الأقباط متحدون - وصمة عار
أخر تحديث ٠٥:١٧ | السبت ٢٨ مايو ٢٠١٦ | ٢٠بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٤٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

وصمة عار

د. عماد جاد
د. عماد جاد

تُعد جريمة قرية «الكرم» التابعة لمحافظة المنيا وصمة عار فى جبين مصر، وصمة عار لأنها المرة الأولى فى تاريخ مصر الحديث التى يتم فيها اعتداء من هذا النوع على سيدة مصرية لا ذنب لها سوى استضعافها من قبَل أهل قريتها، لأنها المرة الأولى فى تاريخ مصر الحديث التى نجد فيها حشوداً هائلة من بشر فقدوا آدميتهم وتجرّدوا من كل ما يمت إلى البشرية بصلة، وأقدموا على تجريد سيدة مسنة من ملابسها و«زفّفوها» فى شوارع القرية، التهمة أنها والدة شاب راجت شائعة عن علاقة محرّمة بينه وبين سيدة من القرية. ثار رجال القرية وشبابها وقرروا الانتقام لشرف السيدة عبر تلويث شرف سيدة مُسنة بتجريدها من ملابسها وزفها عارية فى شوارع القرية. لم يتحرّك ضمير أىٍّ من رجال القرية، لا شيوخها ولا شبابها ولم تثُر نخوة رجل منهم كيف يوقف هذا المشهد «المغولى» بحق سيدة طاعنة فى السن. الأكثر خطورة فى هذه القضية بعد انهيار أخلاق أبناء قرية «الكرم» بمحافظة المنيا، هو تواطؤ المسئولين الأمنيين والتنفيذيين فى المحافظة، فالقسم أو مركز الشرطة الذى ذهبت إليه السيدة وزوجها قبل أيام من وقوع «الغزوة» لم يُحرّك ساكناً، ولا كلّف نفسه بمتابعة الموقف، لا سيما فى تلك المحافظة التى لم تتوقف فيها الأحداث الطائفية، وتنتشر بها الجماعات الإرهابية، من سلفية وإخوانية، كما أن محافظ المنيا خرج بعد الجريمة فى وسائل الإعلام، ليقول إن ما جرى يُعد حادثاً بسيطاً، لا داعى لتضخيمه والنفخ فيه.

لم تتحرّك وسائل الإعلام الرسمية وتغطى الحادث، بل كانت التعليمات هى التعمية عليه والابتعاد عنه، فغطته وسائل الإعلام الخاصة، رغم ما عليها من ضغوط، إلا أنها مارست دورها الوطنى، فقامت بتغطية موضوعية، وتهرّب السيد المحافظ من الردّ على اتصالات الإعلام الخاص لسؤاله عن تفسيره لما نسب إليه من أقوال حول بساطة الواقعة.

فى المقابل، حاول البعض توظيف الجريمة النكراء فى تأكيد طبيعة الممارسات الأمنية التى تواطأت فى انتهاك حقوق الإنسان والمواطن، وعن حال التطرّف والتعصّب الذى وصل إليه المجتمع المصرى، هناك من حاول التركيز على البُعد الدينى فى القضية عبر التقاط ما صدر من وسائل الإعلام وأهل القرية من إشارات إلى ديانة الطرفين وتأكيد أن السيدة المصرية تعرّضت لما تعرّضت له لأنها مسيحية، وأن الجناة تجرى التغطية عليهم من قبَل المسئولين الأمنيين والتنفيذيين لأنهم مسلمون، وتحرّك البعض لإثارة القضية على أرضية دينية.

فى تقديرى، أن الجريمة مركّبة، وتعكس واقع الحال فى بلادنا، وتحديداً فى محافظات الصعيد، لا سيما المنيا، وهو واقع يجمع بين فقر مدقع، جهل وأمية، تعصب وتطرّف شديد، وعادة ما تتسم التفاعلات فى مثل هذه البيئات بارتفاع معدلات العنف، وعادة أيضاً ما تمارس مثل هذه البيئات ضغطاً شديداً على الفئات الضعيفة، والضعف هنا قد يكون جنسياً (قمع المرأة والتمييز ضدها)، وقد يكون عرقياً - قبلياً، عبر ممارسة سياسات تمييزية حادة ضد العائلات الأضعف والأفقر، وقد يكون، وهو الأكثر شيوعاً، دينياً وطائفياً، فعادة ما تمارس سياسات تمييز حادة تصل إلى درجة الاضطهاد بحق المغاير الدينى والطائفى، وتاريخ صعيد مصر، وفى المقدمة محافظة المنيا، حافل بممارسات تمييزية حادة وبتراجع مساحة المشترك بين المصريين المختلفين دينياً وطائفياً، عكس الحال فى محافظات الجنوب من سوهاج إلى قنا. ويترافق كل ذلك مع تواطؤ من قبَل المؤسستين الأمنية والتنفيذية، لاعتبارات تتعلق بسيادة العقلية نفسها وحمل الأفكار التمييزية والعنصرية ذاتها، أو تملقاً للأغلبية. وقد جسّدت واقعة الاعتداء على السيدة المصرية المسنة كل مكونات البيئة فى محافظة المنيا، فالأمن لم يشعر بأهمية التحرّك لحماية أسرة مصرية من عنف وإرهاب وبلطجة، والسيد المحافظ، سيادة اللواء، لم يجد فى تجريد سيدة مسنة من ملابسها وزفّها فى شوارع القرية ما يستدعى الغضب أو الاحتجاج، معتبراً أنها واقعة بسيطة. تحرّكت قطاعات واسعة من المصريين العاديين، مسلمين ومسيحيين، وضغطوا عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وفرضوا القضية على الرأى العام المصرى الذى تفاعَل معها تفاعُلاً وطنياً، فكان قرار الرئيس بتطبيق القانون على الجميع، ونحن نطلب منه تطبيقه أولاً على المسئولين الأمنيين والتنفيذيين فى المحافظة، تمهيداً لإرساء قواعد دولة القانون، فتطبيق القانون وحده كفيل بإصلاح حال العباد، ومن ثم البلاد.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع