زهير دعيم
قد تستغربون وقد يُداخلكم الشّكّ اذا ما قلت لكم أنّ حفيدي " زهير" يطالبني وهو بعد في الثالثة وبضعة أشهر من عمره ؛ يطالبني بأن اقتنيَ له جوّالًا... وأتردّد كثيرًا رغم الحاحِهِ، بل وأكاد أقول أنّني أرفض رغم محبتي الضّافية له ، علمًا بأنّني لا أحرمه من أيّ شيء.
فالقضيّة ليست عاطفيّة ، وليست حنانًا وتحنانًا ، وليست بخلًا ، بل ترتبط وتتعلّق بالجدوى من هذا الجهاز وفي هذا العمر بالذات ، بل وفي عمر أكبر منه بسنوات.
لا أنكر أنّ لكلّ عُملة وجهين ، وكذا الأمر مع التقنيّة الحديثة برمّتها والتي حسناتها تفوق كثيرًا ضررها ومساوئها بالنسبة للكبار لا للصغار ..وخاصّة هذا الذي يُسمّى "بلفون" أو "جوّال" وقد جال هذا الجوّال وصال يسرق عقول الصغار والكبار على حدّ سواء ، فترى أحدنا " هون ومش هون" ، يسوق سيارته وعيناه على الجوّال وفكره هناك ايضًا ،وتلاحظ وتلمس أنّ التواصل الأسريّ تفكّك وانقطع حتى لدى الكبار ، فكيف بك لدى الأطفال ؟!!
وأعود مضطرًا الى حفيدي الذي يُصمّم احيانًا على استعمال جهازي في اللّعِب فينكمش في الكنبة ويغرق في الجوّال بعد عودته من روضته فلا يريد أن يأكل : "شبعان " " شبعان" يقول وهو يشيح بوجهه ، ثمّ تروح تناديه فلا يسمع ولا يجيب ، إنّه يغوص حتى أذنيْه في هذا الجهاز. فأضطر الى اخذه منة عنوةً رغم دموعه.
والامر يستشري ويصعب حين يتعلّق الأمر بأطفال في سن الثامنة أو التاسعة ، سنّ فيه تتطلّب المسؤولية أن يدرس هذا الطالب ويحضِّر ويطالع ويُبدع ، فتراه يتراخى ويتكاسل ويفتر ويتراجع ، كيف لا والوقت أضحى لديه ضيّقًا بعد أن هدره جُزافًا على الجوّال، ناهيك عن المخاطر الاخرى التي تتعلّق بإضعاف النظر واخرى أشدّ وأمرّ قد تأتي من أناسٍ أشرار يتربّصون بالنفوس الصغيرة البريئة فيجرّونها الى ما لا تُحمد عُقباه.
حقًّا للعملة وجهان ...وكذا للجوّال ، فالوجه " البشع" السلبيّ ، المُقلِق أكبر مساحة للأطفال منه للكبار ..هؤلاء الكبار الذين يتواصلون من خلاله بالحياة والمجتمع والحضارة بثوان معدودات وبقروش قليلة.
حفيدي سيبقى يلحّ ، وسأبقى أنا أماطل محاولًا اقناعه بأنّ القضيّة ليست بخلًا ولا مالًا ، وانمّا الثمن الباهظ الذي سيدفعه هو من جرّاء هذا الجوّال .. ولن تُجديه دموعه نفعًا ، فحفيدي لديّ أغلى من كلّ شيء.