بقلم: محمد بربر
الحوار الذي دار بيني وبين باحث أمريكي؛ جاء من بلاده ليصنع ملفًا عن حقوق الإنسان في بعض الدول العربية ومنها مصر، كنت حين التقيت به متضامنا مع زملائي بجريدة "الدستور" على سلالم نقابة الصحفيين، حين اقترب مني ليسألني "كيف ترى مصر لو وصل الإخوان للحكم؟"، وأخبرنى أنه سوف ينشر ملفه في جريدة "الواشنطن بوست"، تحدثت معه عن قناعاتي الشخصية؛ والتى مفادها أن الديمقراطية – في رأيي – هي الحل، وأنني أؤيد الفصيل السياسي الذي يحكم البلد فيطبق الديمقراطية، ويقضي على جذور الفساد، وينشر ثقافة المواطنة والتسامح، ويهتم بالعلم والعلماء، ثم أوضحت له أن جماعة الإخوان تفتقد لكل ما سبق، ومن ثم لا يمكنني رؤية مصر والإخوان يسيطرون على مقاليد الحكم فيها، فأجأني الباحث قائلاً "ثم ماذا بعد؟" ومضى إلى حيث لا أراه.
بعدها ظللت أفكر كثيرًا وأنا أردد نفس سؤاله: "ثم ماذا بعد؟"، ما جدوى الحديث عن الفساد، ما جدوى الكتابة؟! الصورة القاتمة جعلت النفوس تتأذى من انتشار صور الفساد، للدرجة التى جعلت أحد أكبر رموز الحزب الوطني يعترف أن الفساد أصبح "للركب"، حياة سياسية تسير كسلحفاة كسول تأبى المواجهة وتخشاها، قيادات أفلست فكريًا، إن لم يكن قد طال بها العمر وأرذل، نُدين ونستنكر، نشجب صور العنصرية والطائفية، والفاسدون يحاولون نزع أحشاء البسطاء، مستمرون في جلب الهم للفقراء في بلادنا، بعدما غابت المواطنة الحقيقية.
أتخيل صور الفساد وأنا أردد مرات ومرات "ثم ماذا بعد؟"، الإدانة وحدها لا تكفى، ولأنني من المؤمنين بفكر التنمية المستدامة؛ في الحفاظ على هذا الوطن لنا وللأجيال القادمة من بعدنا، ولما كانت التنمية المستدامة تقوم على تحقيق مبدأ المواطنة، والتي هي عبارة عن نوع من التكافؤ والمساواة في الوطن دون تمييز في الدين، تذكرت على الفور جماعة الإخوان المسلمين، حتى أن العديد من الدول الغربية باتت قلقة بشأن الجماعة التي تتخذ من الإسلام السياسي مطمعًا للوصول إلى الحكم، لكن السؤال الذي ينبغى علينا طرحه الآن: كيف تؤثر الجماعة على الوطن؟ وكيف تضرب المواطنة في مقتل؟ وكيف أنها تساعد على إدامة الحكم وزيادة ثروات المنتفعين، في الوقت الذي تخرج علينا فيه وتعلن رفضها التوريث.
عقيدتى أن الإخوان من صنع النظام نفسه؛ الذي استخدمهم "كفزاعة" سياسية لتخويف "الولايات المتحدة"؛ من خطورة استيلاء التيار الإسلامي على السلطة إذا تم الإطاحة به، لذا فهؤلاء الذين يروجون للمشروع الإخواني، إنما يروجون للنظام المصري الذي ينتقدونه صباح كل يوم، ويتهمونه بأنه السبب فيما يحدث الآن بالبلاد، الأكثر أهمية هو: هل لو استمعت "واشنطن" لأصوات محللي السياسات التابعين للجماعة، وانقلبت على النظام المصري، هل ستحقق انتصارًا للإسلام؟! بالطبع لا؛ لأنها ستكتب نهاية مصر ومبادىء الديمقراطية والمواطنة، لأن مصر هي البلد الآمن الذي يستطيع أن يقف بمثابة جدار عازل أمام أطماع من يحاولون النيل من مدنية الدولة.
الغريب حقًا أن الديمقراطية التي ينادى بها أعضاء الجماعة؛ لها خاصية مختلفة عن ديمقراطيات العالم بأسره، ففي الوقت الذي تضمن فيه الديمقراطيات الغربية المشاركة السياسية لجميع المواطنين، بغض النظر عن الرأى أو الدين، تضمن الجماعة حرية المعتقد فقط لأتباع الديانات السماوية الثلاث، على أساس أن من دونها "كفار يجب عزلهم عن المجتمع"، وظني أن البرنامج السياسي الذي وضعته الجماعة في أكتوبر 2007 كشف ألوان الديمقراطية الخائبة عند الإخوان، فالإخوان يمنعون المرأة والمسيحيين من تقلد منصب الرئيس، ويقوم مجلس من رجال الدين الإسلامي بمراقبة الحكومة، وكأننا سنكرر مأساة تطبيق الدولة الإسلامية الإيرانية، المرأة عند الإخوان لايمكن أن تتولى الحكم، لأن الواجبات الدينية والعسكرية لمنصب الرئيس تتنافى مع طبيعتها.
صور غريبة تجسدها عقول الإخوان، تسوقهم إلى مزيد من التعصب والتشنج، بدعاوى الحفاظ على الوطن، وفكر قاتل – نظريًا – وينتج المزيد من قنابل الفتن الطائفية التي لا تدمر سوى الأخضر في بلاد كانت في الماضى يضرب بها الأمثلة في "الوحدة الوطنية". في واقع مجتمعنا المصري، علينا أن ننتبه له وأن نتذكر جيدًا أن سؤالاً مثل "ثم ماذا بعد؟!" يجب أن يكون ودائمًا في الحسبان قبل أن يكتبوا بأفكارهم المسمومة نهاية مصر.