د. مينا ملاك عازر
كان "رالستون يونج" الشهير بالحمَّال يعمل في حمل حقائب المسافرين بمحطة "جراند سنترال" بنيويورك وفي أحد الأيام ، كان عليه أن يحمل سيدة عجوز محمولة على كرسي ذي عجلات إلى القطار، ولكنه لاحظ أن عينيها مبللتان بالدموع، فقال لها مبتسماً: إن هذه القبَّعة ( البرنيطة) التي ترتدينها في منتهى الأناقة مع هذا الرداء الجميل " فانتعشت روحها و قالت له : إنك كريم حقاً... ولكن ما الذي دفعك أن تقول لسيدة عجوز مثلي ذلك؟ قال لها : إني لاحظت إنك تذرفين الدموع الغزيرة وتبدين غير سعيدة، أجابته: إني أعيش في ألم مستمر ولا أستطيع احتماله، هل تدرك معنى أن يعيش الإنسان في ألم مستمر؟
قال لها: نعم يا سيدتي لقد فقدتُ إحدى عيني وكانت تؤلمني ليلاً ونهاراً وكأن بها قضيب محمى بالنار، أجابته السيدة باندهاش شديد: ولكن كيف تبدو سعيداً وفرحاً هكذا؟ قال لها: بالصلاة يا سيدتي ليس غير الصلاة، فسألته: وهل مجرد الصلاة وحدها تخفف الآلام؟ فأجابها بثقة: ربما لا تستطيع أن تذهب بالآلام بعيداً لكنها تساعد الإنسان أن يتغلب عليها، داومي عليها يا سيدتي وسأصلي لك، وكانت قد وصلت للقطار، فجففت دموعها و شكرته على هذا المعروف، وبعد مرور عام وهو متمسك بشعاره اليومي أن يسعد كل إنسان يقابله في يومه، سمع اسمه يتردد بصوت عال بالميكروفون في المحطة الكبيرة ليتقدم لمكتب الاستعلامات، وهناك وجد شابة تنتظره فقالت له: إني أحمل إليك رسالة من أمي، فقد أوصتني قبل أن تموت أن أبحث عنك وأبلغك كم هي ممتنة لجميلك ومعونتك لها، فقد أصبحت سعيدة عندما جرَّبت نصيحتك، وهى الصلاة، وتقول إنها ستصلي لك في الأبدية حيث كنت لطيفاً معها ومقدراً لمشاعرها، ثم انفجرت الفتاة في البكاء، أدرك الحمّال إنها فرصة أن يصنع خيراً مع ابنتها كما فعل مع الأم، و قال لها: لا تبكِ يا ابنتي بل قدمي صلاة بشكر، فسألته مندهشة: كيف أقدم صلاة بشكر لله الذي أخذ مني أمي؟ قال لها: لأن كثيرات مثلك فقدن أمهاتهن وهن صغيرات، وأنت تمتعتِ ببقائها معك مدة أطول، ولأنها ماتت سعيدة، أثَّر كلامه في الفتاة وعادت لمنزلها راضية شاكرة.
يا ليتنا نفعل مثل الحمال مع من حولنا نقدم لهم كلمة تشجيع ابتسامة، مديح، مساعدة صغيرة، سؤال بالتليفون، كلمة محبة، تقديم الشكر لإنسان، سؤال عن مريض، لقمة خبز لجائع، إن فعلت ذلك ستعيش سعيداً.