«مش قادرة أصلب طولى من الضرب والإهانة يا بيه».
قالتها السيدة المصرية «سعاد» ضحية بلطجية قرية الكرم بأبوقرقاص بالمنيا، ومن لحظتها تحولت الكلمة إلى كابوس.
ترى كيف كانت مشاعر سيدة مسنة تمت تعريتها وسحلها فى الشوارع دون أن يهتز «شنب» رجل من جيرانها؟ ترى كيف كان شعورها وهى تكتشف أن من دافع عنها سيدة مثلها سترتها داخل منزلها وتحدت البلطجية؟ وترى كيف كانت مشاعرها فى الأيام الأولى وهى تشاهد محاولات كبار القرية ومسئولى المنيا للملمة أشياء كرامتها ووضعها على ترابيزة صلح رمزية وجلسة عرفية لن تنتهى إلى عقاب المجرم على قدر جريمته؟!
من المؤكد أن السيدة «سعاد» وكل سيدة فى مصر شعرت بالموت الداخلى، من المؤكد أن السيدة سعاد وكل سيدة مصرية تبكى نفسها وتشكو لله حال هذا المجتمع الذى كان فى الماضى يضع المرأة فوق الرأس فكان هو فوق رأس المجتمعات، أما الآن فهو يدهس المرأة أسفل تحرشه وقلة شهامته وتمييزه وعنصريته فلم يعد له مكان فى مقدمة المجتمعات.
عزيزتى، كان الله عوناً لك فى وطن لم تبق قطعة فيه إلا وأثارت غضبك مرة بالسخرية، وأخرى بالتحرش، وثالثة بانتقاص قدرك.. مرة يفعلها رجل تغلبه شهوته، وأخرى يفعلها رجل دين يغلبه جهله، وثالثة يفعلها مسئول دولة تهزمه عنصريته تجاه المرأة وقدرتها، لا شىء ينقص «ستات» مصر إذن.. كل الأطراف تجمعت لإرهاق حياتهن فى أرض هذا الوطن، ومع ذلك اكتشفن أن فى الجعبة المزيد من الإهانات والعنصرية وسوء تقدير لقيمة المرأة فى هذا المجتمع.
هكذا يرون المرأة الآن فى سنوات الحداثة والتقدم والتكنولوجيا، وإذا قارنت تلك الصورة بصورة المرأة فى عصور ما قبل الكهرباء، ما قبل التقدم والتطور، ستكتشف أن الزمن يتقدم وعقول أهل هذه المنطقة تتراجع.. فى الماضى كانوا يرون فى المرأة عقلاً، يرونها عالمة وفقيهة، ومدرسة يفخر الرجال بأخذ العلم عنها.. «السخاوى» فى كتابه «الضوء اللامع» يؤكد أن كثيراً من فقهاء عصر المماليك سمعوا من بعض السيدات الشهيرات اللائى أجزن لهم.
وتزاحم طلبة العلم على أنس بنت عبدالكريم، وضمن فى كتابه هذا جزءاً كاملاً فيه، ما يزيد على الألف ترجمة «سيرة ذاتية» لنساء عشن فى القرن التاسع الهجرى، وأخذ عنهن الفقهاء والعلماء الرجال العلم.. «السخاوى» نفسه أخذ العلم عن السيدة موز ابنة ست الركاب بنت محمد بن حجر العسقلانى، الذى أخذ هو العلم بدوره عن عدد آخر من النساء اشتهرن فى ذلك الوقت بالفقه والورع، وهو نفس ما تكرر مع «ابن القيم» الذى أخذ العلم عن كريمة عبدالوهاب القرشية، وأم عبدالكريم فاطمة سعد الأنصارى، وخديجة أحمد محمد الأصبهانى، مثلما حدث مع الشيخ الفقيه الحافظ المنذرى الذى أخذ العلم عن السيدة صفاء العيش عبدالله الأشرفية الخمرية، وأم مفتوح بنت إبراهيم الشامية المصرية. وقد تكرر ذكر العلماء الأعلام لعديد من النساء العالمات اللائى تلقوا على أيديهن، أو أنهن أجزن لهم فى علم من العلوم، فتكررت لديهم عبارات: «أخبرتنا فلانة» أو «سمعنا من فلانة» وكان من هؤلاء الخطيب البغدادى، والحافظ ابن عساكر، وابن حجر، وتقى الدين الفاسى، وغيرهم من العلماء الذين افتخروا بذلك وكرروا ذكرهن فى مسانيدهم، ويكفينا أن نشير إلى فاطمة بنت عباس شيخة رباط البغدادية، التى لقبها المؤرخ المقريزى بـ«سيدة نساء زمانها»، ذكر أنها كانت فقيهة وافرة العلم، وبعيداً عن العلم والفقه يمكن التأكد من مكانة المرأة الحقيقية فى مصر القديمة من الوصف الذى صاغه المؤرخ محمد بن الحاج فى كتبه، حينما أشار إلى أن النساء كن صاحبات الحظ الأكبر من الفخر والثناء والتعظيم فى مصر المملوكية والأقطار الإسلامية، بدليل وجود ألقاب متعددة، مثل ست التجار، وست العلماء، وست الفقهاء، وست القضاة، وست الناس، وست الأهل، وست الملوك، وست الخطباء، وست العرب.
نقلا عن الوطن