الحقيقة التي لا تقبل الشك على مر العصور والأزمان، أن عمر الدول والشعوب أطول من عمر الحكام، وخلود الحاكم في ذاكرة الشعوب مرتبط بتلك الحالة التي كان عليها بينهم وحجم الإنجازات التي قدمها لبلاده والمجتمع الدولي، وكما أن التاريخ يخلد الزعماء والقادة بإنجازاتهم؛ فهو يسطر للظلم والاستبداد الذي يمارسه البعض في حق الشعوب.
من المؤكد أن أردوغان سينتقل إلى ذاكرة التاريخ بحمل ثقيل من الخطايا التي ارتكبت نتيجة تلك السياسة التي تسير بتركيا والمنطقة الى مسار خطير، تاركا خلفه مؤسسات شغلها الشاغل هو تحقيق رغبات رجل مصاب بجنون العظمة مثله في ذلك مثَل "هتلر" و"نابليون". مؤسسات لا تكترث بهموم الوطن والمواطنين الذين باتوا رعايا السلطان يرضون بالفتات السياسي والاقتصادي الملقى لهم من اروقة ونوافذ القصر.
خبراء علم النفس يصفون المصاب بـ"داء العظمة" بالشخص الذي يبالغ في وصف نفسه بما يخالف الحقيقة، وهذا يبدو واضحا في خطب العثماني الجديد، وفي قصره الجديد الذي تصل مساحته 200 ألف متر مربع وتكلفته أكثر من 600 مليون دولار، وطائراته الجديدة التي تبلغ قيمتها 346 مليون دولار.
حتما سيغادر مكانه ومنصبه وسيتخلى عن نفوذه وسلطانه، ولن يبق للأتراك سوى حصاد تلك السياسات القمعية التي لن تسقط من ذاكرة التاريخ، على غرار ذلك الإرث الدموي للخلافة العثمانية التي دمرت حضارات وثقافات الشعوب، ودهست اقدام جيوشها كل معاني الإنسانية، وتبنت القتل والتدمير بديلا عن السلام والتعايش والحوار.
عندما يغادر أردوغان اللاهث خلف السلطة المطلقة، لن تكون هناك سوى ملفات الفساد والظلم والقمع، وإرث من الديكتاتورية والفكر المتطرف الكفيل بزعزعة الامن والاستقرار، وخلق مؤسسات عاجزة عن حماية المصالح العليا للبلاد باعتبارها الهدف الأسمى للأنظمة السياسية المختلفة.
تتضاعف ثروات أردوغان وعائلته وحاشيته بشكل واضح على مرأى ومسمع من الداخل الذي اصبح غير قادر على المواجهة في ظل خيارات الملاحقات القضائية أو السجن والتجريد من كافة الحقوق؛ والتشريد والتشتت. ومن الغرب الذي لا يتحرك امام كل الانتهاكات التي ترتكبها النخبة في تركيا، ضاربا بعرض الحائط تلك المصطلحات التي يتشدق بها عن الحقوق والحريات.
يعمل الديكتاتور على تشويه سمعة الأقليات والمعارضة من علمانيين ويساريين وديمقراطيين اشتراكيين وليبراليين وعلويين وأكراد؛ يرفضون التصويت لسياسة القمع، من خلال تجريدهم من حق المشاركة في صناعة القرار السياسي، تمهيدا لإحكام سيطرته على مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش الذي بات مهمشا، والمحكمة الدستورية العليا ومجلس الامن القومي، وحتى البرلمان.
أردوغان الذي يدافع في كل خطبة عن الحريات والمعتقدات، لا يستطيع ان يتحمل او يسمع أو يقرأ أي انتقادات لسياسته، تأكيدا على انه شخص غير متسق حتى مع نفسه.
ان يكون فوق القانون بالسلطة والنفوذ وصياغة التشريعات المناسبة لهم؛ لا يعني الافلات من العقاب؛ فحكم التاريخ على الفساد الذي استشرى في البلاد والظلم الذي وقع على العباد سيكون قاسيا؛ وسيرحل أردوغان إن آجلا أو عاجلاً، بإرادة الشعب أو بمشيئة القدر، وعندها سيتحول الى ورقة في الكتاب المظلم للتاريخ كغيره من أسلافه الديكتاتوريين ومن العثمانيين.