الأقباط متحدون - الأُختين
أخر تحديث ١٣:٥٧ | الجمعة ١٠ يونيو ٢٠١٦ | ٣بؤونة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٥٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الأُختين


 بقلم: ليديا يؤانس

 
في مشهد مؤثر عاطفي،   إختلطت الدموع مع إبتسامات الرجاء،  ألم الفُراق مع أمل اللقاء،   الأُختان مُتعانقتان،  إمتزجت دموعهما،  تشابكت أياديهُما،   إختلطت خصلات شعورهما،  عيونهما يقولان ما لا يستطيعان قوله!
 
الأب والأم تشابكت أياديهُما أيضاً،    لتحتضنان الأُختان،   بمشاعر مُلتهبة وحب فياض ولوعة علي الفراق!
 
أنهم في مطار مونتريال الدولي بكندا،  ليودعوا ناتاشا،   حيث قررت الذهاب إلي زامبيا.   
 
أعلنت الإذاعة الداخلية للمطار،   عن عدم إقلاع الطائرة المُتجهة إلي زامبيا،   حيث وجود عُطل فني بمحرك الطائرة،  وقد يكون التأخير لمدة ساعتين لإصلاح العطل أو إيجاد طائرة بديلة.
 
بدأ الشد العاطفي يهدأ،  إرتخت العضلات المشدودة،   وإنفكت الأيادي المُتشابكة.
أخذت الأختان ركناً،  وكذلك الأب والأم ركناً آخر بعيداً عنهما،  كل أثنين يتناجيان في خلوة الذكريات،   لإستعادة الماضي واللهفة علي التنبؤ بالمستقبل المجهول.
الأختان جلستا علي مقعدان مُتشابكان من الخلف،   ربما لكي تشعر كل واحدة،   بأن في ظهرها أخت تُحبها وتخاف عليها،   وربما أيضاً،   لكي تُطلق كل منهما العنان لأفكارها وقرارتها بدون المساس بالمحبة والروابط الأسرية.
 
الأب والأم جلسا علي مقعدان مُتقابلان،  ربما لإستعادة ذكرياتهما سوياً،   وربما لتكون عيونهما علي الأختين.
 
ناتاشا الأخت الكبري،  ومعني إسمها  "أنا شاكرة"،    هذا الإسم من زامبيا   "Natasha means I am thankful".
والأخت الصغري إسمها جويس ومعناه  "فرح".  
 
ناتاشا فارعة الطول،  سوداء سوداء،   شعرها مضفر كله كنوع من الموضة،   ولكي لا تستهلك وقتها ومجهودها في تصفيفه،  مقاييس جمالها الجسدي يفوق ملكات الجمال،  يكفي أن تنظر في وجهها لتقول الله الله،   علي إبداع الخالق في أن يكون هذا اللون الأسود الذي يلمع مثل الأبانوس،   مع دقة التناسق في تقاطيع الوجة الجذابة.
جويس ذات الوجه الملائكي الضاحك تصغر أختها بثلاث سنوات،  لونها خمري تحمل الجينات المصرية من أبويها،  جميلة رقيقة وتتمتع بخفة الدم المصري.
الأم نظرت للبنتين ونظرت للأب تذكرت أنه لمدة 5  سنوات من زواجهما،   وكل شهر حزن ويأس علي أنها لم تحمل،   وأخيراً قررت هي وزوجها أن يتبنيا طفلة من إحدي الدول الفقيرة،   هؤلاء الأطفال يحتاجون لمن يعُطيهم قسطاً من الحياة،   بدلاً من الموت الذي يُلاحقهم في صورة فقر ومرض وجهل.
 
تبني الزوجان ناتاشا من زامبيا من أفريقيا،  هدأت الأم وفرح الزوجان،   وبعد عدة شهور حملت الأم،  وجاءت جويس لتصبح الفرحة فرحتين،   لم ينسيا الأبوان أن ناتاشا كانت سبب فرحتهم،   أنهما لا يشعران إطلاقاً بالفرق في بنوة الطفلتين.
 
حينما كانت الأم حامل في جويس،   جاءت ناتاشا بحُب الإستطلاع،   ووضعت يدها الصغيرة علي بطن الأم،  أخذتها الأم في حضنها وقالت لها،  هُنا فيه نونو،   حتبقي أختك تحبيها وتحبك،  لم تستوعب الصغيرة حتي مجئ جويس،   جاءت مرة أخري بالإحساس الداخلي بأن هناك مخلوق آخر سوف يجعلها تفقد الحب والإهتمام  الخاص بها،  سألت أمها،  جويس جاءت من بطنك وأنا جئت من أين؟ 
الأم أخذت الطفلة في حضنها وقالت لها،  جويس ولدتها من بطني وإنتي ولدتك من قلبي.
الزوجان مملوءان حكمة ونعمة ومحبة إنسانية،  أحبا الطفلتان  بنفس الدرجة من الحب والإهتمام،  فانعكس ذلك أيضاً علي علاقة الأختين ومحبتهم وإرتباطهم ببعضهما.
 
ظهر رامي الشاب الوسيم ذو العضلات المفتولة وخفة الروح،  إبن إحدي العائلات المصرية الصديقة،  إزدادت الزيارات بين الأسرتين،  وزاد إهتمام الأختين بهذا الشاب المصري،  رامي يعتز بالأختين،   ولكنه بدأ ينجذب بالأكثر لجويس،   ربما لأنها تحمل الجينات المصرية
 
الأختين ظهرهما لبعض،   ولكن هُناك حبل فكري واصل بينهما،   ناتاشا أحبت رامي بجنون،  ولكن أختها الصغيرة أحبته أيضاً!  
رامي لطيف جداً مع ناتاشا،   ولكنها شاهدته وهو يقبل أختها جويس في الحديقة!
جويس بدأت تزف لأُختها الأخبار السعيدة بأن رامي يحبها،  ربما أيضاً جويس لاحظت حب أختها لرامي،   ويمكن هذا الذي دفعها لإعلانها بحبها لرامي.
الموقف متأزم بين الأختين بسبب رجل!
الأم والأب وقفا مكتوفي الأيدي،  أنهما يُراقبان الموقف عن قُرب ولا يُريدان أي ألم أو حزن لأي من الأختين،   صليا كثيراً أن يحفظ الله الأختين وألا يشُق سيف الحب المحبة الأخوية والروابط الأسرية.
 
في يوم علي العشاء فجرت ناتاشا مفاجأة،  قررت أن أسافر لأحدي الدول التي ينتشر بها مرض الإيدز، لخدمة  مرضي الإيدز،   حيث تخصصي الطبي الذي تفوقت فيه بجدارة وامتياز.
 
عرفت أن بلدي زامبيا،   تعتبر في الترتيب رقم 8 بين البلدان التي يُعاني أهلها من هذا المرض اللعين،   وأنه يوجد أكثر من مليون شخص مصابون بهذا المرض.
أريد أن أرد لكما محبتكما الإنسانية التي فعلتموها معي،  في أن أقدم للآخرين وخصوصاً أهل بلدي جزء من خبرتي وتعليمي الذي يرجع لكما الفضل فيها،   سوف أخدم هناك لفترة وأرجع لبلدي كندا وأسرتي وأختي الحبيبة جويس.
الكل يعلم جيدا لماذا قررت ناتاشا الذهاب إلي زامبيا بالإضافة إلي رغبتها في القيام بعمل إنساني!
أعلنت الإذاعة الداخلية للمطار عن تحرك الطائرة إلي زامبيا بعد نصف ساعة،  وقفت الأختان يحتضنان بعضهما،   والأب والأم يحوطانهما بذراعيهما،  رافعين صلوات بالحماية والبركة علي الأختين،   وأن ترجع ناتاشا بعد مُهمتها الإنسانية لتكتمل سعادة ومحبة الأسرة علي الدوام.
  
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع