بدايةً، شرّفنى الرئيس عبدالفتاح السيسى بقبول طلب إجراء الحوار معه، ثم زاد علىّ الأمر بأن فتح الباب على مصراعيه للأسئلة بأن قال لى قبل بدء الحوار «اسأل ما شئت».. فى مقالى اليوم سوف أحاول أن أصف ما شعرت به قبل وخلال وبعد اللقاء، وقد أصل إلى الساعات التالية للقاء، وهو الوقت الذى أكتب فيه المقال ليُنشر صباح الأحد فى جريدة «الوطن» ومساء السبت فى موقعها..
كنت قد بدأت أيأس من أن يُستجاب للطلب، خصوصاً بعد مرور أسبوعين على تصريح الرئيس بأنه سيُقدم كشف حساب لعامين قضاهما فى رئاسة مصر.. شعرت بأنه ربما تكون الرئاسة قد وافقت على طلب أىٍّ من الزملاء بإجراء الحوار، أو اكتفت ببيان أو خطاب أو فيلم تسجيلى يُعرض على الشاشات المختلفة.. وكان الخيار الأخير أقرب إلى مخيلتى، خصوصاً عندما علمت أنه يجرى العمل فى تنفيذ هذا الفيلم.. لكن لم يتملكنى اليأس تماماً، فكنت أحدث قائمة الأسئلة التى أود طرحها على الرئيس إضافة وإلغاءً، طبقاً للتطورات فى مصر والمنطقة، حتى تخطى عدد الأسئلة على الكمبيوتر لدى المائة سؤال..
احتفظت بكل نسخة على الجهاز قبل وبعد التعديل، حتى اكتشفت أن لدىّ 9 قوائم من الأسئلة بصياغات مختلفة، حتى جاءنى الاتصال من مكتب الرئيس بتحديد موعد إجراء الحوار فى اليوم التالى مباشرة، ولو لم أكن قد أعددت الأسئلة ودرستها بعناية، لكنت اضطررت إلى أن أتعامل كتلميذ يذاكر للامتحان فى ليلة الامتحان كعادة معظم التلاميذ المصريين ما عدا المتفوقين، وقد كنت من الفئة الأولى التى تلوم نفسها كل عام على عدم الاستذكار مبكراً..
جاءنى الاتصال، ولم أكن أعرف هل سأُجرى الحوار منفرداً أو مع زملاء آخرين كما حدث لى من قبل، حين التقيت الرئيس فى حواره الأخير قبل الانتخابات الرئاسية منذ عامين، حيث تشاركت مع سبعة زملاء فى إجراء الحوار، على عكس الحوار الأول الذى أجراه الصديق إبراهيم عيسى والزميلة لميس الحديدى فى سبق تفوقا فيه على الجميع، فكان اللقاء الأكثر بريقاً من بين ثلاثة لقاءات أجراها السيد عبدالفتاح السيسى، المرشح لرئاسة الجمهورية.. وبطبيعة الحال سألت: هل أجرى الحوار منفرداً، أو بالاشتراك مع زملاء آخرين، لأن الإعداد لكل من الشكلين مختلف تماماً.. فكان الرد من الناحية الأخرى من الهاتف يحمل سؤالاً استنكارياً وهو: «وهل طلبت الحوار مع زملاء آخرين؟»، فكان ردى على الفور: «طبعاً لأ.. سوف أكون موجوداً فى الموعد المحدَّد، لكن هل ترغبون فى الاطلاع على الأسئلة؟»، وكان الرد مرة أخرى: «سنتناقش قبل اللقاء بنصف الساعة فى المحاور فقط، وليس الأسئلة.. ولا داعى لإحضار فريق تصوير، لأن التصوير سيتم بمعرفة التليفزيون المصرى، وسيتم البث عبره..».
مرة أخرى شعرت بالفخر لعودتى إلى شاشة التليفزيون المصرى، حيث كانت آخر مرة قمت فيها بالظهور على شاشته أثناء المؤتمر الاقتصادى فى مارس 2015، فى بث مشترك مع قناة «القاهرة والناس».
توجّهت فى الصباح مع جزء من فريق الإعداد فى برنامج «القاهرة 360»، أيمن عواد وسمية إبراهيم، والتقينا مع المسئولين من مكتب الرئيس.. كما قلت من قبل، لم أكن أعرف من «الرئاسة» سوى شخصين أو ثلاثة المعروف أسماؤهم، ففوجئت بشخصيات أخرى فى تخصّصات متعدِّدة لا يعرفها الأشخاص العاديون، يتعاملون فى تفاصيل كثيرة تخصّ الرئيس ومؤسسة الرئاسة.. تحدّثنا عن المحاور، فلم تكن هناك أى اعتراضات على أى محور، والتحديد الوحيد كان للوقت، وهو تسعون دقيقة (ساعة ونصف الساعة)، وهو وقت ليس بقليل للحديث مع رئيس دولة.. ثم تمت دعوتى إلى لقاء الرئيس منفرداً.
هذه هى المرة الأولى التى ألتقى فيها الرئيس بعيداً عن اللقاءات التى تمت إذاعتها فى مناسبات معروفة، حضرها معظم الزملاء ولم أكن أعرف المدة المحدّدة لهذا اللقاء، وكانت لدىّ الرغبة فى طرح كل النقاط التى أرغب فى مناقشتها خلال هذه الجلسة حتى لا يوقفنى أحد خلال اللقاء، أو يقوم بقطعها من اللقاء بعد تسجيله، وهنا فوجئت بما قلته فى بداية هذا المقال «اسأل ما شئت».. وكانت هذه الجملة كفيلة بأن تمنحنى الثقة أننى أمام لقاء ناجح مع رئيس لا يخشى أن يسأله مضيفه أى سؤال، وهو ما حدث بالفعل.
بدأ الحوار فى أجواء هادئة، فابتسم الرئيس حين استوجب الموقف الابتسامة أو مع قوله «اسمح لى أختلف معك»، فلم أشعر أننى أمام رئيس جمهورية يغضب من استهلال السؤال بفكرة.. فعندما قلت إننا الكبار عندما نتعامل مع الشباب، نشعر وكأننا من كوكبين مختلفين، ثم طرحت السؤال، فرد: «اسمح لى أختلف معك» بابتسامة عريضة.. وعندما سألته: «بتزعل من الشباب إمتى؟» فأجاب بتلقائية: «حد يزعل من اولاده؟»، ولم يكن هذا الرد متكلفاً ولا معلّباً ولا مجهّزاً، فكانت التلقائية سيدة الموقف.. كانت الإجابات أحياناً بكلمة أو كلمتين يتلوها سؤال بكلمة أو كلمتين، ثم يتكرر الأمر، فكان إيقاع اللقاء سريعاً وممتعاً وفاتحاً لشهيتى لمزيد من الأسئلة..
عندما نقلت إلى الرئيس شعور المواطن تجاه ارتفاع سعر الخدمات الحكومية، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار، فأصبح المواطن يجأر بالشكوى، فرد بما معناه «شكواهم على رأسى»، وأنه يشعر بهم، لكن الواقع أن السعر المقدّمة به الخدمات لا يزيد على خمسين أو ستين بالمائة من كلفتها الحقيقية.. لم يستغرق الرد وقتاً أو تفكيراً عميقاً، والسبب غالباً أنه بالتأكيد تُرفع إلى الرئيس تقارير يومية بما يشعر به المواطن.. كان الرئيس عند الحديث عن بسطاء المصريين يتحدّث بتعاطف شديد، وعندما يتحدّث عن التحديات وعن الخارج كان يتحدث بالهدوء نفسه، لكن بلهجة صارمة..
عندما أقول ثمانية مشروعات قومية عملاقة «كتير فى نفس الوقت» فيرد «لأ ثمانين.. نحن متعجلين، وفاتنا الكتير ولازم نعوض».. عندما أقول «الشباب المقدّم للمحاكمات» يقول «تسعين بالمائة منهم جنائى» فأسأل عن النسبة المتبقية، فيقول تمت مراجعة أمرهم ثلاث مرات، فأطالب بالمرة الرابعة، فيوافقنى ويقول إنه ستكون هناك مراجعة رابعة.. قالها بلهجة استشعرت منها أن هناك انفراجة قريبة لهؤلاء الشباب، ويجب ألا أطيل فى الأمر، وأتركه لمبادرة الرئيس قريباً إن شاء الله..
الحوار نفسه شاهدتموه، ولا داعى لإعادته عليكم، لكننى أنقل فقط ما كنت أشعر به خلال المائة دقيقة تقريباً، وليس تسعين كما طُلب منى.. فكانت الإشارة بانتهاء الوقت، لكننى لم أكن قد وصلت إلى سؤالين مهمين أختتم بهما اللقاء، وهما «صناعة الأمل» و«وعد الرئيس للمصريين فى الفترة المقبلة»، فلم أتوقف دون طرحهما، لشعورى بأهميتهما، فأجاب الرئيس وطال اللقاء عن الوقت المحدّد..
انصرف الرئيس بعد أن صافح كل العاملين من مصورين وفنيين وغيرهم، وهنا بدأ الشعور بالقلق.. كيف كان الحوار؟ هل يُلبى طموحات المشاهد بفئاته المختلفة؟ هل سألت كل الأسئلة التى تدور فى بال المواطن؟ رغم علمى أنه لا يمكن الإجابة عنها جميعاً فى ساعة ونصف الساعة.. لكن هل تمت تغطية المهم والرئيسى منها؟ فبدأت أسأل كل مصور على حدة، وكل فنى، وزميلى من البرنامج، والمخرج، وحتى فريق الرئاسة الذى حضر اللقاء.. فكان الرد «لقد قمت بتغطية أهم الموضوعات، والرئيس كان أداؤه مثالياً وهادئاً ومرحباً»..
وعندما تم الإعلان عن موعد الإذاعة بدأت الرسائل تصلنى.. معظمها يحمل كلمات الإطراء وعبارات تعنى أنهم ينتظرون مشاهدة الحوار بفارغ الصبر، بدأت أيضاً تصلنى آلاف الرسائل من مواطنين اعتقدوا أن الحوار مذاع على الهواء مباشرة وليس تسجيلاً.. فطرحوا أسئلة وطلبوا مداخلات هاتفية للتحدّث مع الرئيس شخصياً، والبعض لديه شكاوى شخصية.. شعرت بالاطمئنان أن معظم الأسئلة تم طرحها بالفعل، وبعضها كان فى جعبتى، ولم يسعفنى الوقت لطرحه، والبعض الآخر لم يخطر ببالى..
كانت هناك أطروحات شخصية، كطلب مواطن تمت مصادرة كرتونتى مبيدات زراعية جاء بهما من السعودية، ويطالب الرئيس بالإفراج عنهما، وعشرات المطالبات من المصريين فى المملكة من أصحاب مشكلة بصمة الحج، وكانت وزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم قد أفادت قبلها بيوم أن الأمر فى سبيله إلى الحل، فعليهم أن يطمئنوا.. ثم بدأت أقرأ على مواقع التواصل الاجتماعى بعض الهجوم، حتى قبل مشاهدة اللقاء.. من قال إن الهجوم غير العاقل لا يجرح؟ مَن قال إن الإنسان يمكن أن يقرأه ولا يلتفت إليه؟ بالطبع التفت إليه رغم تحذير الأصدقاء من مغبة متابعته.. فبدأ التوتر الذى لم أشعر به خلال اللقاء يعترينى..
ثم بدأت إذاعة اللقاء على الهواء، فحدث خطأ جسيم لا أعرف كيف حدث حتى الآن، فانهالت المكالمات علىّ ولم يكن لدىّ رد.. ولأن موعد الإذاعة كان قد تحديده بدقة ليكون أذان العشاء مع الفاصل، ومع ترحيل المدة الزمنية لتلافى الخطأ، جاء موعد الأذان قبل الإعلان عن الفاصل.. الخطأ وقع، فانطلقت المواقع تتحدّث عنه، فانصرف الانتباه إلى خطأ التليفزيون بدلاً من محتوى الحديث، حتى أصبح محرك البحث «جوجل» يُظهر هذا الخبر فى المقدمة متفوقاً على أى إجابة مهمة للرئيس.. لكنها عادتنا أن نفعل ذلك..
انتهت إذاعة الحوار وجاءت ردود الفعل برداً وسلاماً على صدرى من الجميع إلا البعض، وهم معروفون لنا بأنهم من الكارهين لأى شىء وكل شىء.. فكانت تعليقات هؤلاء دليلاً على نجاح الحوار أكثر من كلمات الإطراء والتشجيع من الغالبية العظمى من المشاهدين.. وجاء التحليل من ضيوفى فى الاستوديو «فريدة الشوباشى وعماد جاد ومحمد السويدى وأكمل قرطام وعلى السيد» (مع حفظ الألقاب)، لتؤكد هذا المعنى.. ويتبقى أمر واحد..
هذا الأمر هو: لماذا أضيّع وقتكم فى الحديث عن شعورى فى لقاء تليفزيونى شاهده من شاهده وتابعه من تابعه؟ ببساطة لم نكن نتعامل مع عملية ميكانيكية أو آلية معتادة.. كنت أمام ضيف يحظى بحب الملايين من المصريين وغير المصريين، شعرت بأننى مؤتمَن منهم على صورة رئيسهم الذى يحبونه.. كنت أمام رئيس جمهورية مصر العربية، وما أدراكم ما جمهورية مصر العربية اليوم، وما أدراكم بها غداً.. شعرت أننى مؤتمن على أن أنقل إلى الرئيس أسئلة الناس، وأن أنقل إلى الناس بأمانة شديدة ما يدور فى باله ويا لها من مسئولية.. شعرت بفخر شديد لاختيارى لهذه المهمة، وبأهمية عدم الإخفاق فيها.. كانت ساعة ونصف الساعة من التجرُّد، لأن اللحظة فارقة، ولأنه الرئيس الذى أعطيته صوتى، ولأنه الرئيس الذى وثق فيه المصريون ليُلبى طموحاتهم لأنفسهم وأبنائهم، فكان طوال اللقاء أهلاً لهذه الثقة، كما هو خلال أفعاله وتنقلاته المكوكية من موقع إلى موقع، أهلاً لها..
أحمد الله وأثنى عليه أن وفقنى، وأرجو أن أكون عند حسن ظن الجميع.. ومرة أخرى أشكر الرئيس على سعة صدره، وأشكركم على سعة صدركم لو كنتم قرأتم هذا المقال بأكمله، الذى وافق الصديق العزيز محمود الكردوسى على أن يحتل ثلاثة أضعاف المساحة المخصّصة لى كل يوم أحد فى صحيفة «الوطن»، ولم ينَلنى «كرباج» منه..
نقلا عن الوطن