بقلم : صموئيل عازر دانيال
• تاريخ الميلاد : مابين عام 5 قبل الميلاد وعام 4 قبل الميلاد (وهو حسب آخر تعديلات السنوات الفلكية على التاريخ الميلادي الذي يستعمله العالم اليوم منذ أن وضعه يوليوس قيصر عام 46-45 ق.م.)
• المكان : أرض فلسطين.  
• الأصل القومي : يهودي
• العمل : أولاً كمساعد ليوسف النجار خطيب العذراء مريم ولكن المسمَّى أبوه؛ ثم كمُبشِّر وكارز بقُرب مجيء حُكم الله، وسمَّاه «ملكوت الله».
• مدة خدمته : حضر عيد الفصح اليهودي في أورشليم 3 مرات، أي على مدى 3 سنوات (يوحنا 13:2؛ 4:6 ؛ 1:12).
• تاريخ الصلب والموت : 14نيسان (وشهر نيسان هو الشهر القمري الأول في السنة العبرية) ويوم 14 هو يوم اكتمال البدر، وهو التاريخ الذي حدَّده الوحي الإلهي لموسي النبي قديماً كيوم خروج بني إسرائيل من أرض مصر، ثم ليكون للاحتفال به في كل سنة قمرية في هذا الموعد بذبح خروف الفصح تكفيراً عن خطايا الشعب. وتاريخ الصلب كان يوافق حسب تقويمنا الميلادي 7 أبريل عام 30م (أو بحسب تقويم آخر 3 أبريل عام 33م). وهكذا كان موت المسيح في نفس موعد ذبح خروف الفصح في هذا العام، الأمر الذي لفت نظر بولس الرسول فقال: «فصِْحُنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا» (كورنثوس الثانية 5: 7).
• مكان الموت : أورشليم، على جبل الجلجثة، خارج المدينة.  
• كيفية الموت : الصَّلْب.
• الوالي الروماني : بيلاطس البنطي (تولى من عام 27 – 33م).
• الامبراطور الروماني : طيباريوس قيصر.
حياة ظاهرها إخفاق، لكن نهايتها مجد وانتصار على الموت :
صورة حياة المسيح وسطنا قدَّمها شهود عيان أمناء كتبوا ذكرياتهم بدقة، كل واحد من الزاوية التي رأى منها.
إنها صورة في ظاهرها مثيرة للأسى، بسيطة، ولكنها تحرِّك المشاعر والقلوب. ونحن بقدر ما نقترب من حياة المسيح، بقدر ما ننفعل بالمسيح في عمق قلوبنا.
- وُلد المسيح في أسرة فقيرة، من أم عذراء لم تعرف رجلاً وَلَدتْه بطريقة معجزية، ومن شعب وأمة مسلوبة القوة قضى الغُزاة على افتخارها القومي.
- أما ولادته حسب أقدم التقاليد - فكانت في حظيرة فقيرة، ووسط الحيوانات، في قرية بيت لحم التي هي صُغْرى قرى قبيلة ”يهوذا“. ثم خرج مع أبويه هارباً من بطش الطغيان السياسي لاجئاً إلى أرض مصر.
- ولما رجع إلى بلده، نما وكبر في مدينة «الناصرة» في إقليم الجليل وهي مدينة ذات شهرة لا تُحسد عليها: قيل عنها «أَمِنْ النَّاصرة يمكن أَن يكون شيء صالح؟» (يوحنا 1: 46).
- تعلَّم أن يتكلم بلغة كانت قد نُسيت منذ أمد طويل، ولكن لم يصدر بها أي كتب مقروءة على نطاق واسع. كمالم يُذكر عن المسيح أنه كتب شيئاً، اللهم إلا بعض الكلمات كتبها بأصبعه على أرضية الهيكل أمام شيوخ المجمع الذين كانوا سينفِّذون حكم الإعدام بالرجم في إمراة أُمْسِكَتْ في زنا.
- كان خاضعاً لأبويه. وكان يوفي كل متطلبات الناموس إما بنفسه، أو بواسطة أبويه حينما كان طفلاً، أو حينما بلغ الثانية عشرة من عمره مثل كل أقرانه الأطفال اليهود.
- وكلما شبَّ، كان ينمو ويتقدم في النعمة والحكمة والقامة أمام الله والناس، ثم بدأ وهو في سن الثلاثين ينادي ويكرز كمعلِّم، حيث كانوا يطلقون عليه لقب ”رابِّي“ أي ”معلِّم في مجامع اليهود“. ووصفه شهوده أنه كان يعلِّم بسلطان وليس مثل باقي المعلمين.
- كان يقضي حياته وسط الفقراء والمشهورين بحقارة المنشأ، مُعتبراً إياهم أنهم المحظوظون بالبركة الإلهية بمقتضي الوعود السابقة. ولهؤلاء كان يبشِّر بالأخبار السارة عن قرب مجيء حُكم الله الذي كان يسميه «ملكوت الله»، مُعطياً لهم وعد «الطوبى» أي السعادة الإلهية.
- لم يكن تلاميذه من القيادات اللامعة ولا من المُخَطِّطين حسب حكمة العالم. كانوا كما لقَّبهم: ”القطيع الصغير“، وكان أكثرهم يمتهنون صيد وتجارة السمك، وكلهم كانوا من تشكيلة متنوعة من عامة الناس، وبعضهم من ذوي السمعة السيئة «العشارين والخطاة»، وقد اهتزت حياتهم وتجدَّدت أرواحهم بلقائهم معه لأول مرة؛ الحَدَث الذي لم يُنسَى طيلة حياتهم.
- ولم يهتز قَيْدَ شعرة في مواجهة الانتقام الغاضب ضده بسبب هذه الصُحْبة، ولم يكفّ عن أن يؤاكل الخطاة ويتكلم معهم، أو يختلط مع الأدنياء والِمغضوب عليهم من والديهم والمجتمع. أما ألصق رُوَّاده الذين تبعوه أينما سار، فكانوا كثيراً ما يراجعونه فيما يقول. ولقد اتخذ - عن قصد - شكل الخادم العبد. ومرة غسل أرجل تلاميذه.
- سعى إلي أتباع الديانات الأخرى في زمانه والمذاهب المخالفة لليهودية الذين كانوا يُرفَضُون من شعبه، ولكنه مدح إيمانهم أمام الحاضرين، وأظهر تقديره لما عندهم من مواهب (المرأة الكنعانية الوثنية، المرأة السامرية من المذهب المنشق عن اليهودية، قائد المئة الروماني الوثني). ولم يفتح فمه بأي نقد لأديان ومذاهب هؤلاء الناس، ولا نَقَدَ تعاليمها أو تراثها. بل كان كلامه موجَّهاً للإنسان الذي أمامه قاصداً رِبح نفسه للحياة الأبدية، وقد نجح في هذا، بسبب الرقَّة واللطف في الحديث معهم، بالإضافة إلي الجاذبية الإلهية التي في شخصه.
- كان من بين جماعته نساءٌ عانَيْن من العنف بسبب الرفض الاجتماعي لهم. وقد اعتبر المسيح قيام امرأة بدَهْن رجليه بالطيب بمثابة ذكرى ممتازة لهذه المرأة التي كان يُشاع عنها أنها «امرأة خاطئة في المدينة».
- تسجلت للمسيح أعمال لافتة للأنظار. فقد لمس وشفي مرضى بالبَرَص (عكس ما أَمَرَ به الناموس أن يُعامَل الأبرص معاملة النجس، فلا يلمسه أحد)، وشفي الأعمى. أقام أمواتاً من الموت، ولمس أحدهم وهو يُُقيمه (عكس ما مَنَعه الناموس عن لمس الميت). هذه الأعمال أشارت بما لا تخطئه عين إلى هذا الاقتحام الإلهي غير المسبوق لعالم الإنسان البشري، إنه النقطة الفاصلة لقصة الحب الإلهي بحضور الله وسط البشر.
- كان يُعلِّم الناس بواسطة الأمثال، وكثيراً ما كان تعليمه بسيطاً، ولكن أحياناً كان مُحيِّراً لذوي النيات السيئة تجاهه. كان دائماً يشير إلى ما أسماه "الزمان الذي اكتمل". ودعا كل سامعيه إلى اتخاذ القرار مع أو ضد حُكم الله المسمَّى «ملكوت الله». نادي سامعيه إلي المُثُل العليا والوصايا الصعبة، لكنه لم يفرضها عليهم كقوانين ذات عقوبات، بل كان يقول إنها ممكنة لمن وُهبوا القدرة على إتيانها، ووضع مبدأ: «مَنْ استطاع أن يَقْبَل فليْقبل». وذلك عكس ما حكمت به الشريعة اليهودية القديمة بالعقوبة الجسدية على الخطاة، لكي تكون طاعة المؤمن لوصاياه لا خوفاً من عقاب بل حُبّاً لله وإيماناً بالمسيح. أما هو فحياته وسلوكه كانتا متوافقتين تماماً مع تعاليمه ومُثُله العليا.
- لكن تعاليمه لاقت من البعض مقاومة وجدلاً. ولم يكن مجيئُه مُرحَّباً به من الجماهير، إلا في لحظة واحدة تاريخية (هي دخوله الأخير إلى أورشليم في أول الأسبوع الذي صُلب فيه ومات). وقد أُسيء فهم خدمته مراراً من اللصيقين به وعلى الأخص أولئك الذين كانت آمالهم متركزة في البحث عن القوة الزمنية وسلطان القهر للمخالفين. فقد أتى المسيح إلي شعب عنصري كان مرفوضاً ومحتقراً؛ لكنه – أي المسيح - كان هو أيضاً مرفوضاً ومحتقراً من كثيرين من شعبه.
- تآمر أعداؤه للإيقاع به، وأخيراً أتوا ليستأصلوا حياته. بل إن ألصق أصدقائه تخلَّوا عنه حينما حلَّت ساعته ليموت. وكان يعلم مُسبقاً بأنه سيُقتل. حزن وتألم في بستان. وتدفَّق العرق من وجهه كقطرات دم كلما دَنَتْ ساعة موته. وخانه واحد من ألصق أصدقائه وتلاميذه. وخضع لمحاكمة ظالمة بادعاءات كاذبة.
- أما خاتمة حياته فكانت مرعبة. فقد بذل ظهره للسياط، وخدَّاه تركهما للطم يميناً ويساراً، ولم يردَّ وجهه عن خزي البصاق. غرسوا في رأسه إكليلاً من الشوك، وعلى ظهره حمَّلوه بالصليب الثقيل الذي سيُعلَّق عليه. المسامير اخترقت يديه ورجليه لتثبيتهما في خشبة الصليب. وتهرأ جسده كله وهو علي الصليب مصلوباً بين لصَّين. وأحسَّ وهو مُعَلَّق على الصليب بالتَرْك والتخلِّي تماماً. لكنه في كل هذا كان يصلي إلي الآب ليغفر خطايا صالبيه، بل ومُلتمساً لهم العذر بأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون!
- هذه صورة مختصرة لما صوَّره الشهود العيان في الإنجيل عن «يسوع». هذا هو الرجل الذي شهدوا عنه أنه قام حياً في اليوم الثالث من موته. هذا هو الشخص الذي نحاول أن نتعلَّمه نحن، وأن ندرس حياته ومعني موته وقيامته لنا اليوم. وعلي قدر ما نجعل ذلك موضوعاً لدراستنا، علي قد ما نعي ونحس أنه هو أيضاً يمتحن صدق إيماننا به.
- والآن، كيف أنه منذ ألفي عام عاش يسوع هذه الحياة البسيطة في فقر، ثم قُطع من أرض الأحياء وهو في الثلاثينيات من عمره، وكان تجواله في بقعة صغيرة من العالم، ولم يكن يحمل أية وظيفة رسمية عامة، كيف أن تأثيره بدا أعظم من كل الآخرين؟ كيف أن واحداً مات ميتة المجرمين، الآن يُعبد كل يوم من مئات الملايين؟ هذه هي النقطة المُميَّزة في حياته. بل كيف أن الكثيرين حتى الآن يجحدون ويتركون كل شيء يملكونه طواعية من أجل أن يتبعوه، بل وباستعداد أن يموتوا وهم في خدمته؟ وكيف أن ألفي عاماً لاحقة لحياته لا تحول دون كل هذا التعطُّش لدراسة حياته، أو أن تعطل العابدين أن يوجِّهوا له صلواتهم؟ ماذا يعني هذا التأثير الفائق للعقل؟
- لا إجابة علي هذه الأسئلة سوى أن نقول: إن كل ما قيل عنه هو صادق وصحيح: إنه ابن الله، وهو المسيح الموعود به في العهد القديم، إنه الوسيط بين الله والبشرية، الذي وهو الكائن الله حقاً هو أيضاً إنسان حقاً، الذي حرَّر البشرية من طغيان الموت وسلطان الخطية، وذلك بموته علي الصليب وقيامته من بين الأموات، واهباً لكل مَنْ يؤمن به ويدخل في شركة الحياة معه، الحياة الأبدية بالروح القدس، ومانحاً إياه مغفرة خطاياه.
(يتبع)