بقلم : د. عماد جاد | الثلاثاء ٢٨ يونيو ٢٠١٦ -
٠٤:
٠٧ م +02:00 EET
عماد جاد
تمر بلادنا بمرحلة فارقة فى تاريخها، فقد خرجت من مؤامرة كبرى جثم فيها المرشد وجماعته على صدر البلد، وحاولوا تغيير هوية البلاد وتحويلها إلى دولة دينية، خرج الشعب فى الثلاثين من يونيو ليطرح المرشد وجماعته ويسقط مؤامرة كبرى على المنطقة بالكامل، تطلع إلى جيشه الوطنى كى يساعده فى ذلك، وكان له ما أراد وطلب. لم تتوقف المؤامرات بسقوط المرشد وجماعته بل تواصلت وتنوعت وشاركت فيها أطراف إقليمية ودولية، لكن الشعب وقف لها بالمرصاد وساند جيشه وقيادته مطالباً بدولة مدنية حديثة تنهض على حكم القانون والمساواة وتحترم حقوق الإنسان، دولة تحقق العدل الاجتماعى وتضع أساساً لمؤسسات قوية تعلو فوق الأشخاص.
يحدث ذلك فى وقت كانت فيه بنية الدولة من دستور إلى مؤسسات بيروقراطية وأمنية وأجهزة سيادية قد تشكلت وفق الرؤية الساداتية التى تتسم بالتعصب والتطرف والغلو، بنية دولة تتجاوز وظائفها حدود تلك الوظائف التى تضطلع بها الدولة المدنية لتدخل فى مجالات ليس من وظائفها مثل الانحياز لدين وطائفة، إكراه الناس حتى يتبعوا دين الدولة وملتها، إكراه الناس كى يتبعوا صحيح الإيمان كما تعرفه هذه الأجهزة، وما نشهده من جرائم عنف دينى وطائفى وتعصب وتطرف من قبل مؤسسات الدولة وأجهزتها إنما هو مظهر من مظاهر هذا الانحراف فى مهام الدولة ووظائفها، مؤسسات دولة تعادى جزءاً من المواطنين لأنهم لا يؤمنون بما تؤمن به الغالبية، وما نراه اليوم من تمييز دينى وطائفى إنما هو من تجليات مكنون قلب وفكر المسئولين.
كانت الآمال عريضة فى بناء دولة مدنية حديثة بعد إزاحة المرشد وجماعته وازدادت هذه الآمال بعد تواصل جرائم الجماعة بحق الوطن والمواطن، وأيضاً تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الحكم، توسم الشعب فى الرئيس خيراً بعد أن حمل خطاباً وطنياً مدنياً يركز على المواطنة والمساواة، وكانت الآمال عريضة فى أن يبدأ الرئيس فى وضع اللبنات الأولى لدولة المواطنة، يبدأ أولاً فى وقف عمل ثمار السادات المرة بأن يوقف سياسات التمييز الطائفى والظلم الاجتماعى، بأن يسير بقوة فى إنشاء مفوضية منع التمييز، وإصدار قانون بناء الكنائس، والحزم فى مواجهة انتهاكات وطائفية قطاع واسع من بيروقراطية الدولة وأجهزتها الأمنية، يتصدى بقوة لنظام التعليم الفاشل بمكوناته الثلاثة من منهج ومدرس ومدرسة. انتظرنا أى خطوة فى اتجاه بناء دولة عصرية حديثة حتى اللحظة ولم نجد سوى عودة للسير وفق أسس دولة السادات المقيتة، فلا جهد لبناء دولة القانون والمؤسسات، ولا جديد فى دور البرلمان، البعض لا يزال يحدوه الأمل فى أن الرئيس سوف يبدأ عملية نهضة وتنمية حقيقية، والبعض الآخر يقول إن المقدمات الجارية حتى الآن كاشفة بما فيه الكفاية عن النتائج المتوقعة أو الوجهة التى تسلمها الدولة، وأنه لا جديد فى مصر اليوم، فآليات الدولة العتيقة عادت للعمل مجدداً وفرمت تحتها آمال وطموحات المصريين فى غد أفضل، وأننا نسير باتجاه مزيد من ترسيخ أسس دولة دينية بدليل المشاهد التى زادت فى رمضان هذا العام من ملاحقة البوليس لمن يسمون المجاهرين بالإفطار فى نهار رمضان، إلى فتح الأبواب أمام السلفيين للعمل بحرية وفى مساجد وزارة الأوقاف، إلى بالونات الاختبار التى يكلف بعض رجال الدولة إطلاقها بشأن المصالحة مع الجماعة الإرهابية، إلى مزيد من التكيف مع الوهابية السعودية.
بالأداء فى مفترق طرق، أمامها خياران إما السير باتجاه دولة دينية وهو طريق بلا عودة وينهى تماماً مصر التى نعرفها، أو التحرك باتجاه وضع اللبنات الأولى لدولة مدنية حديثة تقوم على العلم والقانون والمؤسسية، ففى أى طريق يتوقع أن تسير بلادنا؟
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع