محمد حسين يونس
منذ زمن ((تشترى ساعة بكاتينة .. من غير عقارب و لا مينا ))و لم أشاهد الفوازير الرمضانية ..أو البرامج التلفزيونية والاذاعية التي تعد للاحتفال بهذا الشهر..و عندما يدور الحوار حولي بين الاصدقاء و الاقارب عن احداث المسلسلات أغادر المكان
بصراحة من غير زعل .. انا شايف إن هذه الاحتفالات مبالغ فيها و خرجت عن الهدف من الصيام .. و لها بعد سياسي تنويمي تخديرى .. مثلما كان يحتفل البعض بسماع أغنية جديدة لام كلثوم و هو تحت تأثير الحشيش
في شبابي كان الفن في بلدنا نشاطا راقيا .. و ممتعا ومحفزا .. يستحق التعب من أجل الذهاب لمسرح الطليعة اوالحكيم أو القومي ..او للاوبرا .. او حتي لسينما قصر النيل لسماع الست
لقد كنت طالبا في قسم عمارة و كنا ندرس تاريخ الفن .. و تطور الاطر المعمارية عبر الزمن.. و كنا نرسم .. و نلون .. و ننحت في بعض الاحيان دون أن يؤنبنا أحدهم أو يصفنا بالكفر و المروق .. و كنت أذهب مع الزملاء و الاصدقاء لمكتبة الموسيقي بمتحف الفن الحديث ( بشارع قصر النيل ) لاستمع إلي بتهوفن و تشيكوفسكي .. و باخ .. و نستمتع بمشاهدة صور لوحات كاندنسكي و رامبرانت .. فان جوخ و رينوار ..اوكنا نذهب لمتابعة برامج وأفلام نادى السينما التي كانت تقدم لنا تجارب كل الشعوب بما في ذلك الياباني و الروسي ..الفرنسي و الايطالي ونعرف بازوليني و فيسكونتي و فليني .. و نجلس لساعات نحلل الافلام .. و مدى كمال الكادرات ..و أداء الممثلين
لقد عشت زمنا ثقافيا غنيا و ممتعا لدرجة أنني إخترت لابني و إبنتي منذ طفولتيهما دراسة الموسيقي و الحقتهما بالكونسرفتوار حيث كان الروس و كبار الاساتذة من المصريين يقومون بدور رائع في تعليم الاطفال و الشباب ،ما خطط له المعمارى الموسسقي أبو بكر خيرت والذى ما زلنا نعيش تحت ظلال و ثمار دوحاته
في بلدنا كان يمكنك الاستماع الي الاوبرا .. وإلي الاغنية الخفيفة الساحرة غربية و مصرية و لبنانية وإلي التراث الشرقي و عود فريد الاطرش .. و الحان سيد درويش .. وإبداع أداء منيرة المهدية ..و(خايف يكون حبك لية شفقة علية )
لقد كنت من الجيل الذى إستمع لصلاح جاهين والابنودى و سيد حجاب وعبد المعطي حجازى وهم يلقون أشعارهم .. و قرأ روايات و قصص ليوسف إدريس و صنع الله إبراهيم ..و نجيب محفوظ و إحسان عبد القدوس.. و زار المعارض و الاتليهات .. و المتاحف .. وإستمتع باعمال الفراعنة ووقف لساعات أما تمثال خفرع أو الاميرة نفرت و الامير نفرو .. أو شيخ البلد .. و كم زرنا المعابد الضخمة و تسللنا الي مقابر وادى الملوك و الملكات .. و كونا ذوقا يأبي علينا أن نستمع اليوم لحثالة البشر و هم يصفقون و يرقصون رقصا ممرضا إحتفالا باى مناسبة حتي لوكانت الذهاب للجان الاقتراع
للاسف إنحدر الذوق تدريجيا ..أولا ليوائم (النوفو ريش ) من أصحاب شعبان عبد الرحيم .. ثم بدأ التدهور في التسارع .. حتي وصل ..إلي ما تعرفونه جيدا و تشاهدونه و تسمعونه في الافراح و الليالي الملاح .( اورتيجا واحمد ازعاج، علي المنياوى و عادل الخضرى ..وباقي اللستة من السيدات و السادة الذين يجمعون في الليلة أجر مهندس مخضرم لعدة شهور)
إني أستمع الان لمن يقول .. لسة عندنا اوبرا و بالية و موسيقي ..حضر حفلاتها الريس و ضيوفه
نعم و لكن زمن ( إيناس عبد الدايم ووزير ثقافتها، نمنم أو عزب أو مش عارف مين ) غير زمن (سمحة الخولي والباشا ثروت عكاشة وزيرا ) هناك فرق
الان ستجد شكلا خاليا من المضمون إلا ما يمنحه لصاحبه من (سبوبه، نحتاية ) المولد و هناك كانت رسالة ودور لامتاع و تثقيف الشعب ووضع القرش في مكانه المفيد
النكدى أبو (وش يقطع الخميرة من البيت )يتمني لحضراتكم رمضان بمسلسلات .. و تمثيليات و فوازير .. تنسيكم ..إرتفاع الاسعار و الضريبة المضافة و الطائرة المدمرة .. و إمتحانات الثانوية العامة و الدروس الخصوصية و الحياة التي علي شفا الموت بفضل (دول ) ..أو علي شفا الجنون بفضل (دول).