أكاد أتخذ قراراً بالتوقف عن الكتابة فى كل مرة أتذكر فيها كلمات الكاتب عبدالرحمن الشرقاوى عن «الكلمة» فى مسرحيته المُطاردة «الحسين شهيداً»: «مفتاحُ الجنة فى كلمة، دخولُ النار على كلمة، وقضاءُ الله هو كلمة، الكلمة لو تعرفُ حُرمة، زادٌ مزخور، الكلمة نور، وبعضُ الكلمات قبور، وبعضُ الكلمات قلاعٌ شامخة يعتصمُ بها النبلُ البشرى، الكلمة فرقانٌ بين نبىٍ وبَغّى، بالكلمة تنكشفُ الغمة، الكلمة نور».
والغمة ثقيلة، خاصة عندما نعبر ساعات ما قبل الفجر التى هى بخبرة ليالى الأرق أشد ساعاتها حلكة، فبين أضابيرها تتجمع كل إرادات الشر ساعية لمنع نور الفجر من الانبثاق حتى لا تبدد ظلماتها، التى صنعتها تحالفات المصالح ومؤامرات التفكيك وتداعيات التجريف الممتدة لعقود أو ربما قرون.
ويزيد من ثقلها أن أحداً لا يسمع غير صوته، وكاد الحوار أن ينقطع، إلا قليلاً، متوجساً وعلى استحياء، تترقبه وتتلقفه اتهامات وملاحقات التخوين والتشكيك والتكفير لتقذف به فى أتون التجريم.
ونحن لا يفصلنا عن «30 يونيو» سوى أيام نجد أنفسنا لا نملك ترف التوقف عن ممارسة العصف الذهنى ولا رفاهية الصمت، ونحن نرى شراسة موجات حصارها توطئة للانقضاض على ما تمثله من معنى، وما صنعته عندما استردت وطناً كاد أن يُختطف.
ومن الطبيعى أن تكون قواتنا المسلحة التى تحملت مهمة حماية الوطن وانحازت بحكم تكوينها وعقيدتها الوطنية وتاريخها العريق إلى الشعب وانتصرت له، فكانت، وما زالت، الدرع الواقية لوحدة الوطن وسلامة أراضيه، من الطبيعى أن تكون هى الهدف الأول لكل قوى الشر المسعورة، وما يحدث بامتداد السنوات الثلاث منذ ثورة 30 يونيو على أرض سيناء خير دليل على ذلك، ولم تكن الشرطة المصرية بعيدة عن المشهد وقد اختارت أن تقف فى نفس خندق حماية الوطن وتحملت نصيبها من تكلفة الاستهداف من دماء رجالها الشرفاء، وزاد عليها حملات التشكيك فى نزاهتها ووطنيتها لعزلها عن الشارع، وهو أمر يستوجب الانتباه واليقظة وتنقية الثوب من اختراقات تسللت إليه فى عتمة ليل أنظمة فاشية عبرت علينا.
وبغير خوف من اتهامات تتربص بقلمى، خاصة من التنظيريين الأيديولوجيين، أقول إن الرئيس السيسى صار أيقونة الثورة، منذ اللحظة التى حزم فيها أمر قراره بتحمل مسئولية ترجمة إرادة الأمة، وإذا به يواجه مخزون نظام تمكن من مفاصل الدولة ولا يقل فى خطورته عن التيارات الظلامية السافرة، بل هو فى تقديرى أخطر، لأنه يقف وراء كل الأحداث التى تفخخ الروابط بين الشارع وبين الثورة وأيقونتها، وتشيع اليأس وتعمق الإحساس بأن شيئاً لم يتغير، وهو ما يجب أن يكون محل دراسة ووضع خطط حاسمة لمواجهته. وفى هذا السياق بات من الضرورى أن نبادر بإجراءات على الأرض، فى مقدمتها:
- تفعيل الأجهزة الرقابية السيادية وضبط معايير أدائها.
- تنقية القوانين والتشريعات ذات الصلة.
- العودة إلى عدم تسكين القيادات الأمنية لمدد طويلة من القرية إلى المركز إلى المحافظة حتى لا تتحول إلى مراكز قوى محلية.
- كشف المتواطئين والفاعلين الأصليين فى الأعمال الإجرامية التى ترتكب ضد الأقباط.
- تجريم الحض على الكراهية خاصة فى دوائر التعليم والإعلام ومنابر الوعظ.
- إعادة الحياة لمنظومة الأحزاب المدنية.
- إطلاق يد المجتمع المدنى مع ضبط بوصلته باتجاه التنمية والتنوير.
- تفعيل مسارات المصالحة مع الشباب على أرض الواقع بفتح قنوات حقيقية للحوار الجاد لبناء جدار الثقة بعيداً عن الانتقائية وبقدر ضرورى من قبول الاختلاف والمصارحة والمكاشفة ليعودوا لموقعهم الداعم للثورة وللتغيير الحقيقى.
وما زال للطرح بقية.
نقلا عن الوطن