دكتور وجدى ثابت غبريال
من الخطأ الجسيم فى التشخيص أن نرى فى التسلسل المتواتر لحوادث اضطهاد جسيمة فى الفترات الاخيرة يقع ضحيتها المسيحيون فى مصر ، مجرد ثمرة لقله من المتطرفين !

فلو كانوا "قله " لما احدثوا كل هذا الضجيج على مر السنوات و لما عانينا منهم بهذا القدر . فالروح بلغت الحلقوم . 

و لو كانوا مجرد مجرمين معزولين لا يساعدهم احد لاستطاعت اجهزة الدولة الالقاء بهم فى السجون و لاعادت للناس حقوقها فى كل مرة انتهكت علنا و بفجور .
اذن فهذا التحليل فاسد و لا يتفق مع الحقائق.

 واهمية التشخيص تأتى من أهمية الحلول اذا كنا نريد إيجاد حلول . 

  الحقائق على النحو التالى و يجب اخذها جميعا فى الاعتبار :
اولا . التعصب كمصدر مباشر للاضطهاد ناتج عن ثقافه عنصرية تربى عليها غالبية افراد الشعب و لم تعطى للمستنيرين منه الفرصه ان يراجعوا انفسهم أو يضعوا ثقافتهم الموروثة موضع المراجعه. 

ثانيا.  التعصب كسبب مباشر للاضطهاد ليس قاصرا على الافراد العاديين و انما هو قائم فى مؤسسات الدولة بما فى ذلك القضاء . و اعلم ان حتى قضاء مجلس الدولة الذى يفترض فيه حماية الفرد فى مواجهة الدولة و هو جهة قضائية تحتوى على نسبه كبيرة جدا من الاخوان المسلمين و المتعاطفين معهم و من ليس منهم فهو فى جماعة " انا مش اخوان بس باحترمهم" ! و لا ادرى اى شئ في الاخوان يستحق الاحترام و لو من بعيد !

و تغلغل التعصب الدينى و الفكر الطائفى العنصرى يصل الى القاضى الجنائي ايضا الذى اصبح يتجاهل القانون ووظيفة القضاء الفنية فى البحث عن الركن المادى فى جريمة الازدراء و يلجأ فى رضى و تسليم الى تقرير مجمع البحوث الاسلامية لتاكيد توافر الركن المادى للجريمه ! و هى ببساطه خيانه و انتهاك لكل ما تعلمناه فى علم القانون و فى فن تسبيب الاحكام  

ثالثا . فى الشرطة ايضا الوضع لا يختلف كثيرا و لنا فى قضية المنيا و ما اصاب السيده سعاد ثابت من مصاب مفجع المثل و الدليل . و الشرطه مفترض فيها ان تحمى من يقع عليه العدوان و الا تؤصل الظلم و تعد فراش الارهابيين ، اللهم الا اذا كانت فى المنيا تنتمى لذات الثقافه . 

رابعا . لا تختلف الامور فى الوزارات عما هو فى القضاء و الشرطه . يكفى مثل مريم ملاك مع وزير التعليم السابق الرافعى و كيف تعامل مع قضيتها و كيف تعامل الوزير الحالى معها و مع غيرها حتى لو كان الفساد هو الدافع الاول و لكن طريقة المعالجه تعبر عن اضطهاد طائفى لمريم ملاك . و يكفى ان استبدال الوزير قد تم بمن هو مثله تماما فى ضيق الافق و الثقافه المتخلفه و هذا الاختيار الغبى الفاسد دفعت ثمنه الدولة المصرية كلها فى امتحانات هذا العام. فهذا خير دليل على سوء إختيار الوزراء.

خامسا . فى المحافظات شهدنا الدور المخزى المخجل لمحافظ المنيا الاخير و هو شئ مؤسف بكل معانى الكلمه ، و شهدنا قبله مواقف اخرى فى ذات الاقليم الذى اسلم ذاته كلية للثقافه الداعشية و يكفى ذكر قضية مديرة مدرسة رفض لها حقها فى التعيين بسبب عقيدتها. لعل كل هذه الامثلة تؤكد ذات الحقيقة : ان المسالة ليست قلة قليله من المتعصبين و انما مؤسسات الدولة ذاتها باروقتها تحتوى هؤلاء المتعصبين و العنصريين   

سادسا . اذا كانت الشرطه هى التى ابلغت النيابة العامه عن الشريحة المفقودة من تليفون محمول ورد فيها مقطع المشهد الذى يمثل فيه الاطفال دور الدواعش فهذا يعنى فقط لا غير  ان الدولة ذاتها تحمى دواعشها  

هكذا يبدو لنا ان " تدعيش الدولة المصرية " هو اكبر و اخطر بكثير من مشكلة بعض المتطرفيين او قلة منهم. المشكله الكبرى هى التهوين المرير غير المسئول من شأن العقلية و الثقافة  الدينية العنصرية فيما نمر به من احداث  

خطأ التشخيص يؤدى الى موت المريض
فلا ترتكبوا هذا الجرم الاعظم لمجرد العناد الاصم

كلية الحقوق- جامعة لاروشل
فرنسا