تعد المرأة حجر الأساس فى السيطرة على المجتمعات، فهى المؤثر الرئيسى على كافة المجتمع المحيط، فإن كانت قوية متعلمة تكون الأسرة والمجتمع كذلك، وبوابة إضعاف أى مجتمع هو سحق النساء وتجهيلهن، لذا تستهدف دائماً الحركات الأصولية المتشددة فى لحظة ضعف الدولة إلغاء تعليم البنات كما قامت طالبان وداعش، أما فى حالة سيولة الدولة فتكتفى باستخدام منابرها لبث خطاب دينى يسحق المرأة والمجتمع، وهو ما نجده فى مصر، فرغم تأكيد الجهات الدينية الرسمية مثل الأزهر الشريف على مساواة النساء والرجال فى الحقوق وإصدار الأزهر وثيقة حقوق المرأة، فإنه بنظرة فاحصة لوضع النساء فى مصر، نجد أنه عادة ما ينأى الواقع الفعلى عن هذه المساواة المطروحة نظرياً وتظل كافة الروايات المتعلقة بحقوق المرأة فى إطار الحكى للتباهى فى زمن ولى، ولا يتم التطبيق إلا للروايات التى تسحق النساء.
فعلى سبيل المثال، تنتشر بقوة رواية أن امرأة جادلت الخليفة عمر بن الخطاب فى المسجد، حتى أقر من على المنبر وأمام جموع المسلمين وهو الخليفة الأقوى فى التاريخ الإسلامى بأنه أخطأ قائلاً «أصابت امرأة وأخطأ عمر» رغم ذلك يتداول روايات أيضاً باعتبارها حديثاً نبوياً أن صوت المرأة عورة؟!!
هذه الرواية تعكس عدة نقاط:
أهمية مراجعة وتنقية الأحاديث فكيف يكون صوت المرأة عورة حديثاً، وحديث آخر يوصى المسلمين بأخذ نصف دينهم عن السيدة عائشة «كيف سنأخذ نصف الدين دون صوت؟»، ووقائع عدة تؤكد مساهمة النساء بقوة فى الخطاب الدينى والخطاب العام.
القوة التى تمتعت بها النساء فى المشاركة فى المجال العام التى جعلت امرأة تواجه خليفة المسلمين فى أقوى عصور الخلافة وجيوشه تمتد شرقاً وغرباً، وإذا بامرأة فى صحن مسجد وأمام جموع المسلمين تعارضه بصوت جهورى، فى وقت قد يتوقف قلب موظف من الخوف ويضيع صوته أمام مدير فى العمل داخل مكتب مغلق وليس خليفة فى ساحة جامع.
متى تم فصل الرجال عن النساء فى المساجد وكأنه أمر سماوى ترسيخاً لفكرة عزل النساء، فى وقت لا يتم الفصل فى بيت الله الأول وهو الكعبة، ولم يشرح لنا أحد كيف واجهت المرأة الخليفة واعترضت على حديثه أمام الناس أثناء الخطاب إذا كانت النساء فى ذاك الوقت تدخل من باب منعزل وتجلس فى مكان منفصل فى المسجد؟!
ما مفهوم آية «وقَرْنَ فِى بيُوتِكُنَّ» وكانت النساء فى عصر الرسول والخلفاء يشاركن فى كل شىء بدءاً من الغزوات إلى النقاش العام فى المسجد وصولاً إلى خروج السيدة عائشة أم المؤمنين على رأس جيش منتصرة لوجهة نظرها السياسية فى موقعة الجمل؟
وهنا يمكن التأكيد أن الإعلام الدينى يعمل على ترسيخ التمييز وعدم المساواة بقوة من خلال ما يصدره كمشاكل ضاغطة فيما يخص شئون المرأة على الصعيدين الشخصى والعام، تتمحور موضوعاته فيما يخص المرأة بالتكرار فى مواضيع معينة أهمها الزواج والطلاق وما هو عورة من جسدها وما هو دونه.
وتخصص الصفحات الدينية الإلكترونية أبواباً لأسئلة المرأة، يلحظ فيها غياب أسئلة عن التعليم أو كيفية معاملة الجار أو عن أهمية التسامح أو قيمة العمل والمشاركة، ويعد تجاهل هذه المنابر المخصصة للمرأة مناقشة قضايا حياتية متعلقة بالعلاقات الإنسانية أو العمل والمشاركة يتسبب فى تعزيز ثقافة المرأة ككيان جنسى فقط على حساب فعاليتها كإنسان له حقوق ودور فى المجتمع، لذا إذا كانت المؤسسات الرسمية تريد حقاً تنمية الدولة فعليها العمل أولاً على الحد من خطاب إضعاف نصف المجتمع الذى يربى كل المجتمع.
نقلا عن الوطن