الأقباط متحدون - تأملات فى أحداث الكرم بالمنيا
أخر تحديث ٠٥:١٧ | الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١٦ | ٢٣بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٤٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

تأملات فى أحداث الكرم بالمنيا

د. ناجح إبراهيم
د. ناجح إبراهيم

أحداث قرية الكرم بالمنيا تطرح قضايا اجتماعية وفكرية ودينية وثقافية وسياسية وواقعية كثيرة، أهمها من وجهة نظرى:

أولاً: هذه الأزمة كاشفة إلى حد بعيد مدى الإهمال الذى لحق بالصعيد عامة وقراه خاصة، وهذه الأزمة وأشباهها نتيجة طبيعية لإهمال الدولة الكامل لقرى الصعيد.

فقُل لى بالله عليك، ما هى الخدمات التى تقدمها الدولة لسكان القرى المصرية؟ لا تعليم جيد ولا ماء يصلح للشرب، ولا صرف صحى، ولا منظومة صحية، أما مساجد الأوقاف فخاوية على عروشها ولا يكاد يؤمها أحد وليس فيها أى نشاط دينى، مع وجود ترسانة سلاح كاملة لدى عائلات الصعيد ولا يستطيع أحد الاقتراب منهم، لأن كل عائلة لها ضباطها وكبراؤها الذين يحمونها من بسط نفوذ القانون عليها، ولا يطبق القانون إلا على الغلابة ومن لا شوكة لهم.

أما مراكز الشباب والثقافة فترعى فيها الماعز وتسرح فيها الصراصير والفئران ولا همّ لموظفيها سوى التوقيع على دفتر الحضور والانصراف وتأجير الملاعب للشباب بالساعة.

وكل من ذهب إلى قرية الكرم وجد صعوبة بالغة فى الوصول إليها حتى إن المحافظ تأخر عن الحضور حتى يمهد الطريق الذى يقترب من الطرق فى العصور الوسطى.

ثانياً: متى يشعر كل مصرى بأنه لا يحتاج لظهير قوى لكى يحصل على حقه، ومتى يشعر المسيحى بأنه لا يحتاج للكنيسة ليحصل على حقوقه، ومتى يشعر الإسلامى العادى أنه لن يُضطهد أو يُظلم لأن بعض المتطرفين قاموا بعمل عنف، متى لا يتم تعميم المسئولية أو العقاب على الضعفاء فى مصر، متى يطمئن المصرى الغلبان حينما يذهب إلى قسم الشرطة إلى أنه لن يهان، وإذا سُجن ألا يُعذب.

متى تنتهى عادة الثأر من الصعيد، متى يُضبط جيش البلطجية المتزايد فى مصر، متى تُضبط الملايين من قطع السلاح الخفيف والمتوسط من مصر عامة والصعيد خاصة، متى يُقبض على كل الذين يفرضون الإتاوات على الضعفاء فى البلاد، وما أكثرهم، وخاصة فى المناطق الشعبية، متى، متى، متى؟!

ثالثاً: قضية المنيا هى قضية جنائية من الطراز الأول، وتحويلها إلى قضية طائفية يضر بالوطن، ولا يفيد حتى الذين يريدون تحويلها إلى طائفية بغيضة، ومثل هذه القضية تتكرر أحياناً بين مسلمين ومسلمين أو مسيحيين ومسيحيين بصورة أو بأخرى.

رابعاً: مسيحيو الشرق هم أفضل المسيحيين فى العالم كله، والعالم العربى محظوظ بهؤلاء المسيحيين، فكثير من العلماء والأدباء والشعراء والصحفيين المسيحيين فى مصر والشام هم الذين حافظوا على اللغة العربية وآدابها، وكثير منهم مدح النبى عليه السلام أو كتب عنه ولم يكن له تعصب ضد الإسلام، وقد أثنى القرآن عليهم بقوله «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ»، وقد شاركوا المسلمين فى كل العصور أفراحهم وأتراحهم وحروبهم وسلامهم وجوعهم وشبعهم وفقرهم وغناهم.

خامساً: استخدام البعض للفقراء والمساكين والبسطاء لتحقيق مكاسب سياسية أو جعلهم وقوداً لمعارك سياسية لا يريدونها ولا يرغبونها يُعد إساءة لهؤلاء الفقراء والمساكين الذين لا يريدون إلا الأمن والأمان والسلامة والعيش الكريم والمحبة مع الناس جميعاً.

سادساً: حرق منازل المسيحيين فى قرية الكرم سُبّة تلحق بفاعليها، وهى جزء من ثقافة غريبة على الشعب المصرى دخلت عقله بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، حيث حرقت المئات من أقسام الشرطة وعرباتها والكنائس والمحاكم ومقرات الإخوان وبعض القنوات وبعض المحافظات فضلاً عن المجمع العلمى وبعض المدارس.

والحرق عمل غير أخلاقى ولا يمتُّ للأديان بصلة، وهو يدل على الخسة وغياب الرجولة والنخوة، وقد حرّم الله الحرق، ولم يُبحه لنبى ولا لولى حتى فى الحروب، وقد ورد فى الحديث «لا يعذب بالنار إلا رب النار»، وكان الإمام أحمد بن حنبل يحرّم وضع السمك على النار وهو حى، وكان بعض الصحابة يحرّم حرق الناموس بالنار، والسؤال الملح؟ متى تنتهى سوءة الحرق من مصر.

سابعاً: لقد كاد الفراغ والبطالة والمخدرات والتدهور الأخلاقى تدمر شباب القرى المصرية، لقد انتشر الترامادول والحشيش والمخدرات فى قرى الصعيد، كما انتشرت فيها البلطجة بشكل مخيف و«المعسكر البطال يكثر فيه الشغب».

ثامناً: متى نفهم جميعاً ذلك النداء العبقرى الذى أطلقه عمر بن الخطاب حينما ضرب ابن عمرو بن العاص حاكم مصر أحد أقباط مصر «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، وتعنى هذه الكلمة ضمن ما تعنيه أن الناس جميعاً أحرار مهما كان دينهم ولونهم وعرقهم أو انتماؤهم السياسى أو الفكرى، الناس جميعاً أحرار.

وهذه الحرية لم يكتسبوها من دينهم ولا وطنهم ولا أسرتهم ولا عرقهم، ولكن الله وهبها للناس جميعاً وهم فى بطون أمهاتهم، ولكن بعضنا يصر على استعباد أو استبعاد الآخرين أو إقصائهم أو نفيهم أو سجنهم بغير حق.

الكل سواء، الجميع أحرار، وحساب الخلائق عند الله، وكل المصريين سواء أمام القانون، ولكن القانون فى مصر وللأسف أعور لا يرى إلا بعين واحدة ترى القوى دائماً ولا تبصر الضعيف والفقير أبداً.

تاسعاً: رغم فساد أكثر المحليات فى عهد مبارك فإن بعض مجالس القرى كان لها دور كبير فى خدمة قراها وتيسير وصول بعض الخدمات الصحية والتعليمية والصرف الصحى وحل الكثير من مشكلات القرى، والآن القرى خاوية على عروشها، والمحافظات خزائنها خاوية، وهناك حالة انهيار كامل فى الخدمات فى القرى عامة والصعيد خاصة.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع