الأقباط متحدون - تيران وصنافير مرة أخرى
أخر تحديث ٠١:٠٠ | السبت ٢٥ يونيو ٢٠١٦ | ١٨ بؤونة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٧٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

تيران وصنافير مرة أخرى

د. عماد جاد
د. عماد جاد

بمجرد صدور حكم محكمة القضاء الإدارى بإلغاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، قرر مجلس الدولة الطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، وخرج «دراويش» الحكومة، وهم بالمناسبة دراويش كل حكومة وكل نظام، رافضين الحكم، مؤكدين سعودية جزيرتَى تيران وصنافير. منهم من قال إن محكمة القضاء الإدارى برئاسة القاضى الجليل يحيى الدكرورى قد خالفت الدستور، ومنهم من ذهب إلى القول بأن الحكم يعطى للسعودية الحق فى الذهاب إلى التحكيم الدولى. عموماً قررت الحكومة الطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، ومن ثم نحن فى انتظار ما ستقضى به المحكمة.

لكن ما يلفت النظر هنا هو حالة الغضب والهياج التى انتابت الحكومة ودراويشها من حكم محكمة القضاء الإدارى بمصرية جزيرتَى تيران وصنافير، هاجوا وماجوا وأقسموا بأغلظ الأيمان أن الجزيرتين سعوديتان. وهذه، فى تقديرى وحسب معلوماتى، أول مرة فى التاريخ تصر فيه حكومة دولة من الدول على أن جزءاً ما من أرضها لا يخصها وإنما يتبع دولة جوار أخرى، يغضب قطاع من الشعب ويثور ضد الاتفاق، فيجرى القبض عليه والزج به فى السجون سنوات وفرض غرامات مالية ضخمة وصلت إلى مائة ألف جنيه على المواطن. أول مرة فى تاريخ الدول المكتوب نجد حكومة توقع اتفاقاً تتخلى بموجبه عن جزء من أرض الوطن دون اتباع الطرق الدستورية والإجراءات الصحيحة، أول مرة نجد مواطناً يحمل جنسية البلد يسارع بتأليف كتاب فى أيام معدودات ليقول إن الجزيرتين سعوديتان، أول مرة نجد كتّاباً ومؤرخين ومسئولين سابقين يغيرون مواقفهم بين ليلة وضحاها، قالوا بمصرية الجزيرتين ثم بسعوديتهما. القصة برمتها غير مريحة بالمرة، ولن تمر بالطريقة التى تتبعها الحكومة. وإذا كانت هذه الحكومة جادة فى التعامل مع قضية الجزيرتين فعليها أن تدرك أن القضية تخص حدود مصر المستقرة منذ آلاف السنين وأن اللعب فى هذه الحدود دون اتباع القواعد المفترضة يمكن أن يحرق أصابع أى مسئول وسيسجل التاريخ عليه ذلك مهما صوروا له درجة تأييد الشارع، فالرأى العام بحكم تعريفه متغير ومتقلب، كما أن الرأى العام المصرى لا يتعامل بخفة مع قضايا السيادة والحدود.

القضية هنا ليست مصرية أو سعودية الجزيرتين، القضية هى اتباع القواعد المتعارف عليها فى التعامل مع قضايا الحدود والسيادة. القضية لا تتعلق بضمير حاكم أو طريقة تنشئته، ما هكذا تدار شئون البلاد، القضية هى اتباع القواعد المتعارف عليها فى ترسيم الحدود كما جرى فى السابق، لا أن تفاجئ الحكومة الشعب بأن جزءاً من أرض الوطن سيُنقل إلى دولة أخرى دون أن تقدم للشعب ما يطمئنه على سلامة الإجراءات التى بموجبها تم توقيع الاتفاق.

فى تقديرى أننا لا بد أن ننتظر حكم المحكمة الإدارية العليا، وفى جميع الأحوال نظر البرلمان للاتفاقية، والذى يتطلب عدم التوجه للتصويت مباشرة على الاتفاق لأننى أعلم أن بمقدور النظام حشد ما يلزم لتمرير الاتفاق، بل منح البرلمان الفرصة لتشكيل لجنة متخصصة من أعضائه، ومنحها الوقت الكافى لتشكيل لجنة من الخبراء والمتخصصين فى المجالات المختلفة، تأخذ الوقت الكافى فى الدراسة وتقديم الوثائق، ثم تقدم تقريرها للبرلمان، وبموجبه يجرى التصويت على الاتفاقية. أما إذا قررت السعودية اللجوء للتحكيم الدولى كما لوح أحد دراويش الحكومة فهنا قد نفكر فى «الحجر» على الحكومة لأنها ليست ذات أهلية فى تمثيل مصر أمام القضاء الدولى لأنها ستعمل كمحام للطرف السعودى ولا تمثل مصر، ولكل حادث حديث.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع