الأقباط متحدون - استقالة حكومة نجيب الهلالى الاولى فى مصر
أخر تحديث ١٤:١٣ | الثلاثاء ٢٨ يونيو ٢٠١٦ | ٢١ بؤونة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٧٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

استقالة حكومة نجيب الهلالى الاولى فى مصر

نجيب الهلالى
نجيب الهلالى

فى مثل هذا اليوم 28يونيو 1952م..
استقالت حكومة نجيب الهلالى فى مصر وكانت بداية سلسلة من الأزمات الوزارية وذلك بسبب تصاعد الخلافات بين الملك فاروق و حزب الوفد ، وتوالى على رئاسة الحكومة حتى ثورة 23 يوليو حسين سرى بهي الدين بركان ثم سرى من جديد ثم نجيب الهلالى و بعده على ماهر ..

أحمد نجيب الهلالي هو رئيس آخر وزارة مصرية في عهد الملكية وأحد رجال السياسة والقضاء البارزين في هذا العصر. تولى رئاسة الوزارة مرتين الأولى من 1 مارس 1952 حتى 28 يونيو 1952، والثانية من 22 يوليو 1952 حتى 24 يوليو 1952...

ولد في أكتوبر 1891 في أسيوط. حصل علي البكالوريا من المدرسة التوفيقية وأصبح علي مشارف مدرسة الطب. ولكن كان من الصعب علي الشاعر الذي لم يكتب شعرا ان يمسك بالمشرط. لذلك دخل الي مدرسة الحقوق الخديوية وتخرج عام 1912 ومثل كثيرين ذهب ليكمل دراسته في الخارج ويعود ليعمل في المحاماة. ثم تحول من المحاماة الي النيابة وترقي في مناصب القضاء وعمل استاذا بكلية الحقوق وله مؤلفاته المهمة منها كتاب بعنوان شرح القانون المدني في العقود..
وفي 15 نوفمبر 1934 تولي أحمد نجيب الهلالي بك وزارة المعارف العمومية، في وزارة توفيق نسيم والتي أيدها حزب الوفد وأعادت دستور 1923. وكان فصلاً من أهم فصول حياته العامرة رغم انه تولي رئاسة الوزارة فيما بعد مرتين. فلقد وضع سياسة ديمقراطية التعليم واتاح الفرصة بقدر ما يستطيع لكل من يريد ان يتعلم. وكانت سياسته هي الأساس الذي جعل طه حسين عندما تولي نفس الوزارة فيما بعد يقول ان التعليم كالماء والهواء من حق أي مواطن.

انضم إلى حزب الوفد وأعيد وزيرا للمعارف عام 1937 قبل سقوط الوزارة. في فبراير 1942 عاد للمرة الثالثة وزيرا للمعارف وأقر مجانية التعليم الابتدائي التي نادى بها طه حسين المستشار الفني لوزارة المعارف في ذلك الوقت. وتولي وزارة التجارة والصناعة مرة واحدة، لكنه خلف في التعليم أثراً مهماً خاصة أن الاحتلال البريطاني لمصر كان يسيطر علي التعليم ويريد له أن يكون عوناً في استمرار الاحتلال.

وعرف أحمد نجيب الهلالي ( باشا ) بأنه يري أن الفساد السياسي والمالي أفظع السلبيات وانه لابد من تطهير الجهاز الحكومي من المفسدين والمنحرفين، وكان هذا همه الأكبر مما جعله يصطدم بقوي مختلفة، لكن الصدام الأكبر كان مع زملائه في حزب الوفد. في يناير 1950 رفض الهلالي الاشتراك في الوزارة الوفدية واعتزل الحياة السياسية. في صيف 1951 ظهرت له اتصالات ببعض رجال السراي والإنجليز ثم خرج عن عزلته بعد إلغاء معاهدة 1936 بتصريح هاجم فيه الوزارة فقرر الوفد فصله من الحزب.

وجاءته فرصة رئاسة الوزارة بعد فصله من الوفد، وما كانت تأتي له وهو عضو فيه لوجود مصطفي النحاس. ولكن ربما كان نجيب الهلالي لا يريدها فلقد كان أقرب الي روح الأديب أو الفنان. وعندما تولي رئاسة الوزارة في مارس 1952 كانت البلاد تغلي بتيارات مختلفة وأعاصير عنيفة، لكنه ركز جهده علي التطهير وكان مستحيلاً أن يحقق هدفه في نظام استشري فيه الفساد. وسرعان ما خرج من الوزارة، لكنه عاد اليها في يوم 22 يوليو 1952 والبلاد تغلي. وما كاد يدخل مقر الرئاسة حتي قامت ثورة يوليو وفي يوم 24 يوليو قدم استقالته أي بعد نحو يوم من توليه.

ومنذ ذلك الحين ـ وربما قبل هذا ـ والناس مختلفون في الهلالي وفي دوره السياسي. لكن الرجل بالتأكيد لم يتورط مع النظام الذي عمل معه...
رئاسته الوزارة الأولى

قبيل استقالة وزارة علي ماهر في أول مارس سنة 1952 دبر القصر لتشكيل وزارة الهلالي على الفور وكان المقرر أنها سوف تكون أفضل حالا من سابقتها بعد أن استقرت أوال البلاد المضطربة إلى حد ما وكان المقرر أيضا أن التطهير الذي اتخذت منه الوزارة هدفا سياسيا سوف يكسبها ثقة البلاد وتأييدها باعتباره المدخل الرئيسي للحكم الصالح وكان على الوزارة أن تشيع الثقة في نواياها لمحاربة الفساد على نحو كان يتعين معه أن تبدأ أولى خطواتها في هذبا المجال من القصر الملكي ذاته لكي تكسب ثقة الرأي العام في نواياها على الجانب الآخر فهي وأن حاولت البدء بالقصر كان عليها أن تتحسب النتائج مقدما خاصة وأنها بذلك تنال من نظام جاءت أصلا لتعضده.[1]

وكان من المتوقع أن يصحب تعيين الهلالي طرد رجال الحاشية أو بعض منهم واستعبادا لشبهة تبعيتها للقصر كان لابد أيضا أن تضم وزراء من الشخصيات المستقلة التي لم تشتهر بالنزاهة والاستقامة فقط ولكن عرفت عنها مواقف سياسية شجاعة ضد الفساد مثل محمود محمد محمود رئيس ديوان المحاسبة السابق الذي كشف عن موضوع الأسلحة الفاسدة ومخالفات مستشفى المواساة مما أدى في النهاية إلى اصطدامه بالملك واستقالته ومصطفى مرعي الذي فجر الموضوع باستجوابه الشهير في مجلس الشيوخ وفقد مقعده بالمجلس بسببه وكان على الوزارة بعد ذلك أن تستند إلى قوة تتمكن بها من أن تضغط على الملك ورجاله ودخول أحد ممن وجهوا الاتهام إلى الملك يعني الاعتراف بصحة الاتهام ويكشف ضعفه وطالما أن الغرض من الوزارة كان بقصد ضرب الوفد أساس فلن يكون لها حينئذ ركيزة إلا الملك ذاته مما يعن أن تبعيتها له سوف تكون مطلقة.

ولعل استعراض طبيعة وظروف تشكيل الوزارة يوضح حدود التأثير المتبادل بينها وبين القصر فجميع أعضائها لم يكونوا من رجال السياسة وليس لهم طابع سياسي وكان من بين أعضائها زكي عبد المتعال وأحمد مرتضى المراغي ومحمود غزالي أما الأول والثاني فكانا وزيران في وزارة علي ماهر الثالثة وجاء تعيينهما في الوزارة الجديدة مكافأة لهما على معارضة علي ماهر ودورهما في أحداث الانقسام داخل وزارته أما محمود غزالي فقد كان وطيد الصلة بالإنجليز فضلا عن القصر وكان بطلا لإحدى أزماته مع الحكومة النحاسية السادسة ومن ثم فإن تشكيل الوزارة لم يكن بمنأى عن تدخل القصر ورغم اتجاه الوزارة للتطهير فضلا عن طابعها الإصلاحي إلا أنها كانت في التحليل الأخير وزارة قصر

كان من الطبيعي والأمر هكذا أن تستهدف الوزارة الوفد أساسا بحركة التطهير وبالفعل ألغت عدة لجان قضائية كانت مهمتها التحقيق في الوقائع التي تبلغ عنها وتنطوي على تصرفات تمس نزاهة الحكم واستهدفت كشف سوءات الحكم الوفدي ونشر الهلال عددا من التقارير الخاصة بذلك كما راح يكشف العديد من الفضائح المالية لجرم النحاس ثم قام بتفويض وزير المالية في إلغاء كافة المعاشات الاستثنائية التي كانت قد تقررت للمدنيين دن وجه حق في عهد حكومة الوفد ولقد أوغلت الوزارة في هذا الاتجاه إلى حد اعتقال فؤاد سراج الدين سكرتير عام الوفد وعبد الفتاح حسن وزير الأشغال السابق.

وإذا كانت تلك الإجراءات قد عضدت مكانة وزارة الهلالي لدى القصر إلا أنها استثارت الوفديين الذين تفرغوا لرد تلك الهجمات فنشروا في 15 أبريل نداء للشعب يطالبه بالا تشغله عمليات التطهير عن مطالبه قاصدا بذلك تحويل الأنظار عنها ووصف محاولات الهلالي للتطهير بأنها غير مشروعة وتتم بإيعاز من الجانب البريطاني وفي الحقيقة كانت تلك السياسة تلقى تأييد السفارة البريطانية باعتبارها مقدمة لسلسلة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية نظرا لما سوف يترتب عليها نم استقرار الأوضاع الداخلية في البلاد بعد أن عانت السياسة البريطانية من اضطرابها ثم أن التطهير في الجانب الآخر منه كان خليقا بإضعاف الوفد وشعبيته بشكل أو بآخر مما كان يتسق مع الاتجاهات البريطانية.

على كل حال فقد حاولت الحكومة أن تتخذ من البرلمان مجالا آخر لتقليم أظافر الوفد فاستصدرت الوزارة مرسوما بتأجيل البرلمان لمدة شهر ينتهي في 2 أبريل سنة 1952 وقبيل انتهاء المدة استصدرت قرار بحل مجلس النواب في 24 مارس والدعوة للانتخابات في 18 مايو كما تقرر فتح أبواب الترشيح من 25 مارس لمدة عشرة أيام ثم مد أجلها لمدة أخرى مماثلة وبدأ التذبذب واضحا في موقف الوزارة فيصرح أنصارها بأنها تؤلف حزبا جديدا تدخل به الانتخابات يجمع الأخبار من الأحزاب السياسية ثم لا تلبث الوزارة أن تكذب الخبر وأعلنت أن الهلالي يرشح نفسه وتارة تعلن أنها ستتناول قانون الانتخاب بالتعديل ثم تعلن العدول عن قرارها هذا الاضطراب والتردد كان يعكس بطبيعة الحال ضعف الوزارة فأراد الوفد إحراجها فبادر إلى إعلان قوائم مرشحيه في كافة الدوائر في الوقت الذي تراجع فيه أنصار الوزارة عن إعلان أسماء مرشحيهم بسبب تخاذل الوزارة التي راحت تؤجل الانتخابات لأجل غير مسمى، مما زاد مركزها ضعفا على ضعف.

استمرت الوزارة في حركة التطهير فأعيد فتح ملفات قضية الأسلحة الفاسدة مما كان يعني أن صداما سوف يحدث مع القصر باعتبار أن خيوط الاتهام كلها كانت تنتهي فيه فلقد تصور الهلالي أنه سوف ينجح بالتحالف مع جماعة المسئولين بالديوان وعلى ر أسهم حافظ عفيفي في انتزاع الملك من المحيطين من الموظفين غير المسئولين بالقصر ويحقق هدفه في التطهير إلا أن التيار المعارض للهلالي من القصر كان قويا فلقد تحركت مجموعة كريم ثابت وأندراوس في وجه محاولات الهلالي وأوحت للملك بأن حركة التطهير قد تمتد إليه نفسه ورفع كريم ثابت مذكرة إليه يقترح فيها إقالة الوزارة بزعم أن ذلك يتفق مع مصلحة الملك على أن يكلف مرتضى المراغي بتشكيل الوزارة أو يكلف حسين سري بتشكيل وزارة محايدة لإجراء الانتخابات ولقد وافق الملك بالفعل على مبدأ تغيير الوزارة إلا أنه أرجأ التنفيذ إلى 15 أكتوبر سنة 1952.

ومن جانب آخر قرر وزير الخارجية المصري للسفير الأمريكي أن الملك يخضع لضغوط من الوفديين الذين سعوا لتوثيق علاقتهم بالقصر لإقصاء الوزارة القائمة بعد أن ظهر أن العديد من الإجراءات القضائية سوف تتخذ ضدهم وأنه من المتوقع أن يقوم الملك بإقصاء الوزارة كان من الطبيعي أن يثير احتمالات التغيير مخاوف السفارة البريطانية ولدى مفاتحة القائم بأعمال السفير البريطاني لحافظ عفيفي فيما تردد، راح يهدئ من خواطره وأخبره بأن الأمر لا يخرج عن كونه مجرد تآمر من الوفديين مع السفير الأمريكي للإيحاء بقرب عودتهم للحكم وطلب منه ألا يلقى بالا لتلك المكائد ذلك أن تغيير الحكومة الحالية لن يكون في صالح بريطانيا أو أمريكا أو حتى مصر ذاتها.

وعلى الرغم من هذا الموقف البريطاني المؤيد لبقاء الهلالي إلا أن الإنجليز على الجانب البريطاني غلو أيديهم عن التفاهم معهم على قضيتي الجلاء والوحدة مع السودان فكان من خطة الهلالي أن يحاول كسب اعتراف الدول الأجنبية بلقب ملك مصر والسودان وكان يسعى لأجراء مباحثات مع وفد سوداني تابع للسيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار وحزب الأمة هناك بغرض الوصول إلى حل لمشكلة السودان يسهل عليه مهمته في الاتفاق مع الإنجليز حول مسألة السودان وحدها إلا أن الإنجليز عليه بيان الجلاء الذي كان يطلبه الهلالي كما فشلت مباحثاته مع الوفد السوداني بسبب تدخلا لملك المستمر فيها.

من ناحية أخرى كانت وزارة الهلالي محورا للصراع بين جناحي القصر، فجناح حافظ عفيفي كان مؤيدا لفكرة استمرار الوزارة في الحكم واتجاهاتها نحو التطهير، أما جناح كريم ثابت وأندراوس فقد كان بادي التأثير على الملك مما ظهر أثره واضحا في ذمع الوزارة للاستقالة في 28 يونيو وبدأ حافظ عفيفي أيضا راغبا في الاستقالة من منصبه كرئيس للديوان تضامنا مع الوزارة.

ويمكن القول بأن تبني الهلالي لفكرة التطهير كان مدخلا ضروريا وهاما للحكم، باعتبارها ذات طابع سياسي اجتماعي مما كان من شأنه أن يكسبه تأييدا عريضا في البلاد في وقت لم يكن له ثمة ظهير سياسي سوى القصر وكان الظن أن الوزارة سوف يكون بمقدورها السير قدما في طريق التطهير وبدا القصر بالفعل مؤيدا لها في أولى خطواتها لما كان سيترتب على ذلك من النيل من سمعة الحكم الوفدي وإظهار مثالية فضلا عن تأييد الجانب البريطاني أيضا.

وواقع الحال أن الهلالي قد أخطأ بتصوره بجدوى معركة التطهير في غيبة التأييد الشعبي فكان خليقا به أن يهيئ للبلاد لدعوته لكي يكسب تأييدها بدلا من أن يخوض الصراع ضد الوفد مستهدفا إياه في وقت كان القصر ذاته أشد حاجة للتطهير باعتباره معقلا أساسيا للفساد ولا يريب في أن تأييد البلاد للهلالي كان من الممكن أن يكون ظهيرا لحركته حتى ولو كان ضد القصر ذاته وثمة خطأ آخر تردى فيه الهلالي فيما كان من قيامه بمحاولة التصدي للقضية الوطنية بشقيها الجلاء والسودان فضلا عن اتجاهه نحو الإصلاح الاجتماعي وكان حريا به أن يركز جهوده في الاتجاه الأخير لأن أي قدر من النجاح فيه كان خليقا بتعزيز موقفه في مواجهة الإنجليز بصدد التفاوض معهم فكانت المحصلة أن باءت بالفشل أولى محاولات الإصلاح بين اتجاهات القصر والسياسة البريطانية.

ومنذ 1952 ابتعد احمد نجيب الهلالي عن السياسة تماما واعتكف في بيته في المعادي.

وفي عام 1958 توفيت زوجته فاصابته ازمة قلبية أودت بحياته في ديسمبر 1958. وخلف وراءه نجله أحمد نبيل الهلالي الذي سار على دربه في دراسة القانون والعمل بالمحاماة والعمل السياسي...!!


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter