تحقيق : مادلين نادر
"لو الدولة مش قادرة تعوضهم إحنا هنتكفل بالأمر"هكذا تحدث قداسة البابا"شنودة"الثالث في عظته يوم الأربعاء الماضي، ردًا على أحد الأسئلة التي تناولت أحداث"أبو تشت"التي وقعت بمحافظة"قنا"ليلة عيد الأضحى، حيث أكد قداسة البابا على أهمية تعويض الأقباط الذين حرقت منازلهم هناك....
لم تكن الأحداث المؤسفة الأخيرة في"أبو تشت"هي الأولى من نوعها، التي لا يتم فيها تعويض الأقباط عن الخسائر الفادحة التي يتعرضون لها ، فلقد تكرر عدم تعويض الأقباط في العديد من الأحداث الطائفية، التي يتم فيها إيذاء أناس لا ذنب لهم، و كأنه نوع من العقاب الجماعي على أي قضية يتم افتعالها . و من هذه الاعتداءات المؤسفة ما حدث في مطلع العام الحالي في"نجع حمادي"ليلة عيد الميلاد والخسائر المادية الجسيمة التي تكبدها المسيحيون هناك، من خسائر لمتاجرهم و تلفيات في منازلهم ...و لقد كان الحال هو الحال أيضًا في أحداث"فرشوط "و غيرها .
يجب أن يكون هناك تعويضات حقيقية تعبر عن مدى الخسارة الواقعة على المعتدى على أملاكهم في هذه الاعتداءات المؤسفة، و إلا تكون تعويضات بالاسم لا تتسق مع الإضرار المادية و الخسائر التي تعرضوا لها، مثلما حدث في الأحداث الأخيرة في"أبو تشت"، حيث تقدمت وزارة التضامن بإقرار تعويض 150 جنية فقط لكل متضرر، في هذه الأحداث بالرغم من أن خسائرهم تقدر بالآلاف . و هناك أشياء مشابهة حدثت في أحداث سابقة فمثلاً في أحداث"فرشوط"تم إقرار صرف تعويضات هزيلة و حتى الآن هناك مطالبات لم يتم الاستجابة إليها، بالتعويضات بالشكل المناسب .
و من المنطقي أن نتساءل؛ ماذا يحدث لو تكررت هذه الاعتداءات المؤسفة دون عقاب للجناة أو مطالبتهم بتعويض الخسائر التي تسببوا فيها ؟! أعتقد أن الأحداث المتتالية و المتكررة مؤخرًا تجيبنا على هذا التساؤل . لذلك علينا أن نطالب بحقوق المتضررين في التعويضات المناسبة .و إلا نكتفي بجمع التبرعات للمتضررين من هنا و هناك، فصرف تعويضات تتناسب مع خسائرهم، فهذا هو حق من حقوق المتضررين في مثل هذه الاعتداءات دون ذنب .
حول هذا الموضوع تحدثنا في البداية إلى بعض من المتضررين في الإحداث الأخيرة بقرية"النواهض"في"أبو تشت" .
ومن جانبه؛ قال"روماني فكرى"– احد الذين تم حرق منازلهم –: "لقد تم استدعائنا للنيابة يوم الثلاثاء صباحًا، بعد الاعتداءات التي تمت على منازلنا مساء الاثنين وقفة عيد الأضحى، و قمنا بالإدلاء بالخسائر التي ألمت بنا هناك، و تم عمل محضر لكل شخص تم حرق أو سرقة ممتلكاته . لكننا لم نرفع قضية للمطالبة بتعويضات، و ننتظر الآن موقفنا بعد تحرير المحاضر لنعرف ما الذي سيتم . "
وأستطرد : "بالنسبة لي فلقد تم حرق ماكينة مياه لري الزرع، و مفروشات كثيرة و تقدر الخسائر بأكثر من 10 آلاف جنية على الأقل . وأنا لا اعرف حتى الآن هل سيتم تعويضنا أم لا ؟ " .
أما ن – س فقال : لقد تم حرق بيتنا من الدور الأول إلى الدور الثالث، بالإضافة إلى حرق مزرعة طيور، و كل الأجهزة الكهربائية بالبيت . و لا احد قام بتعويضنا، فقط نحن ذهبنا إلى مركز"أبو تشت"لرئيس النيابة لنحرر محاضر ضد من قاموا بحرق بيوتنا، لأننا قد رأيناهم في ذلك الأثناء . و لكنهم للأسف قالوا لنا من الأفضل ألا يتم وضع أسماء بعينها في المحاضر، نوجه لهم الاتهام بالحرق و الإتلاف و من ثم فلقد تم تحرير المحاضر و تقيدها ضد المجهول . "
و أضاف : " من المؤسف أن الجهة الوحيدة التي قررت تعويضنا كانت من قبل التضامن الاجتماعي، و لكنها كانت تود أن تقدم 150 جنية فقط لكل شخص كتعويض، و هذا بالطبع أمر غير مقبول و غير معقول بالمرة، لذلك رفضنا استلام هذا التعويض الذي لا يتناسب مع حجم الخسائر بأي شكل من الأشكال .بالإضافة إلى ذلك فان من قمنا باتهامهم يعيشون وسط القرية أحرارًا دون أية قيود عليهم و كأن شيئًا لم يكن .
و أكد أيضًا على أن أكثر شيء يزعجه الآن هو أنهم لم يأخذوا حقوقهم في التعويض، بالإضافة إلى أن هناك بعض الصحف للأسف الشديد تقول كلاما غير صحيح، و يتحدثون عن الهدوء و السلام الذي عاد إلى المنطقة و هذا الأمر لم يحدث حتى الآن، مشيرًا إلى وجود حالة من الاحتقان و الغضب الشديد، متسائلاً" كيف يكون شخص قد خسر كل ممتلكاته و أجهزة كانت هي الأساس في عمله، و يعود الوئام و السلام بهذه السهولة و السرعة بعد مرور عدة أيام فقط على الأحداث، و بدون اتخاذ أي إجراءات حاسمة نحو من ارتكبوا الجرائم و الحرق، أو من جهة تعويض من خسروا الكثير في أمر لا ذنب لهم فيه على الإطلاق . هذا بالإضافة إلى أن سيارات الآمن التي كانت متواجدة أول يوم بعد وقوع الاعتداءات تم سحبها ثاني يوم، وأصبحت في المنطقة سيارة امن واحدة
وفي سياق متصل؛ أضاف مصدر كنسي بقرية"النواهض"- رفض ذكر اسمه - قائلاً : "هذه الاعتداءات حدثت يوم الاثنين مساءا و جاءت النيابة في صباح الثلاثاء للمعاينة، و رصد الخسائر ثم اخذوا الناس المتضررين لاستكمال المحاضر و إثبات خسائر كل شخص منهم في المحضر . ولكننا مع ذلك فإننا حتى الآن لا نعلم متى سيتم تعويضهم عن خسائرهم، التي تكبدوها دون أي ذنب لهم . و هناك بعض من الذين تم حرق منازلهم أو سرقة ممتلكاتهم قاموا بعمل توكيل لأحد المحامين لرفع قضية للمطالبة بتعويضهم . "
وعلى الجانب الآخر؛ أوضح"سيد عبد العال" أمين عام حزب التجمع، أنه فيما يتعلق بتعويضات المتضررين في الاعتداءات الأخيرة، سواء في"أبو تشت"أو"نجع حمادي"أو"فرشوط"، فهو موضوع قانوني، و يجب أن يتم تنفيذه و المطالبة به دون تهاون، مشيرًا إلى أنه عدم وجوده قد يتسبب بشكل أو بآخر في تكرار مثل هذه الاعتداءات، دون أي رادع أو عقاب يذكر يتكبده الجناة. كما أشار إلى انه لا يجب أن يتم اتخاذ التعويضات كوسيلة لإرضاء أو ترضيه الأقباط للتغاضي عما وقع من أحداث، و لكنه حق قانوني لأي مواطن مصري حينما يقع عليه ضرر، فالأضرار المادية يجب التعويض عنها . موضحًا أن هذا ليس له علاقة بقضية الاحتقان الطائفي التي يجب التحقيق فيها، و معاقبة من يثبت تورطه فيها بعقوبة رادعة .
وفي ذات السياق؛ أكد"إسحق إبراهيم"الباحث ببرنامج حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، على أن الأجهزة الأمنية تتولى التعامل مع ملف التوترات والاعتداءات الطائفية بطريقة تكاد تكون ثابتة تبدأ بفرض التهدئة على حساب العدالة، وتتخذ وزارة الداخلية في سبيل تحقيق ذلك عددًا من التحركات غير القانونية تبدأ باستخدام العنف المفرط من قبل أجهزة الشرطة، بغرض تفريق التجمعات، حتى لو كانت سلمية. وقد رصد باحثو المبادرة المصرية في بعض حوادث العنف الطائفي، تورط رجال الشرطة أنفسهم في عمليات عنف تجاه المسيحيين، وفي الاعتداء على ممتلكاتهم، مثل أحداث عزبة"بشرى" الشرقية التابعة لمركز"الفشن"بمحافظة"بني سويف" التي وقعت في 21 يونيو 2009.
وأضاف"إسحق إبراهيم"أن عمليات القبض العشوائي والاحتجاز غير القانوني والاعتقال، تعد من الأساليب التي يقوم بها رجال الشرطة بغض النظر عن كون المعتقلين من الضحايا أم من الجناة. وغالبًا ما تكون أعداد المعتقلين مساوية أو متقاربة من المسلمين والمسيحيين. ويتم الاعتقال لتحقيق هدف فرض التهدئة من خلال استخدام المعتقلين كرهائن، أو ورقة ضغط على الأهالي لقبول التنازل عن حقوقهم وإنجاح جلسات الصلح العرفي التي ترعاها وزارة الداخلية.
أما فيما يخص التعويضات قال"إبراهيم"إن الداخلية تنهى الموضوع بعقد جلسات صلح عرفي كبديل عن آليات العدالة وجبر الأضرار، وغالبًا ما تتضمن جلسات الصلح تنازل الضحايا عن الشكوى المقدمة منهم، وإجبار الضحايا على الإقرار بهذا التنازل مباشرة أمام النيابة العامة، أو توثيقه لدى الشهر العقاري وتقديمه إلى النيابة. وكذلك تتضمن جلسات الصلح تعهداً بعدم إقامة أية دعاوى قضائية من طرفي النزاع، بما في ذلك التعهد بعدم المطالبة بالتعويض أمام المحاكم.
وحذر من أن هذه الإجراء يطمئن المعتدين، ويشجعهم بأنهم في حال تكرار أفعالهم فإنهم لن يكونوا مطالبين بدفع تعويضات عن الخسائر التي تسببوا فيها، ولن يواجهوا أي اتهامات جنائية، وأن الأمر في أقسى عقوباته لن يتعدى الاعتذار الشفهي، وهو الأمر الذي يشجع المعتدين على تكرار أفعالهم، برعاية غير مباشرة من وزارة الداخلية.
هذا وقد رصدت المبادرة المصرية، في حالات نادرة تقديم تعويضات للأقباط المضارين مثلما حدث في اعتداءات قرية"النزلة"بمحافظة"الفيوم"في عام 2008 (والتي تقاسمتها الكنيسة مع المحافظة)، وتعويضات الأقباط المضارين من اعتداءات"فرشوط "في محافظة"قنا"في عام 2009 (والتي تقاسمتها وزارة التنمية المحلية مع نقابة الصيادلة بالمحافظة).