الأقباط متحدون - معذرة الضحك
أخر تحديث ٠٠:١٥ | الاثنين ٦ يونيو ٢٠١٦ | ٢٩بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٥١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

معذرة الضحك

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

عيد اسطفانوس
الضحك يؤلمنا من جرب آلام التهابات الحويصلة المرارية يعرف أن اهتزازات الحجاب الحاجز عند الضحك تسبب آلاما مبرحة ،لذا تجنبنا القهقهة واكتفينا بضحكة مكتومة عندما سمعنا السيد الغنوشى وهو يلقى بأحدث طرفة فى عالم السياسة ، وكما تسبب هذه الطرفة الضحك المؤلم تسبب أيضا الحزن الأكثر ايلاما الحزن الردئ الموجع للقلوب

. تسبب الضحك لكم السذاجة الفاضح الذى تحمله فى طياتها ،وكم الاستخفاف المهين بعقول البشر ، ولما لا وقد سبق واستخفوا بتلك العقول لقرن من الزمان ،باعوا لهم الوهم معلبا وتعاطاه الناس جرعات يومية مقننه ومن ثم ادمنوه، باعوا لهم مشروع العودة الى الماضى .

مشروع الخلافة أو مشروع العودة لغزو الأندلس أو مشروع ايقاف عجلة الزمن بل ودورانها للخلف ألف عام ،مسميات كثيرة براقة لوهم كبير ، والبسطاء المقهورين المطحونين الجياع صدقوا الكذبة من كثرة ترديدها ،وربما صدقوها لاسباب أخرى منها مايعتقدون أنه الامل فى الخلاص من طغمة حاكمة استولت على مقدراتهم وخيرات أراضيهم، لذا كان الامل فى عودة ولو أى عمر ليقيم العدل بين الناس، لكن مائة عام انقضت ولم يعد أى عمرولا أى على ، وان كانوا قد هيئوا لعودتهم بيئة القرن الاول حولوا المجتمعات الى قبائل وعادت القبيلة بكل التفاصيل القديمة ،غابات الخيام فى الصحارى ، وسباقات النوق واحتفاليات حمل الاكفان وملابس النساء والرجال، وعاد أسوأ ماكان منذ ألف عام عاد الصراع القديم بين على وعمر، وهذه المرة ليس بالسيوف والحراب لكن بما هو أشد فتكا وضراوة عاد براجمات الصواريخ والقصف من الجو والارض والبحر، كل ذلك ولم يعد عمرولاعلى ،ولا عادت الاندلس ولا عادت فلسطين ، وحتى لا يمل الناس الانتظار فلا بأس من بعض العروض بين الفصول فصول هذه الملهاة المبكية فتم اختراع قضايا لشغل الناس ولهيهم ،صدروا لهم وهم التمايز الدينى والعرقى والتاريخى وحتى الجغرافى وانتفخت أوداج البسطاء واختالوا افتخارا فهم الاعلى والاطهر والاسمى من كل بقية البشر على الكوكب.

 وصدروا لهم ضرورة احتقار بقية البشر وكراهيتهم وان أمكن قتلهم ، وانشغل الناس ولم يعد يهمهم قضايا الجوع والفقر والتخلف والخراب والدماء والاستبداد والقهر فتلك قضايا فرعية جانبية ليس هذا وقتها. نعود للسيد الغنوشى الذى عقد مؤتمرا لحزبه الدينى وأعلن تحويله الى حزب مدنى هكذا بمنتهى البساطة ،وهو يريد أن نلغى عقولنا ونعتبر كأن شيئا لم يكن ،وكأنه وبقية جماعته وملحقاتها وتفرعاتها بكل مسمياتها فى كل بلاد المسلمين وغير المسلمين ،كأنهم ليسوا مسئولون عن ابتداع هذه التوليفة المدمرة.

توليفة استخدام الدين مطية للوصول لكراسى الحكم ،مطية استخدمتها هذه الكيانات الظلامية لتشيع الموت وخراب الديار وملايين اللاجئين والمشردين والمهجرين والفقر والبداوة والتخلف والعنصرية وضياع فلسطين ونصف السودان ومحو دول من خارطة العالم كان لها يوما شأن يذكر.

 ناهيك عن عقيدة فطرية سمحة أصبح مجرد ذكر اسمها فزاعة لكل سكان الكوكب . هكذا بكل بساطة وبدم بارد وبضغطة واحدة على لوحة مفاتيح التاريخ سيمحو السيد الغنوشى مائة عام من السجلات ،وللتذكرة بأسلوب التقية الخبيث الذى اتبعوه منذ نشأتهم فهم أول من أتبع تعبير الأذرع ، فيكون للتنظيم الدينى السرى حزب علنى وميلشيات تحتية ،انظر فى مصر والاردن تركيا والاردن وتونس والمغرب وكل دول هذه المنطقة ،والجميع يعلم العلاقة بين الاذرع .

 فما بين ذراع سياسى وذراع اقتصادى وذراع اجتماعى وبالطبع الذراع الرئيسى وهو الذراع الدعوى يتحول التنظيم الدينى الى أخطبوط ، وتلتف أذرع الأخطبوط على رقاب الدولة وتسقطها أرضا ، وهاكم النتيجة على الساحة لاتحتاج تعليق سقطت سوريا والعراق واليمن والصومال والسودان وليبييا وافغانستان وفى الطريق باكستان وماليزيا واندونيسيا ،وكل من استضاف ورعى ومول فروعهم ووكالاتهم ومندوبيهم تحت أى مسمى مراوغ . ولا شك أن السيد الغنوشى أراد أن يغير جلده، فقد ضاق عليه الخناق بعد أن سقط الفرع الرئيس فى مصر سقوطا مدويا وبدء تضييق الدائرة على بقية الفروع فى المنطقة.

بالاضافة الى انهيار التمويل وأسباب أخرى ستتضح مع الايام ، وسبب آخر مهم وهو سبب محلى محض وهو الثقافة المدنية الحداثية العميقة للشعب التونسى ، وهى ثقافة أرهقت المتطرفين فى تونس عكس بيئات متخلفة احتضنت هذا الفكر ورعته ودفعت الثمن مضعفا ولازالت. ودعوات أخرى متلونة ومشبوهة تطلقها هذه الكيانات وتوكيلاتها، مثل ترك السياسة والعودة للمساجد وهى دعوات تصب فى نفس الاتجاه وهو احتقار عقول الآخرين.

 فاذا كان أتباع هؤلاء الافاقين يصدقون كذبهم بحكم العادة أو بحكم الطاعة العمياء أو بحكم أدمغتهم المغسولة ،الا أن المتابع لفكر هذه الجماعات يعلم الهدف الخبيث ، وهو أن العودة الى المساجد هو بغرض استكمال حرث الارض التى لم يكتمل حرثها ، فلازال هناك رؤوس مكشوفة يجب تغطيتها وعقول مفتوحة يجب غلقها وأقليات صامدة يجب تهجيرها وقهرها وابادتها ودساتير مدنسة بمبادئ العلمانية الكافرة يجب تطهيرها . وظنى أن عمرا فى مرقده يضحك بهم ويرثى لحالهم ،وظنى أيضا أنه لو جاء سيكونون أول من يعصف بهم، فهو يصلح لعصره وبيئته وشخوصه وثقافته فقط ، أما استيراده من القرن الاول ليحكم فى القرن الواحد والعشرين فهى ليست فقط طرفه تستحق الضحك لكنها أيضا مأساه تستحق البكاء ،مأساه دفع ثمنها مئات الملايين من البشر.

 ثمن فادح دماء وثروة ومستقبل أجيال وقرون من الزمن أهدرت ،وضاع مستقبل أجيال وضاعت ثروات طائلة كانت كفيله بصنع نهضة حضارية حقيقية فى كل المنطقة. ان محاكمة السيد الغنوشى وكل غنوشى فى كل العالم هو مسئولية حتمية كونية ،لان جرائم هؤلاء أصابت الكوكب كله وانتشرت بقع الدماء فى أركان المعمورة ، وأنا هنا لاأتحدث عن فصيل بعينه فكل هؤلاء فروع لأصل رئيس وموزعين لوكيل رئيس ، معروف اسمه وعنوانه وأعضاؤه ومنتجاته وعلامته التجارية المسجلة باسمه.

 فكما لاحقوا وحظروا وحاكموا النازيين على ما أقترفوه فى حق المجتمع الانسانى، فلا أقل من يلاحق ويحاكم ويحظر كل من انتمى لهذه التنظيمات ، وروج لمذهبها واعتنق افكارها ، فهم قد اقترفوا فى حق المجتمع الانسانى أضعاف ما اقترف هتلر وموسولينى وكل الارهابيين مجتمعين .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع