الأقباط متحدون - «سَليل الفراعنة»
أخر تحديث ٠٥:٤٨ | الأحد ٢٢ مايو ٢٠١٦ | ١٤بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٣٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

«سَليل الفراعنة»

الأنبا إرميا
الأنبا إرميا

 تحدثت المقالة السابقة عن البطل المِصرىّ «البابا أثناسيوس الرسولىّ»، نابغة القرن الرابع، الذى ندرُس فى حياته وشخصه تاريخ الكنيسة العامة، البطل الذى قدَّم الحق وضحى من أجله فى نزاع مع العالم استمر نصف قرن، متعرضًا لشدائد عظيمة، نائلًا بشجاعته الاحترام والتقدير من العالم بأسره.

 
عاش «البابا أثناسيوس» تلميذًا لأبى الرهبان القديس «أنبا أنطونيوس» ثلاث سنوات، فأحب فيه حياة الرهبان الملائكية، وكتب سيرته، ونقل عنه نظام الرهبنة إلى العالم. وفى شدائده، وجد إلى جواره أباه ومعلمه «أنبا أنطونيوس» يهبّ وينزل إلى «الإسكندرية» مع أبنائه من الرهبان ليعضده ويسانده فى تصديه لبدعة «أريوس».
 
كان «أنبا أنطونيوس» بتعاليمه وتأثيره فى شخصية «البابا أثناسيوس» هو سر قوته فى مقاومته للفكر الأريوسىّ وحفظه للإيمان الرسولىّ القويم، فيقول فى وصف أبيه: «كان طيبًا متواضع الروح.. طلعته تَنُمّ عن نعمة عظيمة وعجيبة.. ومع أنه لم يتميز عن الباقين فى الطول أو العرض، فإنه تميز عنهم فى رصانة الأخلاق وطهارة النفس..».
 
وفى عام 338م، تعرض «البابا أثناسيوس» لمقاومة شديدة من «يوسابيوس النِّيقُومِيدىّ» الذى أقنع الإمبراطور بعقد مجمع فى «أنطاكية» لعزل البابا، وما إن وصلت تلك الأخبار، حتى هجم البعض على «كنيسة ثيؤناس» لقتل البابا فقام الشعب بتهريبه! وقد تعرض الشعب والاكليروس من الكهنة والرهبان والنساء لعذابات وقتل، وسُجن آخرون. ثم دخل مدينة الإسكندرية شخص يُدعى «اغريغوريوس الكَبادُوكىّ»، كأسقف دخيل عليها بدلًا من «البابا أثناسيوس»، يضطهد المؤمنين، إلا أن «أنبا أنطونيوس» تدخل بإرسال عدة رسائل إليه وإلى بعض الضباط، مؤنبًا إياهم على أفعالهم واضطهادهم للشعب. كذٰلك أرسل «القديس باخوميوس» أبوالشركة، الذى التقاه «البابا أثناسيوس» فى إحدى زياراته للصَّعيد، أفضل راهبين عنده يُدعيان «زَكّاوُس» و«تادرُس» ليقوِّيا المؤمنين فى «الإسكندرية» فى أثناء غياب البابا فى نفيه.
 
وكانت تربِط «البابا أثناسيوس» عَلاقات صداقة ومودة كبيرة بـ«البابا يُوليوس»، أسقف روما، فأمضى سنة ونصف السنة فى «رومية» كان لها أشد الأثر فى أبناء الغرب حيث عرَّفهم بالرهبنة، ووضع لهم أُسس نظامها، فتشبع الفكر اللاتينىّ بلاهوتيات «البابا أثناسيوس». وقد كتب المؤرخون عن «البابا أثناسيوس» أنه أكبر علماء اللاهوت، لا فى عصره فحسْب بل فى كل العُصور، واعتُبر أحد العلماء القليلين الذين أشاد بهم الشرق والغرب معًا، حتى إن تأثيره فى الغرب فاق آباء الشرق!! وتعلَّم «البابا أثناسيوس» «اللاتينية» وأتقنها حتى يتمكن من مخاطبة أساقفة الغرب بها والكتابة إليهم؛ وهٰكذا كان له دور كبير فى تقديم الحياة المَسيحية المثالية، حياة المتوحدين المِصريِّين، إلى الرومانيِّين، حتى إنه وصل بالرهبنة إلى «ألمانيا» وأنحاء «أوروبا». وكان من تأثير «البابا أثناسيوس» فى الغرب أن الغربيِّين اهتموا به جدًّا فنقلوا رُفاته من «الإسكندرية» إلى «القسطنطينية» ثم «البندقية» و«فرنسا» و«إسبانيا».
 
لقد ظل «البابا أثناسيوس الرسولىّ» أمينًا للإيمان طوال أيام حياته الحافلة الخالدة على صفحات التاريخ الإنسانىّ، مقدِّما أُنموذجًا لا يتكرر. وفى عام 369م، عقد مجمعًا فى «الإسكندرية» حضره تسعون أسقفًا، أكد فيه الاهتمام بالفكر الإيمانىّ الرسولىّ المستقيم. وهٰكذا استمر البطل المِصرىّ حافظًا للإيمان، عاملًا فى خدمة رعيته، حتى بلغ الخامسة والسبعين، مقدِّمًا للأجيال التالية حتى يومنا هٰذا وديعة الإيمان المستقيم بلا انحراف.
 
مؤلفات «البابا أثناسيوس»
 
وفى ظل تلك الحياة الصعبة التى عاشها «البابا أثناسيوس الرسولىّ»، التى جسدت شجاعته واحتماله وصبره سنوات طوالا، فى نفى ومحاربات واضطهادات، وضع مؤلفات كثيرة تُعد مراجع اللاهوت الأولى فى العالم، ومنها:
 
■ «ضد الوثنيِّين»
 
■ «تجسد الكلمة»
 
■ الرسائل الفصحية «لعيد القيامة»، ورسائل اخريستولوچية «عن طبيعة السيد المسيح» ورسائل عن الروح القدس، ورسائل دورية كثيرة، وأيضًا رسائل مَجمعية
 
■ «ضد الأريوسيِّين» فى ثلاث رسائل
 
■ «بشأن دِيونِسيوس الإسكندرىّ»
 
■ «إلى أساقفة مِصر وليبيا»
 
■ «بشأن نيقية»
 
■ «الدفاع الثانى ضد الأريوسيِّين»
 
■ «بشأن مجمع أرمينو وسَلوكِيا»
 
■ «دفاع إلى الملك كُونِستانتيون»
 
■ «حياة القديس أنطونيوس الكبير»
 
■ «إلى الرهبان»
 
■ «إلى آمون»
 
■ التفاسير: «إلى ماركيللينوس»، وشرح المزامير وتفسيرها، وشُروحات تفسيرية للعهدين القديم والجديد
 
■ المقالات: «آلام الرب وصلبه»، ومقالة عن الآية: «كل شىء قد دُفع إلىَّ من أبى»
 
■ نُصوص قبطية عن البتولية ومتنوعات
 
وقد اهتمت «الكنيسة القبطية» فى أواخر القرن الثامن عشَر، فى عهد «البابا يؤَنِّس الثامن عشَر» بترجمة كتابات «البابا أثناسيوس» من «اليونانية» إلى «العربية»، بعد أن قدم المُعلِّم «جرجس الجوهرىّ» مبلغًا كبيرًا، شاقِل ذهب «ما يعادل 120 من الفِضة» عن كل كراس ترجمة، لأعمال البابا القديس.
 
اهتم «البابا أثناسيوس» بوَحدة الكنيسة: فما إن شعر باشتداد الخلاف بين الكنيستين الشرقية والغربية فى أمور أساسها تحاوُر فى الألفاظ، حتى قام يؤلف ويوحد بين الكنيستين، على الرغم من شيخوخته التى حملت أتعاب النفى والآلام التى تعرض لها طوال حياته حتى قيل: «بلغ النضال حدًّا أنْ كادت تُقطع الوُصلة (الاتصال) بين كل من ربعى العالم والربع الآخر، لغير سبب سوى اختلاف فى مقاطيع كلامية. فلما رأى ذٰلك مطوَّب الذكر (أثناسيوس).. عز عليه أن يدع هٰذا الانقسام الباطل.. فجمع بين الفريقين وخاطبهما بشفقة ولِين، مبينًا لهما بدقيق اللفظ صحيح المعنى المقصود..». كذٰلك ألَّف «البابا أثناسيوس» بين طائفتى الرهبان والمتوحدين: فيذكر لنا «القديس اغريغوريوس النَّزِيَنزىّ»: «وقف موقف مُصلِح ذات البين، وسفير الخير فى عصره، ناهجًا فى ذٰلك منهج السيد له المجد..»، كذٰلك قبِل توبة مَن اتبعوا «آريوس» عندما طلبوا العودة إلى الكنيسة فى خُضوع وندم.
 
قيل عن «البابا أثناسيوس الرسولىّ»
 
هٰذا البطل خالص المِصرية قيل عنه: «.. فتًى من تراب وادى النيل، سَلِيل (حفيد) الفراعنة حقًّا حسب الجسد. أمّا بحسَب الروح والإيمان، فهو سَلِيل الرسُْل، ورَبيب (المتربى والمتأدب بتعاليم) المسيح نفسه: (أثناسيوس) الذى رفع رأس (مِصر) وأنجز المُهمة العظمى كما أرادها الله.. بنجاح أذهل- ولايزال- كل مؤرخى الدنيا!».
 
ولم يستطِع كل مَن عرَفه أو قرأ عنه إلا أن يمتدحه، فقالوا فيه:
 
■ «حينما أمدح (أثناسيوس) فأنا أمدح الفضيلة»، «القديس اغريغوريوس النَّزينزىّ».
 
■ «.. هٰذا هو (صَمُوئيل) الكنيسة، والحَكَم المبجل بين الجيلين القديم والحديث وواسطة عَقدهما، فهو الطبيب الحاذق (الماهر) القادر على تتبُّع أقصى ما تئن الكنيسة تحت عبئه من الأدْواء (الأمراض) وعلى شفائها..»، «القديس باسيليوس».
 
■ «المِنبر الأعظم»، المؤرخ «الأسقف ثِيئوذوريت» «393- 460م»
 
■ «حجر الزاوية فى كنيسة الله»، «يوحنا الدمَِشقىّ».
 
■ «كان «أثناسيوس» متضعًا حتى لم يكُن يجاريه أحد فى تلك الفضيلة.. وكان حليمًا ولطيف المعشر حتى كان يسْهل على الكل أن يصلوا إليه.. كان طيب القلب حنونًا وعطوفًا على الفقراء.. وكانت أحاديثه لذيذة تأخذ بمجامع القلوب، وكانت توبيخاته بلا مرارة.. ومتى أثنى على أحد فلِكى يَحمِله على (يُغريه بـ) الكمال.. وهٰكذا كان يعرِف أن يجعل وزنًا صحيحًا بين التوبيخ والمديح..»، «القديس اغريغوريوس النَّزينزىّ»، كتاب «السَّنِكسار الكاثوليكىّ».
 
وأيضًا.. وفى «مِصر الحُلوة» الحديث لا ينتهى..!
 
الأسقف العام رئيس المركز الثقافىّ القبطىّ الأُرثوذكسىّ
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع