فوجئ الجميع بأن «الأزهر»، ولأول مرة، فى تاريخه يقوم بحملة إعلانات فى الشوارع والميادين والكبارى العلوية على طريقة مسلسلات رمضان وإعلانات الزيت والسمن والداندو، ليعلن عن «منهجه الوسطى» وبأنه «المرجعية الدينية فى مصر والعالم الإسلامى»!
الإعلان أثار موجة عارمة من السخرية على الحال المتدنى الذى وصل إليه تفكير معاونى الإمام الأكبر فى إدارة المشيخة، الذين انفردوا بإدارتها فى غيبة من علمائها وأساتذتها الأجلاء، ففيما رأى الكثيرون أن تفتق ذهن محمد عبدالسلام ومن معه عن فكرة «الإعلان عن الأزهر» يعكس الخواء الذى صار عنواناً للمؤسسة، بعدما سيطرت أفكار«الخليج العربى» على صناعة قرار المشيخة والتعامل معها على أنها تقدم «سلعاً رمضانية»!
هذا النهج «الاستهلاكى» المنافى لسلوك المؤسسة العلمية الدينية الإسلامية الأقدم فى العالم يعلو على ما يبدو على المهمة التى تشغل القائمين على المؤسسة بعيداً عن أفكار العلم والمنهج ومحاربة الإرهاب والتطرف المنوط به الأزهر فى الفترة الأخيرة على الأقل.. فهؤلاء يقومون بعمليات تورية وتغطية كبيرة على جرائمهم المرصودة بحق المؤسسة من عمليات فساد وإفساد للعملية التعليمية أولاً، ثم فى إدارة الجامعة ثانياً، مروراً بعمليات التعيين والترقيات وملف التبرعات والأموال التى تأتى كهبات من الخارج.
لا يعرف هؤلاء قيمة المؤسسة الأزهرية ومقامها الذى يعانق السماء، والذى هو أكبر من أن تُنشر عنه صور دعائية، كما أنها أكبر من النزول لمنطق الدعاية الرخيص عن إنتاجها العلمى بالنزول لشركات الدعاية للمسلسلات والمساحيق، ولكن يبدو أنهم يعرفون فقط كيف يحاولون أخذ المشيخة بعيداً عن أعين الأجهزة الرقابية والمحاسبية لإيهام مؤسسة الرئاسة والرأى العام بأنهم يعملون بجد واجتهاد مزيف لمحاربة الإرهاب والتطرف عبر نشر إعلانات مدفوعة الأجر من أموال المتبرعين وزكوات المسلمين.
قبل أيام خرجوا علينا بافتكاسة «استراتيجية الإصلاح والتجديد» وقالوا إن عام 2016 هو عام «تطوير المناهج»، ويبدو أنهم نسوا المثل العربى الذى يقول «إذا كنت كذوباً فكُن ذكوراً»، فقد نسوا أنهم خرجوا طوال الثلاث السنوات الماضية فى تصريحات معلنة أكدوا فيها أن عمليات تطوير المناهج قاربت على الانتهاء وأنها قاب قوسين أو أدنى، وبلغ أن صرح عباس شومان بأن عمليات التطوير وصلت إلى المرحلة الإعدادية.. كان ذلك قبل عامين بالتمام والكمال.. وذكر «شومان» كثيراً أمام جمع من الصحفيين فى مؤتمرات صحفية أن عمليات تطوير المناهج بدأت ولم تتوقف، وزاد أن قال مرة بأن هناك لجنة علمية كبيرة تقوم على تنقية المناهج من المغالطات والأحاديث الموضوعة.. والعجيب أنهم اختاروا منتصف عام 2016 ليقولوا لنا إن هذا العام هو عام التطوير، أى بعد انقضاء ستة أشهر من عمر العام.
العجيب أن الإعلانات المدفوعة الأجر حملت عناوين مبهمة مثل «أروقة الأزهر تنشر الوسطية» و«تطوير مناهج الأزهر»، وكما قال أحد جهابذة «عبدالسلام» الذى يوجههم للتعامل مع وسائل الإعلام بأنها موجهة للشباب وهو تفسير مضحك؛ لأنه فسر الماء بالماء، دون أن تكون هناك أى فلسفة حقيقية وراء ذلك، اللهم إلا التورية على جريمة إيواء عناصر جماعة الإخوان الإرهابية التى تشارك فى إدارة المشيخة، والتى يسيطر معظمها على هيئة كبار العلماء المتسترة بالقانون رقم 13 المعروف بقانون الأزهر، الذى تم سَنّه فى غيبة من الدولة، وقتما كانت السيولة عنوان الموقف عقب ثورة يناير، وهو الأمر الذى يستدعى البدء فوراً فى ضرورة تغيير هذا القانون حتى لا يقع المنصب الرفيع فى حجر أحد القيادات الإرهابية أو الانتهازية التى يدفع «عبدالسلام» لتوليها أمر المشيخة وهو الذى سيكون لى وقفة كبيرة معه الأيام المقبلة!
نقلا عن الوطن