مظهر أنيق وابتسامة رشيقة وطلة مبهجة، تخفى وراءها ضغوطاً نفسية وبدنية كبيرة تتحمّلها «مضيفة الطيران»، لأداء مهمة يومية يغفلها عوام الشعب ويختزلها فى تفاصيل ثانوية بعيدة عن الواقع، ليأتى حادث الطائرة المنكوبة، ليكشف لنا كم المخاطر التى يتعرّض لها طاقم الضيافة يومياً ويستدعى تصحيح الصورة المأخوذة عنه، وكشف تفاصيل المهمة الجوية الخطرة.
منذ عام 2005، قررت «ياسمين سبل»، العمل كمضيفة جوية فى شركة «مصر للطيران»، بسبب حبّها للمهنة منذ الصغر، حيث خضعت لفترة تدريب لمدة 6 أشهر، للإلمام بطرق الأمن والسلامة الجوية، والإسعافات الأولية، ثم تبحّرت فى المجال الذى لم يكن هيناً بالمرة: «الناس فاكرة أن المضيفة كل مهمتها تخرج وتتفسح وتعمل شوبنج، ومش عارفين أن التعامل مع الركاب بخلفياتهم الثقافية والاجتماعية المختلفة، شىء صعب.
الأمراض التى تصيب أصحابها: الضغط وآلام المفاصل وجفاف الجلد وفقدان الذاكرة
مواقف صعبة كثيرة تتعرّض لها المضيفة خلال الرحلة، منها وفاة أحد الركاب، وسبق أن تعرّضت «ياسمين» لهذا الموقف مرتين، أو أن تكون سيدة فى حالة وضع، بل فوجئت ذات مرة بحالتى أزمة ربوية فى رحلة واحدة لراكبين، ولو لم يتم التعامل معهما على الفور، لكانا لقيا حتفهما.
المكوث فترات طويلة فى طائرة «أنبوبة مضغوطة»، يؤثر على طاقم الضيافة، خصوصاً السيدات: «الطيران يؤدى إلى سقوط الشعر وجفاف الجلد وتكسير الأظافر، واضطراب الحمل»، بخلاف وجود أمراض مزمنة للمهنة، مثل الضغط وآلام العظام والمفاصل والخشونة: «خضعت منذ 3 أسابيع لعملية فتق سرى، أصبت به بسبب الضغوط اليومية التى أتعرض لها، وحمل أشياء ثقيلة»، الأمر الأكثر سوءاً هو عدم الأخذ بشهادة الطيار أو طاقم الضيافة فى المحاكم، إذا كانوا مارسوا المهنة لمدة 10 سنوات: «على أساس أن مهنتنا تجعلنا ننسى الأحداث بعد فترة، ولا نحظى بكامل قوانا العقلية، فثبت علمياً أن زيت الهيدروليك الموجود على الطائرة يؤدى إلى محو الذاكرة».
«ما إن كنت ألمح مضيفات الطيران فى الماضى، حتى أنبهر بمظهرهن الأنيق، وأحلم بالالتحاق بتلك المهنة الشيقة التى تسمح بالسفر يومياً إلى لندن وباريس، والتسوق والمتعة، حتى أدركت أن العكس هو الصحيح»، كلمات أعادت نهال البرقوقى، كبير مضيفى «مصر للطيران» إلى أكثر من 25 عاماً مضت، حين رفضت العمل فى المهن التقليدية والجلوس على المكاتب فى الغرف المغلقة، لتبدأ مشوارها فى الضيافة الجوية بالعمل فى الخطوط السعودية، بعد الدخول فى نقاش حاد مع والديها لإقناعهما، حيث كانا يرفضان هذا المجال، بسبب الصورة الخاطئة عن المضيفة الجوية، وبعد 3 أشهر انتقلت للعمل فى شركة طيران خاصة، ومنها إلى «مصر للطيران».
صفات كثيرة يجب توافرها فى الفتاة التى تُقرر العمل مضيفة جوية، حسب «نهال»، على رأسها الثبات الانفعالى، سرعة البديهة، الشجاعة وحُسن التصرّف، فإذا حدثت كارثة على متن الطائرة، تكون المضيفة مكلفة بإخلائها من الركاب فى غضون 90 ثانية». الدور الملقى على كاهل المضيفة يزداد صعوبة فى ظل غياب ثقافة الطيران فى مصر والدول العربية: «إذا أخبرت الركاب أن المطار مغلق لسوء الأحوال الجوية، ستفاجأ بسيل من الاعتراض والتهكم والسباب، على عكس الأجانب الذين يتفهمون تلك المواقف جيداً، بل لو طلبنا من الراكب ربط حزام الأمان، أحياناً يجادلنا ويرفض، بخلاف أن البعض يساوى بين الطيار والسائق، ويظن أن الطائرة كالمطعم، لا بد أن تُقدّم ما لذ وطاب للراكب طوال الرحلة، رغم أن مهمة الضيافة الأساسية هى تأمين الركاب وتوصيلهم بسلام، وهنا يجدر دور الإعلام فى توصيل الصورة الحقيقية للضيافة الجوية». لم يمر حادث الطائرة المنكوبة الأخير على مضيفات الطيران بسهولة، بل إنهن يعشن مأساة حقيقية: «فور علمى بالحادث توجهت إلى المطار للوقوف على أبعاد الموضوع، ثم زُرت والدة مرفت، رئيسة طاقم الضيافة الذى كان على متن الطائرة، لمواساتها ومساندتها».