بقلم : سليمان شفيق | الأحد ١٢ يونيو ٢٠١٦ -
٠٩:
٠١ م +02:00 EET
سليمان شفيق
«يا شاهندة وخبرينى/ يا ام الصوت الحزين/ يا ام العيون جناين/ يرمح فيها الهجين/ ايش حال سجن القناطر/ ايش حال السجانين/ ايش حال الصحبه معاكى/ نّوار البساتين» (1)
امرأة خمرية كطمى النيل، جميلة على مر السنين، صلبة كسنديانة حمراء واقفة فى كبرياء على ضفاف النهر، «ست الدار» هكذا يحمل اسمها من معنى، كحجر كريم كلما انعكس عليه ضوء عكس شعاعا مختلفا عن الآخر، ولدت ما بين الحربين العالميتين 1938 من أب ضابط بوليس وفدى، ورثت منه الوطنية، وعشق الأرض، برز اسم شاهندة مقلد ابنة القائم مقام عبدالحميد مقلد، بعد معركة كمشيش الشهيرة فى مصر عام 1966، حينما أرسل زوجها الشهيد، صلاح حسين، عريضة باسم فلاحى القرية، لإقامة مستشفى فى مبنى يمتلكه أحد كبار الملاك من عائلة الفقى، فتحول إلى معركة كبرى انتهت باغتيال صلاح حسين، واتهام الإقطاع بقتله، وكان صلاح ابن العم والزوج والحبيب والرفيق أسطورة فلاحية، فصار ياسين وصارت شاهندة بهية، ولكل أسطورة تكلفتها، فمن سجن إلى آخر وفى مختلف العصور.
نمت قصة حب شاهندة لصلاح منذ 1966 وحتى آخر نفس، وتحول الحب الخاص إلى العام إلى حب الفلاحين والوطن، وفجأة قطعت هذه الزعيمة الحسناء موكب الزعيم جمال عبد الناصر، وهو يمر فى كمشيش بصحبة تشى جيفارا، وقدمت له عريضة تحمل هموما ومطالب الفلاحين كقرية ثورية، وعندما توقفت سيارة عبدالناصر عند الجسر، اقتربت منه، وصافحته وضيفه، وسلمت الرئيس رسالة من الفلاحين، ثم خاطبت جيفارا بالقول: «نحن فلاحو قرية كمشيش الثورية»، فوقف «تشى» ورفع قبضته تحيةً لها، فأطلق الفلاحون عاصفة من الهتافات والتصفيق دون أن يعرفوا هوية الضيف الثورى، وقد تحولت القرية (كمشيش) بعد هذه الواقعة إلى مزار، يحضر إليها كبار الشخصيات العالمية، ومن هؤلاء كان الفيلسوف الفرنسى الشهير جان بول سارتر، وصديقته سيمون دى بوفوار، اللذان زارا القرية، بعد قراءة تحقيق عنها، كتبه الصحافى الفرنسى الشهير إريك رولو.
(2)
تعرفت على شاهندة مقلد 1975 فى الاحتفال بذكرى الشهيد صلاح حسين بكمشيش، وكنت على أولى درجات السلم اليسارى، أتهجأ حروف الثورية، هناك كانت كمشيش ملتقى الثوار، وكعبة التواقين للعدل والحرية، وفى 1976 كنت من الشباب الرافض لدخول منبر اليسار، ولكنها أقنعتنى بالانضواء تحت جناحيه، لتؤسس اتحاد الفلاحين تحت التأسيس مع لفيف من مناضلى الفلاحين، ويوم 16 يناير 1977 اصطحبتها والمرحوم محمود المراغى إلى المنيا لمؤتمر جماهيرى يوم 17 يناير، وتم المؤتمر فى ساحة (منبر الوسط حينذاك) بميدان بالاس، وفوجئنا بعد خطاب شاهندة الثورى بخروج جماهير المؤتمر فى مظاهرة تجوب المدينة، لتنطلق من المنيا أول شرارة لانتفاضة الخبز، وبسبب ذلك ألقى القبض على كل من الراحلين أنور إبراهيم، وأحمد عبدالعزيز، وأحمد رشاد، وعبدالرحمن طلبة، وفتح الله خفاجى، وكاتب السطور، وبالطبع شاهندة مقلد. (3) خرجت من السجن إلى موسكو، وهناك كنت أدرس مع ناجى ووسيم صلاح حسين، وتعرفت على الابنة التى تركها الشهيد رضيعة بسمة، كنت بمثابة الأخ الأكبر لهم والابن لها، ومن هذا المنطلق عرفت شاهندة الأم العظيمة والمربية الفاضلة، ويرحل وسيم فى حادث درامى لينوء بكاهلها الجرح، ولكنها لم تنحن، عدنا للوطن وظل بيتها النور الذى ينير لنا الطريق فى عتمة اليسار وضباب الوطن. أمى الحبيبة: «استشهد الماء ولم يزل يقاتل الندى/ استشهد الصوت ولم يزل يقاتل الصدى/ وانتِ بين الماء والندى/ وانتِ بين الصوت والصدى/ فراشة تطير حتى آخر المدى».
نقلا عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع