حنا حنا المحامى
عبارة "الدين لله والوطن للجميع" انتشرت أيام سعد باشا زغلول.  وكان الوحى لهذه العباره عوامل الفرقه والتفرقه التى كان يتفنن فيها الاستعمار البريطانى حتى يفت فى وحدة الوطن وتماسكه فيحقق مآربه فى السلطه والسيطره والاستعمار.  فما كان من المصريين إلا أن اتحدوا وتماسكوا ليردوا السهم إلى نحر الاستعمار فيؤكدون له أن المصريين وحده واحده لا فرق بين المسيحى والمسلم.
 
لذلك كان المصريون يتربصون بالفرص ليتجمعوا فى وحدة واحده ليؤكدوا للمستعمر أن مساعيه فى الفرقه والتفرقه لابد وأن تؤدى إلى الفشل فيرتد السهم إلى نحر الاستعمار.
 
ظلت مصر فى صراع من أجل الاستقرار والتخلص من الاستعمار بكل السبل والوسائل.  ولكن كان هناك من يتربص بمصر الدوائر ويسعى لتفتيتها وتقسيمها.  بل كان هناك من ينفذ تعليمات الاستعمار المباشره والغير مباشره.
 
وللأسف كانت أكثر الحالات الثائره يفت فى عضدها بعض المصريين الذين باعوا أنفسهم للشيطان, فسرعان ما تثبط الهمم وتنطفئ الآمال والاحلام فى الحريه والتخلص من الاستعمار.
 
ألى أن جاءت ثورة 23 يوليو برئاسة الرئيس الراحل محمد نجيب.  وكان شعاره أن مصر للمصريين لا فرق بين مسلم ومسيحى.  كان هذا الشعار ضد المبادى التى قامت عليها الثوره والتى برزت من عباءة الاخوان المسلمين.  فسرعان ما ثاروا على محمد نجيب ونحوه.  ومن ثم سيطر جمال عبد الناصر على الحكم وعلى مقاليد الامور فى البلاد.   إلا أنه من البادى أنه لم ينفذ أجندة الاخوان المسلمين كما تم الاتفاق عليها فما كان منهم إلا أن حاولوا اغتياله.  إلا أن المحاوله قد فشلت فكان أن انتقم عبد الناصر ووضع جميع الاخوان فى غياهب السجون.
 
مع ذلك فقد كانت سياسة الثوره تتفق مع سياسة الاخوان التى تتسم بالتعصب الاعمى.  على ذلك رأى بابا الاقباط, قداسة البابا كيرلس السادس أن يطلب من عبد الناصر بعض الطلبات التى أساسها المساواه.  وبعد إلحاح قبل عبد الناصر مقابلة البابا.  وما أن ظهر البابا كيرلس أمام عبد الناصر إلا أن بادره هذه الاخير صائحا "طلبات ... طلبات ... مالهم الاقباط؟"  فما كان من البابا كيرلس إلا أن رد عليه قائلا "هى دى مقابله تقابلنى بيها؟  روح منك لله". وولى ظهره خارجا.
 
ما أن غادر البابا كيرلس منزل عبد الناصر إلا وصاحت ابنته تشكو بألم فى ذراعها.  عاودها أكبر أطباء الدوله, ولكن الالم ظل فى ازدياد.  حينئذ سأله أحد رجاله عما حدث.  فما كان من هذا الشخص إلا أن نصحه بأن يستدعى البابا كيرلس فورا.  فعلا ذهبت سياره إلى البابا كيرلس فوجده السائق خارج المبنى, فقال للسائق: "أنا عارف إنك جاى".
 
توجه البابا كيرلس إلى منزل عبد الناصر وإذا بعبد الناصر يقابله بترحاب فى هذه المره.  طلب البابا كيرلس أن يوجد بمفرده مع ابنة عبد الناصر.  وما أن صلى لها البابا كيرلس ألا وبدات فى الاسترخاء وما لبثت أن شفيب تماما.  حينئذ بادره عبد الناصر قائلا "إنت زى أبويا تمام.  ومن هنا ورايح لو عاوز أى حاجه أدى تليفوناتى الخاصه".

كان الرئيس عبد الناصر منذ قيام الثوره ينادى بمبدا الوحده العربيه.  كان الهدف هو طرد اسرائيل التى استولت على فلسطين وأصبحت دوله إسرائيل.  فحدث أن شحن عبد الناصر كل القوى العربيه وجيوشها حتى يقضى على اسرائيل ويحرر الدول العربيه من نير الهزيمه فى فلسطين.  فما كان من اسرئيل إلا أن باغتت جميع الجيوش العربيه وضربتها ضربه قاصمه واستولت على صحراء سيناء وأجزاء شتى من الدول العربيه.  ومن المؤسف أن إسرائيل لم تكن معتديه فى هذه الحرب لان الجيوش العربيه كانت محتشده على حدودها فكانت إسرائيل فى حالة دفاع شرعى طبقا لاحكام القانون الدولى.
 
أقام الرئيس عبد الناصر ما أسماه حرب الاستنزاف ضد إسرائيل فى عمليات حربيه منفرده كان أخطرها ضرب المدمره إيلات الاسرائيليه.
 
وظلت مصر فى حالة حرب مستمره إلى أن انتقل الرئيس عبد الناصر إلى خالقه.  وحل محله الرئيس أنور السادات ذلك أن الرئاسه منذ ثورة 23 يوليو انسلخ عنها الطابع المدنى تماما وارتدت الثياب العسكريه فأصبحت الرئاسه حكرا على الجيش دون سواه.
 
أيضا ما لبث البابا كيرلس أن انتقل إلى أحضان القديسين والابرار وحل محله البابا شنوده.
 
حدثت فى حى الزاويه الحمراء بالقاهره أن قامت مشاده بين عائلتين إحداهما مسيحيه والاخرى مسلمه بسبب ملابس منشوره القت بنقط المياه على الجار بالدور الاسفل.  قامت الدنيا ولم تقعد.  فكان أن تدخلت السلطات لصالح العائلات المسلمه.  كان التحيز مفضوحا ويخلو من أى إنسانيه أو وطنيه من جانب السلطات.  هنا ثار البابا شنوده بسبب هذا التحيز السافر وهو أقل ما يقوم به حماية لاولاده.  ولكن السادات الاخوانى المتعصب تحدى البابا واعتقله أو بمعنى أدق حدد إقامته فى الدير.
 
هنا تدخلت السماء, ولم تمض عشرة أيام إلا واغتيل السادات بواسطة عصابته فى يوم مجده أى يوم احتفاله بانتصار أكتوبر وطرد اليهود من سيناء.
 
كما سبق القول أصبحت الرئاسه قاصره على رجال الجيش.  ولما كان حسنى مبارك - بوصفه ضابط – نائب رئيس الجمهوريه حل محل أنور السادات.  وبعد قليل تم تعيين حبيب العادلى وزيرا للداخليه لان هذا الاخير طلب من الرئيس أن يكون وزيرا للداخليه كى يتحكم فى شئون الاقباط, وقد كان.
 
بلا ضمير أو أخلاق أو وطنيه أو إنسانيه كان حبيب العادلى ينحاز ألى المسلمين فى أى شجار مع المسيحيين حتى لو كان المسيحى صاحب حق.  وعاث الاثنان – العادلى ومبارك – فى مصر فسادا وإفسادا حتى قامت ثوره شعبيه عارمه أطاحت بالاثنين.
 
تمكن الاخوان غير المسلمين من السيطره على الثوره وعينوا الاخوانى الشهير محمد مرسى فى انتخابات احترف الاخوان تزويرها منذ أن ظهروا على الساحه السياسيه.  ولم يمض عام على مرسى إلا وشرع فى أن يبيع مصر والصحراء الشرقيه.
 
هنا أدرك الجيش المصرى برئاسة عبد الفتاح السيسى أن مصر سوف تضيع كدوله ناهيك عن حقيقة أنها أعظم دول الشرق الاوسط.  فما لبث أن هب المشير عبد الفتاح السيسى فى ثوره تاريخيه وأطاح بمرسى وعصابته.  عقب ذلك تم ترشيح رئيس للجمهوريه فرشح السيسى نفسه فما كان إلا أن اكتسح.  وبذلك أطاح نهائيا بالاخوان الغير مسلمين.
 
هذا السرد التاريخى لم يقصد منه إلا إثبات أن مصر للمصريين مسلميها ومسيحييها.  وهذا التضافر والتعاون مسأله تاريخيه لا يختلف علييها إثنان.  ذلك أن الاخوان ليس لهم وطن أو وطنيه.  والامر فى نظرهم مسأله دينيه بحت.  فالاخوان يدعون أن للاسلام وطن محدد وهو من النيل الى الفرات.  وهذا التعريف ابتدعه الاخوان المسلمون كى يستولوا على مختلف الاوطان باسم الدين.  ذلك أن الوطن أرض بما عليها من سكان تحمل اسما واحدا لوطن واحد.  وقد يختلف السكان فى ألوانهم وإن كان يغلب عليهم فى الاعم لون معين.  كذلك يمكن أن تختلف الاديان  فى الوطن الواحد.  فنجد فى الهند مثلا السيخ والهندوس والمسلمين وهناك أديان أخرى كثيره تختلف فى عباداتها وطقوسها.  ولكن هذاجميعه يجمعه وطن واحد ولغه واحده.  وهذا هو المهم فى وحدة الوطن وتماسكه
 
على ذلك فمصر دوله يجمع شعبها لغه واحده وإن اختلفت الاديان.  ذلك أن صلة الوصل بين الوطن والمواطن هو اللغه.  وقد كانت مصر دوله قبطيه فى الماضى ألى أن غزاها العرب وفرضوا الجزيه على شعبها أو الاسلام.  فكان من تمكن من دفع الجزيه تمسك بدينه ومن لم يقدر أن يدفع الجزيه أو كان يمكنه دفعها ولكنه فضل تمسكه بالمال, تحول للدين الاسلامى.  ولم يكن كل الشعب قد تحول للاسلام.  كما أن جميعه لم يتمسك بالمسيحيه.  ولكن فى النهايه أصبحت اللغه واحده مع اختلاف الاديان وظل الوطن واحدا.
 
خلاصة القول إن اللغه –لا الدين- هى التى تربط بين مواطنى الدوله فالمواطنون يتكلمون نفس اللغه وإن اختلفت الاديان.
 
ألا أن المستعمر البريطانى لم يكن ليرضى بأن تكون مصر دوله متماسكه ذات سياده.  لذلك لجأ إلى سياسة الفرقه والتفرقه حتى تكون مصر دوله غير متماسكه, دوله ضعيغه يمكن أن يسيطر عليها من خلال هذا التفتت وعدم التماسك بل تكون هناك صراعات مستمره بين أفراد الشعب.  والمستعمر يرى –عن حق- أن هذه الصراعات تضعف الدوله, ومن ثم تكون الدوله لينه طيعه بين بنانه يلهو بها كيف شاء.
 
وللاسف الشديد أن هذه الفتن قد ترسخت تماما فى مفهوم المصريين كافه.  فأصبحت الادارات العليا محرمه
على المسيحيين مهما كانت الكفاءه بينما الجهاز الادارى هدفه أن يحمل الدوله إلى أرقى المراكز.ولكن التعصب الذى –لاشد الاسف – قد ترسخ تماما فى ذهن الكافه لن يؤدى إلا إلى الضعف والوهن.  والامر غايه فى البساطه أن المنافسه هى العامل الوحيد الذى يؤدى ألى اختيار أفضل العناصر.  وكلما اتسع نطاق المنافسه, كلما اتسع نطاق الاختيار للافضل.  ولكن الفتن قلصت نطاق المنافسه إلى أبعد الحدود.
 
لذلك, بما أن الحقائق سالفة الذكر لا يختلف عليها إثنان, فمن ثم وجب بكل اليقين والحسم أن يتسع نطاق المنافسه وألا يكون هناك أى عامل يسمح بتقليص نطاق المنافسه.  والقول بغير هذا يحرم الجهه محل الاختيار من أفضل العناصر.  وهذا يؤدى بالطبع إلى قصر المنافسه على عناصر قد لا تتوافر فيها الكفاءه اللازمه.  ومن  ثم لا فرق بين المسيحى والمسلم فى اختيار أعلى المناصب ولا يكون المعيار  إلا الكفاءه والوطنيه.
 
وأمامنا فى الدول الاوروبيه أكبر مثال على ذلك.  فعمدة لندن مسلم.  علما بأن ملكة انجلترا مسيحيه بل هى على رأس الكنيسه البريطانيه.  ولكن الاداره السياسيه شئ والدين شئ آخر.  فالدين يربط الانسان بالكنيسه أو بالجامع أينما ذهب.  ولكنه لا يحمل جنسية أى دوله يذهب أليها.  فالمسلم يذهب إلى أى جامع فى العالم فيمارس فيه شعائره الديبيه دون أن يلمس ذلك جنسيته.  وكذلك المسيحى يذهب ألى أى كنيسه فى العالم فيباشر شعائره الدينيه دون أن يكتسب جنسيتها.
 
نخلص من هذا التحليل أن كل مواطن يستظل بظل أى دوله ويكتسب جنسيتها يكتسب كل حقوق المواطن والمواطنه دون أدنى استثناء.
 
والآن أين قيمك يا مصر؟ أين قيمك يا أمى؟ أين مبادئك أيتها الغالييه؟  إشاعه تثير الغوغاء بل الغوغاء منهم براء لانهم يتأففوا مما قام به هؤلاء السفله.  أحط أبناء البشر قاموا بتعرية سيده عفيفه مسنه بدعوى أن ابنها اختلط بسيده مسلمه.  والآن بفرض أن هذا قد حدث هناك شئ اسمه قانون شئ اسمه أخلاق شئ اسمه بحث عن الحقيقه خاصة أن المتهم أب لعائله مكونه من زوجه وأربعة أولاد.  وبفرض أنه قد ارتكب الفعل الآثم فإنه لم يرتكبه بمفرده بل ارتكبه مع امرأه أخرى هى مسئوله مسئوليته أمام القانون وليس أمام فئه من الناس لا تؤمن بالقانون.  كذلك بفرض أنه ارتكب هذا الفعل الآثم هو الذى يعاقب.  ولكن الامر المخزى والمحزن أن ينتقم الغوغاء من امرأه بريئه ويجردوها من ملابسها فتلوذ تحت السيارات لتستر عوراتها.  أى جرم ! وبفرض أن ما تصوروه كان حقيقه, أين القانون؟  المفروض أنه على أى إنسان يشعر بإنسانيته أن يقوم بإبلاغ السلطات.  وهنا أقول أين الاخلاق؟  حتى فى حالة الدفاع عن الشرف يلتزم الانسان بالسلوك الانسانى والاخلاقى.  هناك قانون وهناك أقسام شرطه.  ولكن أقسام الشرطه للاسف الشديد تتحرك بعد أن تكون المصيبه قد وقعت.
 
والآن قد ثبت أن الزوج برئ براءة الذئب من دم بن يعقوب.  وأن زوج المرأه المتهمه مع البرئ قد ادعى  بذلك باطلا انتقاما من زوجته لان الزوج الباسل فى شجار مستمر مع زوجته. 
 
والآن قد نما إلى علمى أن السلطات قد تحركت وأمرت بالقبض على مجموعه من الجناه.  ولكن الفتنه يمكن أن تقوم بين لحظة وأخرى طالما أن الجهل هو السائد وطالما أن القيم العتيقه الباليه هى التى تتحكم فى الامور وتسود على القانون.  وإنى أقول أن التحرك البطئ بالنسبه للشرطه, تماما مثل عدم التحرك لان المصيبه تكون قد حلت ووقعت الكارثه.
 
فلا بد من تثقيف الشعب فى الجوامع والكنائس حتى يحترم القانون ويؤمن بسيادته, وفى حالة وجود أى شبهه, عليه أن يلجأ للقانون وليس للفوضى والبلطجه.
 
وقبل كل شئ يتعين ألا نخلط الدين بالامور الدنيويه حتى لا نخلط الحابل بالنابل والبرئ بالمدان