عبدالخالق حسين
من نافلة القول أن العراق يمر اليوم في أخطر منعطف تاريخي يهدد شعبه بالفناء، ووجوده كدولة، حيث تكالبت عليه دول إقليمية لخوفهم الشديد من نجاح الديمقراطية فيه، ووصول عدواها إلى شعوبهم. والمؤسف هو استعداد شريحة واسعة من أبناء العراق للتعاون مع آلهة الشر في سبيل مصالحهم الشخصية والفئوية العابرة وبدوافع طائفية. فقد بات معروفاً أن نحو 90% من الدواعش في العراق هم من فلول البعث الذين جعلوا من مناطقهم حواضن للإرهاب، ودفع السكان الثمن الباهظ، يدعمهم في هذه الجريمة ذراعهم السياسي المشارك في السلطة، المتمثل بما يسمى بـ(تحالف القوى العراقية) بقيادة أسامة النجيفي، وظافر العاني، و صالح المطلك وأياد علاوي وغيرهم، الذين قدموا مناطقهم لقمة سائغة إلى خوارج العصر (داعش)، وما داعش إلا الاسم الحركي ليرتكبوا أبشع الجرائم بحق الشعب العراقي باسمه. و راحوا يلعبون على عدة حبال في آن واحد، يدعمهم الإعلام العربي وجيش من الإعلاميين، مرتزقة البترودولار. كان الغرض من دعم هؤلاء للإرهاب في أول الأمر، التخلص من نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، بذريعة تهميشهم في السلطة، الكذبة التي انكشف زيفها وبطلانها للجميع. (راجع مقالنا التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة (1).
يحاول قادة تحالف القوى ومن يعاضدهم، الاستفادة من ألاعيبهم إلى أكبر قدر ممكن، فمن جهة هم الذين قاموا بتسليم مناطقهم إلى الدواعش وبدعم من دول إقليمية معروفة، ثم راحوا يحملون المالكي مسؤولية ذلك، بل وحتى إلقاء مذبحة سبايكر، وغيرها من المذابح عليه، بحجة أنه كان رئيساً لمجلس الوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة، بل راح بعضهم يشبه المالكي بصدام حسين لأن الأخير تمت محاكمته وإعدامه بسبب المذابح والمقابر الجماعية التي حصلت في عهده، كذلك المالكي يجب محاسبته على ما حصل في عهد حكومته!!.
نقول لهؤلاء أن بكاءهم على ضحايا سباكير نفاق صارخ، وتشبيه المالكي بصدام فيه الكثير من الإجحاف والتضليل. لأن المجازر والمقابر الجماعية في عهد صدام قد حصلت بأوامر مباشرة من الطاغية نفسه، فهل المجازر التي أرتكبها الدواعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية كانت بأوامر من المالكي حتى يحاكم عليها؟
فهل يصح مثلاً، اتهام جورج بوش بجريمة 11 سبتمبر 2001 التي راحت ضحيتها نحو 3 آلاف شخص لأنه كان رئيساً لأمريكا وقائداً عاماً لقواتها المسلحة، وحصلت هذه الجريمة في عهده؟
وهل تجب محاكمة توني بلير لأنه كان رئيساً للحكومة البريطانية عندما حصلت تفجيرات قطارات الأنفاق في لندن يوم 7/7/2005 و راح ضحيتها 52 قتيلاً وأكثر من 700 جريح؟
ونفس الكلام يمكن قوله عما حصل من تفجيرات وأعمال إرهابية في أسبانيا وفرنسا وبلجيكا، فهل يصح تحميل رؤساء هذه مسؤولية هذه الجرائم والمطالبة بمحاكتهم، لأنها حصلت في عهدهم؟
في الحقيقة لا أحد في هذه البلدان ألقى التهمة على رؤساء تلك الدول إلا في العراق... والسبب لأن رئيس الوزراء العراقي قد تجرأ ووقع على إعدام أكبر إرهابي في التاريخ، وهو صدام حسين وأعوانه، ولأنه التزم بالدستور حرفياً، ولم يذعن للإبتزاز. لذلك صار مغضوباً عليه من قبل البعثيين، والدواعش، ويوسف القرضاوي، ومسعود بارزاني ومن يدعمهم في الخارج (السعودية وقطر وتركيا).
ولما تحقق لهم ما أرادوا بتنحية المالكي، وتأكدوا من مغبة تبنيهم للإرهاب، وأعمالهم العدوانية التي جلبت الكوارث على أهليهم في المناطق المنكوبة، اتهموا حكومة حيدر العبادي بالتلكؤ في تحرير مناطقهم وعدم الاكتراث بها. ولكن ما أن تحركت الحكومة بكل ما لديها من قوة وإمكانيات، وبدعم التحالف الدولي لتحرير الفلوجة، وحققت انتصارات ساحقة على الدواعش، راح (تحالف القوى يحذر من استمرار "الانتهاكات" ضد ابناء الفلوجة ويحمل العبادي مسؤولية ذلك).(2)
والمعروف أن قائد هذه الجوقة هو ولي نعمتهم ثامر السبهان، سفير المملكة العربية السعودية في العراق، فهذا السفير لم يلتزم بآداب الدبلوماسية، فهو بالأساس عسكري وناشط في الاستخبارات السعودية، وعندما كان ملحقاً عسكرياً في السفارة السعودية في لبنان، أبدى نشاطاً محموماً ضد القوى الوطنية الرافضة للتدخل السعودي، فوجدوا فيه الشخص المناسب ليقوم بهذه الأعمال التخريبية في العراق كسفير. فسبهان هذا راح يتصرف وكأنه زعيم لتحالف القوى العراقية المشاركة في العملية السياسية. فما أن بدأت حملة تحرير الفلوجة، حتى وبدأ هو حملته في التدخل الفض بالشأن العراقي، إذ راح يوجه اتهامات بانتهاكات وتجاوزات ضد أهل الفلوجة من قبل الحشد الشعبي والجيش العراقي، ولم ينس أن يزج إيران في هذا الموضوع، إذ كتب في تغريدات سابقة له مدعياً: "وجود شخصيات ارهابية إيرانية قرب الفلوجة دليل واضح بأنهم يريدون حرق العراقيين العرب بنيران الطائفية المقيتة وتأكيد لتوجههم بتغيير ديموغرافي"(3).
هذه التصريحات تمثل قمة المهزلة حين تستنكر السعودية الطائفية، وتتهم غيرها بإذكاء نيرانها. فالسعودية وقطر وتركيا هي وراء الإرهاب باعتراف أقرب حليف لها، ألا وهي الإدارة الأمريكية، بينما إيران تساعد العراق وسوريا في محاربة الإرهاب. وهذا دليل على أن السعودية هي وراء داعش ولا تريد لها الهزيمة. فالكل يعرف أن السلاح الوحيد الذي تعتمده السعودية للبقاء في السلطة هو إثارة الصراع الطائفي لتخويف السنة الذين يشكلون الأغلبية من شعبها، بالبعبع الشيعي والإيراني. إذ كما قالت نائبة عراقية في تصريح لها لوكالات الأنباء إن "السفير السعودي عين نفسه وصيا على السنة وبعض القوى السياسية. وطالبت الحكومة بطرده لتدخلاته السافرة”.
وكالعادة رافقت هذه الاتهامات الفجة حملة إعلامية مضللة من قبل الإعلام العربي المؤيد لداعش.
و ازاء هذه الحملة التضليلة، ولطمأنة الرأي العام، وكإجراء احترازي في ظروف الحرب (توعدت الحكومة العراقية بالمحاسبة الشديدة لأي تجاوزات تحصل ضد المدنيين في معركة تحرير مدينة الفلوجة من عصابات داعش الارهابية" منتقدة "بعض وسائل الاعلام العربية ومحاولتها "لاذكاء الفتنة الطائفية".
لكن السفير السعودي يعرف كيف يلوي عنق الحقيقة، ويتلاعب بالألفاظ، ففسر تصريحات مكتب رئيس الوزراء أنها اعتراف بالانتهاكات، إذ عاد قائلاً: (إن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أقر بوجود انتهاكات في مدينة الفلوجة خلال العمليات التي تقوم بها القوات العراقية لاستعادة المدينة من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يُعرف بـ"داعش.")
في الحقيقة هذه الانتهاكات المزعومة لا تختلف عن انتهاكات شرف الثلاجة أيام تحرير تكريت من دنس داعش!.
والملاحظ أن أعداء العراق (السعودية، والإمارات وقطر وتركيا) في حالة عزاء وحِداد بسبب الهزائم التي مني بها الدواعش على يد القوات العراقية المسلحة والحشد الشعبي، والحشد العشائري من أبناء المناطق المحررة. لذلك راحت تكيل التهم الباطلة ضد القوات العراقية، في دفاع محموم عن الدواعش بغطاء حماية المدنين في الفلوجة. و آخر هذه التشنيعات جاءت من الانتهازي المعروف عبدالحسين شعبان الذي صرح: "إن الإنتصار في الفلوجة أكثر عاراً من الهزيمة"، وهي جملة مقتبسة من غيره أيام زمان قيلت في ظروف مختلفة، أدعاها لنفسه من أجل التقليل من قيمة هذه الانتصارات(4). وبالتأكيد لم تكن هذه الخدمة لوجه الله تعالى، بل كغيره من اليساريين السابقين المشبوهين الذين تم طردهم، فسقطوا في أحضان الرذيلة السعودية. فقد شاهدنا هذا "اليساري" المزعوم، وهو واقف ذليلاً أمام الجزار معمر القذافي مع شلة من البعثيين يتوسلون إليه لتحرير العراق من أبنائه.
والسفير السعودي وقادة تحالف القوى ومرتزقتهم من الكتاب من أمثال عبدالحسين شعبان، يعرفون جيداً من هم وراء داعش، وما الغرض منها. إذ كما قالت كرستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي IMF:(الحرب ليست في الأنبار ولا حتى في العراق أو سوريا، الحرب هي على اقتصاديات الدول وتفقيرها وتجويع شعوبها)(5). إن السعودية والدول الخليجية الأخرى تدعم الإرهاب لتبديد طاقات الشعوب العربية في هذه الحروب العبثية وإفقارها ومنعها من التنمية، ومنع انتشار الديمقراطية في دول المنطقة وإبقائها متخلفة.
وختاماً نقول: من المعروف أن أي شعب يتعرض إلى تهديد خارجي، أو داخلي من قبل قوى شريرة، يترك قادة القوى السياسية المعارضة للسلطة خلافاتهم جانباً، ويدعمون الحكومة في مساعيها لإلحاق الهزيمة بالعدو المشترك الذي يهدد الشعب والوطن. ولكن في العراق، أنهم في جميع الظروف يعتبرون معاداة الحكومة ومعارضتها وإسقاطها، شرط من شروط الوطنية، و واجب من واجبات المثقف!! وفي كل مرحلة يوجدون أسباباً لتبرير مواقفهم هذه. فتعلقوا الآن بذريعة محاربة الفساد للتحريض ضد الحكومة العراقية وهي تحارب الإرهاب. يريد هؤلاء من هذا العراق الجريح المفتت الذي تكالبت عليه الدنيا من كل حدب وصوب، أن يحارب على عدة جبهات في آن واحد، يحارب الإرهاب، والفساد، وعصابات والجريمة المنظمة، والسعودية وقطر وجميع الدول المعادية له في وقت واحد، وهم في نفس الوقت يحرضون على الحكومة وإرباكها بالتظاهرات التخريبية، واقتحام البرلمان والاعتداء على النواب، والهجوم على مقر رئاسة الحكومة وحدوث سرقات وإثارة الفوضى. لا يمكن أن يكون هؤلاء من دعاة الإصلاح ومحاربة الفساد وأعمالهم هذه تصب في خدمة الإرهاب.
والمشكلة أنك إذا نصحتهم بإعادة النظر في مواقفهم والتمسك بالأولويات، اتهموك بأنك من مثقفي السلطة "الرسميين"! وراحوا يبحثون عن مقولات لفلاسفة معروفين بمواقفهم الإنسانية، قالوها في ظروف معينة. ففي تعليق على مقال لي اقتبس أحدهم قولاً للفيلسوف الفرنسي سارتر أن "من واجب المثقف إزعاج السلطة". هكذا قول أيها المحترم، يجب تفسيره وفق سياقه التاريخي، وليس التطبيق الأعمى. لقد أطلق سارتر هذا القول عندما كانت فرنسا تحارب الشعب الجزائري في نضاله من أجل الاستقلال، فألَّف كتابه القيم بعنوان (عارنا في الجزائر). سارتر لم يكن فوضوياً ليدعو إلى محاربة الحكومة عشوائياً. فلو طبقنا مقولة سارتر هذه خارج سياقها التاريخي، لأدى إلى القضاء على جميع الحكومات، و إغراق المجتمعات البشرية بالفوضى العارمة (Anarchy)، والعودة بها إلى عصور الهمجية وشريعة الغاب، يعني هيمنة البلطجية، وإختفاء الحرية والمدنية. فهناك حقيقة يقرها جميع الفلاسفة مفادها أنه (لا حضارة بدون دولة مستقرة).
لذلك نهيب بكل أبناء العراق الغيارى على وطنهم ووحد شعبهم، أن يعوا ويدركوا المخاطر الكبيرة التي تهدد العراق والمنطقة، وذلك بالالتزام بالأولويات التي على رأسها دحر الإرهاب أولاً.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:
1- عبدالخالق حسين: التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=626
2- تحالف القوى يحذر من استمرار "الانتهاكات" ضد ابناء الفلوجة ويحمل العبادي مسؤولية ذلك
http://www.akhbaar.org/home/2016/6/212784.html
3- الحكومة تتوعد بمحاسبة شديدة لاي تجاوزات في تحرير الفلوجة وتنتقد الاعلام العربي
http://www.akhbaar.org/home/2016/6/212835.html
4- نصير المهدي: الإنتهازي عبد الحسين شعبان يعتبر إنتصار العراق في الفلوجه أكثر عاراً من الهزيمه http://www.albadeeliraq.com/article25572.html
5- كرستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي IMF: الحرب ليست في الانبار ولا حتى في العراق أو سوريا، الحرب هي على اقتصاديات الدول وتفقيرها وتجويع شعوبها
http://hashdona.com/archives/15463