بقلم : جميل يوسف
فجأة اشتعلت أجواء القاهرة بحرارة "قنبلة" الغضب القبطية التى لم يتوقع انفجارها الكثيرون وخاصة الجهات الأمنية المعنية بالملف القبطى بأسره والمسئولة
مباشرة عن رفع درجة حرارة المواجهة الى درجة الغليان. كان الغضب القبطى أشبه ما يكون بجهاز تفجير مفكك معطل وبلا مفعول لسنين طويلة ، ولكن حين تجاوزت قوات الأمن كل الأسواروالمحرمات وأعطت الضوء الاخضر لبعض البلطجية والأرهاربين بأنتهاك المقدسات وأشعال الحرائق وسرقة أموال االكنيسة. كانت قنبلة الغضب القبطى جاهزة للانفجاربدويها الدى فاق كل التوقعات
وقد شاء البعض فى ردود الفعل تصويرالامر على أنه "حملة منظمة" من أقباط المهجروقوى معادية أخرى من الخارج، وهو تفكير بوليسى ومخابراتى فاشل لا يرقى الى مستوى المناقشة الان ، ففى خلال السنين الطويلة الماضية ، ظلت المنابرالوطنية الشريفة المعروفة من مسلمين ومسيحيين تقوم بواجبها المهنى فى اعلام الرأى العام بوقائع استفزازية منظمة وخطيرة من الأجهزة الأمنية وبعض الأجهزة الأعلامية والدينية تمس مباشرة حرية الفكر والاعتقاد مما يهدد الديموقراطية عامة ويشعل فتيل الفتنة والكراهية والغضب والثورة ، كانت تلك المنابر ضمير وطن ينتفض بدق ناقوس الخطر. ولم يعبأ احد بكل التساؤلات الغاضبة التى تصل الى عيون ومسامع كل من يهمهم الأمر ، ومن بينهم الكنيسة .
ولكن يبدو الأن أن البابا شنودة تعلم من الماضى فخرج على عادته فى الاتصال الفورى بمن يملكون الجواب لما يجرى ، وأتخد جانب الصمت والمتابعة ، ولم يعد سرا أن هناك بعض الأقباط يتهمون رئيس الكنيسة المصرية بالسلبية ، وأنه يترك كل شىء يمسهم الى "حكمة رجال الدولة" كما ينقلون عنه. والبابا شنودة كان ومايزال يردد أن قوى التطرف والارهاب تستهدف مصر داتها وطنا وكيانا ، وبالتالى فمصر دولة وشعبا هى التى تدافع عن نفسها.
والأقباط جزء لا يتجزأ من الشعب المصرى الدى له حكومة واحدة يجب أن تقوم بمسؤولياتها. أما الكنيسة فهى القيادة الروحية للأقباط ، لا دخل لها فى السياسة من قريب أو بعيد ، حتى وان كان الأقباط هم الهدف الحقيقى للارهاب.
ودور الكنيسة المصرية على مر التاريخ دعم الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد فى مواجهة التحديات الكبرى. أما مسائل التطرف والارهاب فأنها من صميم عمل الدولة وليس الكنيسة.
ولاينفى هدا الكلام أن البابا شنودة كان حزينا غاية الحزن حين أطلع على تفاصيل الحادث الاخيروعلى الهمجية والتحيزالواضح فى هجمات وتصرفات رجال الأمن ، ولم يتصورالبابا قط أن الأموريمكن أن تصل الى هدا الحد المؤسف.
ولا أشك مطلقا بأن قداسة البابا يشعر بما يعانيه الأقباط من مشاعر مريرة ازاء هدا التحريض الانقسامى المسعور. ولكنه يدرك أيضا حجم الرفض الدى يلقاه هدا التحريض من عامة عقلاء المسلمين. لدلك يتحمل الاتهام بالسلبية من بعض أبناء الكنيسة ، ويفضل الصمت واضعا فى اعتباره ان التحريض الطائفى يجب أن يقابل بالمزيد من الالتحام الوطنى ، فالاستجابة الطائفية للتحريض تحقق لأصحابه أغراضهم.
ولا أنكربان الغضب القبطى داخل وخارج مصر وصل الى درجة لا يمكن السكوت عليه كحصيلة ختامية لجملة السلبيات المريرة للمسؤولين عن الأمن ولامبالاة معظم رجال الدولة لمشاعر ملايين الأقباط ومشاكلهم وقضاياهم والتواطو الخفى حينا والمعلن حينا آخر بين بعض المسوؤلين وبعض العاملين فى الحقل الاعلامى أو التيارات والاسلام السياسى.
وهو التواطؤ الدى يبدأ من الاتفاق حول الجوهر والغايات ، والاختلاف حول المظهر والوسائل ، وينتهى بتغيير مفاجىء أو متدرج فى المواقف، اما خوفا وادعانا لموجات الارهاب أو اعتقادا سياسيا بأن الاسلاميين السياسيين قادمون، ولا بأس من حجز مقعد فى القطار المقبل بدلا من الانتظار فى السفينة الغارقة.
والغريب أن بعض من يغازلون تيارات الارهاب باسم الدين يشغلون أحيانا مناصب رسمية أوشبه رسمية فى الحكم والمعارضة على السواء. ولا تشكل هده الظواهر ومثيلاتها الوجه الوحيد للمناخ السائد فى مصر الأن وقلق العالم على مستقبلها، وان أردت أن ترى الصورة كاملة فيكفى ان تقرأ فى هدا الصدد التقاريرالدولية فى مسألة الديمقراطية ومنشورات حقوق الانسان لتعرف حجم الماساة التى تنتظرنا والحال الدى وصلنا اليه من اقنعة من الشعارات غطت على الوجه الحقيقى من الأمانى والطموحات.
مما يِؤكد فى الحقيقة بأن النظام الحاكم قد سقط موضوعيا والغريب أن الكثيرين فى النظام مازالوا فى غيبوبة الأنتظاروالعراك على مقدمة مقاعد السفينة الغارقة التى أثقلتها وانهكتها حصيلة وجملة السلبيات المريرة فى ظل الاستفزاز الاجتماعى الصارخ من جانب الشرائح المستفيدة والتضليل الاعلامى الواسع لما يحدث من عمليات غسل الآدمغة الجماعى.
ولعل هدا النمودج السياسى الفاشل قد الهب خيال الاسلام السياسى المصرى فتوهم ان الدولة قريبة وممكنة ولو بالعنف والارهاب وحمامات الدم.