سيرى بجلاء أن هناك عمليتن توأم تتحكمان في مجريات امورالعالم فانهيارالمؤسسات القديمة بما تحمله من تراث عفا عليه الزمن وفي ذات الوقت فتح ابواب جديدة للفكروالرؤى يزداد زخما لذا فإن الوعي العالمي بهاتين العمليتين بشقيها البناءوالهدم سيخفف بكل تاكيد من المشاكل الإجتماعية العالمية التي لاتزال قائمة في اماكن مختلفة من العالم وفي مقدمتهاالتعصب العرقيّ والتطرف الديني والإرهاب واتساع مدى العنف وتفشي سرطان المادية المطلقة والتفكك الأسري وانعدام العدالة وتعاظم الفساد السياسي لهي مشاكل تدل على تدني الاوضاع في العالم وتجعلنا نسرع بعملية البناء في إطار مفهوم جديد متطورللقيم الإنسانيةوالروحية وأفدح خطـأ يمكن أن يرتكبه قـادة العالم في هذه المرحلة الحاسمة أن يدعو الازمات تلقي بـظلال الشك والريبة على النـتائج النهائية لعمليتي الهدم والبناء التي تدور رحاها الأن في العالم فأمامنا عالم يـفنى ويموت وعالم جـديد يولد لذا فإني أناشد وبكل قوة قيام حملة عالمية لتعزيز وترسيخ الـقيم الإنسانية العليا يشارك فيها كل القادة والمهتمين بالشأن الإنساني من مفكرين وفلاسفة لتطويرالتعليم في شتى بقاع العالم وإدخال البعد الاخلاقي الإنساني في مناهج تعليم الاطفال والنشء وقد يتطلب ذلك عقد المؤتمرات العالميةونشرالمواد التعليمية المناسبة لمفهوم عصرالعولمة الجديد إلى جانب العديد من النشاطات المساندة الأخرى والتي تمثل مجتمعة خير إستثمار لجيل المستقبل الذي عليه استقبال حضارة عالمية جديدة باتت على وشك الشروق بعد ان لاحَ فجرُها.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع