الأقباط متحدون | خريف الديناصورات في مصر
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٤٧ | السبت ٢٠ نوفمبر ٢٠١٠ | ١١هاتور ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢١٢ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

خريف الديناصورات في مصر

السبت ٢٠ نوفمبر ٢٠١٠ - ٠٤: ٠٤ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

حين قرأت نبأ وفاة الوزير والبرلماني المصري الراحل كمال الشاذلي (يرحمه الله)، الذي ظل على الساحة لاعبًا لا يُبارى عبر ثلاثة عهود، تبدَّلت خلالها السياسات وشهدت البلاد تحولات هائلة، لا أدري لماذا جالت بخاطري هذه المقارنة بين هذا النمط من السياسيين والديناصورات.

يقول المؤرخون إن هذا النمط من "رجال كل العهود" ليس أمرًا جديدًا على التاريخ الإنساني، ويقول علماء الأحياء إنه كان لا بد أن تنقرض الديناصورات، كي تستمر حياة البشر على هذا الكوكب، فلا يمكن أن نتخيَّل الحياة المعاصرة بكل تعقيداتها، بشوارعها وميادينها وجسورها وأنفاقها ومطاراتها، بينما تتجوَّل الديناصورات هنا وتتقافز هناك، على النحو الذي شاهدناه في أفلام الحديقة الجوراسية jurassic park، فهذه الكائنات كانت ستدمر الوجود الإنساني برمَّته لو قُيِّض لها الاستمرار، لهذا لم تكن الأرض لتتسع للديناصورات والبشر معًا.

ورغم انقراضها بيولوجيًّا، غير أنها فيما يبدو تركت "بصمة ما" في التاريخ الإنساني، تتجلَّى خلال أزمنة الانحطاط الحضاري التي تشهدها الأمم والحضارات، حيث تتضخَّم سلطات بعض الأشخاص ونفوذهم وثرواتهم لحد لا يمكن معه التعايش الآمن مع هؤلاء الديناصورات السياسيين والرأسماليين المتوحِّشين، الذين لا قبل لأي مخلوق بمواجهتهم، لأنهم باختصار يسحقون خصومهم بلا هوادة، في معركة محسومة منذ البداية، وبالتالي تتحول الساحة لحديقة جوراسية للديناصورات فقط، لا تزيحهم عنها سوى كارثة كونية مثل التي يرى بعض العلماء أنها أطاحت بهذه الكائنات الجبّارة التي ظلت مهيمنة على الكون في أزمان سحيقة.

في الدول الفاشلة ـ جمهوريات الشرق الأوسط نموذجًا ـ تكون قواعد اللعبة السياسية مشابهة لقانون زمن الديناصورات، فهناك كائنات ضخمة.. عملاقة.. قوية.. لا تشبع ولا ترتوي أبدًا، قادرة دائمًا على سحق أي منافس ولو كان مجرد احتمال لا يرقى لحد التهديد الحقيقي، ومن ثم تصبح المجتمعات والأوطان أشبه بالحديقة الجوراسية، التي لا تعرف معنى للعدل، فالقوة.. والقوة وحدها هي القانون، سواء كانت هذه القوة في صورة سلطات مطلقة، أو ثروات فاحشة.

في الوجدان الشعبي المصري لا يجوز على الموتى سوى الترحُّم عليهم، لكن هذا لا ينبغي أن يكون حائلاً دون التعلم من دروس التاريخ، فنتوقف أمام ظاهرة "ديناصورات السياسة" في مصر، الذين ظلوا حتى الرمق الأخير يلعبون على الساحة وحدهم ووفق القواعد التي وضعوها بأنفسهم، وفرضوها على الجميع بسيف القوة تارة، ومزاعم الدفاع عن مصالح الأوطان تارات.

كان الشاذلي ـ كما يعرف ملايين المصريين ـ اشتراكيًّا للنخاع في زمن الاشتراكية والثوّار، ثم ما لبث أن أصبح "حمامة سلام" في زمن الاتفاقيات، وبعدها أصبح يشبه أيامنا الراهنة التي لا نعرف لها وصفًا، ولا مشروعًا سياسيًّا سوى الاستمرار على سدّة الحكم، مهما كانت الكلفة فادحة، ومهما ترتب على ذلك من جمود وتكلُّس وشيخوخة باتت تضرب كل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية في مصر.

يا إلهي: من أين أتى هؤلاء بكل هذا الجبروت ليستمروا رغم هذه التحوُّلات التي شهدتها مصر والمنطقة بل والعالم كله، فتنهار إمبراطوريات جبّارة كالاتحاد السوفييتي، وتسقط شعارات القومية العربية تحت قذائف صدّام حسين حين احتل الكويت، ويرفرف علم إسرائيل في سماء القاهرة، ويصبح رجال الأعمال نجوم المرحلة يصنعون السياسات ويرسمون أجندة التفكير عبر وسائل الإعلام التي يمتلكونها، برعاية كريمة من نفس الديناصورات التي بشرتنا في خمسينات وستينات القرن الماضي بمجتمع اشتراكي، يستند إلى تحالف قوى الشعب العاملة، وغيرها من الخرافات التي نشأ جيلي وأجيال سابقة وأخرى لاحقة عليها!

يحدث كل هذا وغيره مما لا يتسع المقام لسرده تفصيليًّا، بينما يستمر هؤلاء "الديناصورات" في قمة السلطة كأنهم "أجرام فلكية" لا تتبدَّل، أو قضاء وقدر لا مفر منه، ولا سبيل لتغييره، بل علينا أن نتعايش معه، تمامًا كما فعل هؤلاء الديناصورات الذين تحايلوا على كل التغييرات في الداخل والخارج، لا لشيء إلا ليتحولوا إلى كائنات سرمدية لا يعرف أحد متى ولدت ومتى تموت؟

بالطبع لا يراهن عاقل في بلد مثل مصر ومحيطها الإقليمي عمومًا، على دور أحزاب المعارضة والحركات الاحتجاجية وبرامج "التوك شو" و"المكالم المسائية" عبر الفضائيات.. وكل هذه الخزعبلات في إقصاء الديناصورات عن الساحة، بل ما حدث أنها أصبحت ـ بطريقة أو أخرى ـ مجرد خيوط في قبضة الديناصورات.. تحرِّكها ليلهو بها العاطلون والمحبطون والمأزومون أحيانًا، ثم لا يلبثون أن يعيدوهم إلى الحظيرة متى شاؤوا، وبالطريقة التي خططوا لها، وفي المكان والزمان المحددين، دون أدنى خلل خارج السيطرة.

لعل الفرق بين الأوطان والحدائق الجوراسية يكمن في قدرة البشر على التغيير، وهنا أخشى أن يكون الرهان الوحيد في شرقنا الأتعس أصبح معقودًا على "القضاء والقدر".. على الملاك الأبيض الذي لا يمكن لمخلوق أن يرده حين يأتي ليقبض الأرواح، وكل ما هو دون ذلك فلا يبدو ثمة أمل فيه، وغاية ما نريد أن يدركه الجميع أن الديناصورات أيضًا تموت.. ربما لم تنقرض تمامًا، لكنها والحمد لله لا تستعصي على الموت، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

والله المستعان




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :