محاولة إبادة اليهود فى زمن هتلر بالتعاون مع الحاج أمين الحسينى، مفتى القدس، تلزم منها محاولة تدمير دولة إسرائيل لكى ينتهى الوجود اليهودى على كوكب الأرض. وأظن أن هذا اللزوم كان كامناً فى العقل اليهودى منذ استيلاء هتلر على السلطة فى عام 1933 حتى انتحاره فى عام 1945. واستؤنف فى 29 نوفمبر 1947 وهو اليوم الذى قررت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة عربية ودولة يهودية. وكان الجزء المخصص للدولة العربية أكبر من الجزء المخصص للدولة اليهودية، ومع ذلك قبلته إسرائيل ورفضته الدول العربية. أما «حدتو»، وهى اختصار لمنظمة شيوعية مصرية اسمها الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى، فقد أعلنت فى جريدتها «الجماهير» أن قرار التقسيم سيئ ولكنه الأفضل لأن البديل التورط فى حرب دينية، أو بالأدق حرب صليبية بين العرب واليهود وبدون استعداد من قبل العرب. وإثر نشر هذا الإعلان واجهت «حدتو» حملة شرسة بدعوى سيطرة اليهود على الحركة الشيوعية المصرية، وعلى التزام الشيوعيين المصريين بموقف الاتحاد السوفيتى الذى كان منحازاً إلى قرار التقسيم. والمفارقة هنا أن الرئيس جمال عبدالناصر قال فى حديث له إلى مراسل «نيويورك تايمز» الأمريكية ونشرته جريدة «الجمهورية» بتاريخ 23/5/1955: «ليست لدينا أى مقاصد عدوانية ضد إسرائيل أو ضد أى أمة أخرى. وإننى كجندى أود أن أقول إننى شاهدت كثيراً من ويلات الحرب بحيث أصبحت أشعر بالرغبة المخلصة فى السلام». وقد جاء هذا التصريح متسقاً مع ما رآه فى حرب 1948 من هزيمة ساحقة للقوات الحربية المصرية. والمفارقة الثانية أننا، بعد هذه الهزيمة، انزلقنا إلى هزيمة أخرى فى يونيو 1967. ومعنى ذلك أن رؤية «حدتو» منذ عام 1947 كانت صائبة وجديرة بأن تُروى. وهذا دليل على أن العرب، فى حينها، لم يكن لديهم لا الوعى بأزمة الوضع القائم ولا برؤية لوضع قادم.