الأقباط متحدون - الجارديان والمراسل والفبركة
أخر تحديث ٠٥:٠٨ | الاربعاء ١ يونيو ٢٠١٦ | ٢٤بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٤٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الجارديان والمراسل والفبركة

حلمي النمنم وزير الثقافة
حلمي النمنم وزير الثقافة

 يُحسب لجريدة الجارديان البريطانية بيان الاعتذار لقرائها عما قام به مراسلها فى القاهرة «جوزيف مايتون»، الذى نشر تقارير ومقالات مفبركة، وكانت الجريدة تلقت، فبراير الماضى، شكوى من أحد المصادر بالقاهرة، ورد اسمه بأحد المقالات، ولم يكن تكلم مع المراسل ولا التقاه، الجريدة لجأت إلى محكم محايد، وأمكن تتبع المواد التى نشرتها الصحيفة للمراسل وتبين أن هناك شخصيات وردت بموضوعات، تبين أنها «مختلقة» ولا وجود لها، والبعض الآخر أفادوا بأنهم لم يقابلوا ذلك المراسل ولا تحدثوا معه. بيان الاعتذار منشور ومتاح للجميع ويمكن الاطلاع عليه. وأقول إن هذا البيان يحسب للجريدة، لكن الواقعة برمتها تثير العديد من التساؤلات.

 
هذا المراسل يعمل فى القاهرة منذ سنة 2009، وحتى 2016، تُرِكَ يقوم بالفبركة، ولم تنتبه إدارة التحرير بالجريدة العريقة إليه، ولا أعارت هذه الإدارة الرأى العام المصرى الذى عبر عن سخطه من تلك التقارير، أى اهتمام، ولا اهتمت بمراجعة المادة التى يعدها مراسلها.
 
وفى الصحافة والإعلام يؤدى نشر بعض الأخبار والتقارير الكاذبة أو غير المدققة إلى رد فعل معين، قد يكون مدمراً، ومن ثم فإن الاعتذار عن النشر، بعدها بفترة، لن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه، مثلاً نشرَ فى معظم وسائل الإعلام الغربية، طوال عامى 2002 و2003، أن صدام حسين يمتلك سلاحاً نووياً، لكن بعد الإطاحة به وتدمير العراق، تبين أن ذلك كان كاذباً، صحيح أنه جرى الاعتراف بالكذب، ولكن بعد أن تم تدمير العراق وسقوط عشرات الآلاف من العراقيين قتلى، ومازال العراق يعانى إلى اليوم من جراء ذلك الكذب.
 
لا أريد أن أذهب إلى بعيد فى مسألة مراسل الجارديان، لكن كل التساؤلات مطروحة، لماذا فعل ذلك ولحساب من..؟!، هل نحن بإزاء مراسل ضعيف مهنياً وساقط أخلاقياً، وكان يريد تسويد مادة صحفية، وهذا النوع من المراسلين والمحررين معروف جيداً فى المجال الصحفى، وعادة مثل هذه النوعية تتعمد الكتابة الفاقعة والفجة لمواراة السقوط المهنى، هل الأمر أبعد من ذلك، وكان المراسل مدفوعاً إلى ذلك النهج وإلى تعمد الفبركة والكذب لصالح توجه سياسى معين تجاه مصر، وهذا يزيد الأمر كارثية لو صح؟.
 
واقعة مراسل الجارديان تخص قطاعاً معيناً من القراء والمتابعين المصريين، هؤلاء الذين يمنحون الصحافة الغربية درجة كبيرة من «التقديس»، حول ما يُنشر بها من أخبار وتقارير وآراء، تمثل لديهم «الحقيقة» بعينها، وما يُنشر فى الصحف المصرية يُعد لدى هؤلاء «الكذب» بعينه، والحقيقة أن هذا الفريق يجب أن يراجع نفسه، ويراجع مواقفه وآراءه التى بناها تأسيساً على تقارير «مايتون» المفبركة.
 
وسبق لنا التنبيه، فى هذه الجريدة، إلى خطورة تقديس كل ما ينشر فى الصحافة والإعلام الغربى حولنا، وافتراض أن الصحفى والإعلامى الغربى منزه عن أى جوانب قصور مهنى أو ضعف إنسانى، أو انحياز سياسى وأيديولوجى، خاصة أننا فى مصر عانينا تاريخياً من ذلك، فى يونيو 1967، تعرضنا للعدوان من إسرائيل، ومع ذلك أصر الإعلام الغربى على أننا نحن المعتدون، ونحن من يخطط ويعمل لإبادة إسرائيل، وبعد مُضى السنوات يعترف بعض المؤرخين الإسرائيليين أنفسهم، بأن ذلك لم يكن صحيحاً، وأنه كان كذباً متعمداً.
 
والحق أن أمراض الصحافة متشابهة فى معظم بلدان العالم، هناك تعمد الكذب والفبركة، ويزداد الأمر سوءاً حين يضاف إليهم الجهل، وهناك أيضاً التقارير مدفوعة الأجر مسبقاً من جهات ليست فى الصورة، وتقارير تعبر عن مصالح صغيرة لأصحابها، وتقارير مقصود بها الكيد والابتزاز المباشر، هذا موجود فى كل مكان، ومن ثم فإن هالة القداسة التى تمنح لمنابر بعينها يجب أن تراجع، وأن تتوفر العقلية النقدية لدى من يقرأ ومن يتابع.
 
وإذا كانت الثقة المطلقة، التى تصل حد التقديس، لما ينشر فى وسائل الإعلام الغربية خطأً كبيراً، فإن اتهام هذه الصحف ووسائل الإعلام بالتآمر والارتشاء أو الكتابة المدفوعة الثمن مسبقاً، خطأ لا يقل عن الخطأ الأول، هناك الكثير من المراسلين والصحفيين الأجانب أكفاء ومهنيون على أرفع مستوى، ولا يجوز بأى حال أن نغمطهم حقهم، ونأخذهم بجريمة من كذب وفبرك.
 
بيان الجارديان بداية خيط وليس نهايته، يجب متابعته والبحث حوله، وأظن أنه قد يقودنا إلى كثير من الأمور ويفك بعض ألغاز الحملة التى تعرضت لها مصر فى السنوات الأخيرة، عبر عدد من وسائل الإعلام الغربية.
 
يحسب للجارديان بيان الاعتذار للقراء، صحيح أنه اعتذار متأخر جداً، وقد لا يصلح الأضرار المعنوية التى أحدثتها الفبركة، لكن هناك من يفبركون ويكذبون ويبتزون ويدمنون ذلك ويكابرون، ثم يدّعون أنهم رُسل الحقيقة!!.
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع