سعيد السني
لم تكن هناك ضرورة لهذه السرعة والعجلة بمحاكمة الشباب المتهمين بالتظاهر يوم 25 إبريل الماضي رفضاً منهم لسعودة جزيرتي صنافير وتيران.. بالعكس كان التمهل مطلوباً من أجهزة الضبط والتحري والتحقيق والإحالةً، تجنباً لهذه الأحكام القاسية التي صدرت يوم السبت الماضي بحق 152 شاباً منهم، رغم أنهم في الغالب لم يتمكنوا عملياً من التظاهر بفعل التشديد الأمني، وسواء كان المحكومون قد تظاهروا بالفعل أم تمت محاكمتهم على «النيات»، فقد كان واجباً على«الدولة» أن تتسامح معهم، فلا تحاكمهم، مثلما تسامحت في اليوم نفسه مع ما يسمى بـ«المواطنين الشرفاء» المؤيدين لاتفاق الجزيرتين.
فهكذا يكون «العدل» بالتعامل مع المؤيد والمعارض على قدم المساواة، ومراعاةً لما جاء في كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي بجبل الجلالة يوم 13 إبريل الماضي حين أعرب عن تفهمه لـ «غِيرة» هؤلاء الرافضين، تقديراً منه لحماستهم الوطنية بالأساس.. كما وأن هناك سوابق للتسامح مع تظاهرات موظفي وزارة المالية، وأمناء الشرطة في شهر أغسطس الماضي، بحجة أنها كانت مجرد وقفات احتجاجية وليست مظاهرات.. هذه العقوبات يترتب عليها خسارة أهل الحُكم لتعاطف وحماس «طائفة شبابية وشعبية» واسعة يمثلها هؤلاء المحكوم عليهم، وغيرهم ممن يشاركونهم الرأي بشأن الجزيرتين.
أما وقد وقع المحظور وحُوكم الشبان المتمسكون بـ«مصرية صنافير وتيران»، وأدينوا بهذه العقوبات المُغالى فيها، وعملاً بالمثل الشعبي القائل: «اللي حضر العفريت يصرفه»، فإن المسؤولية تقع على النظام الحاكم كي يجد لنفسه مخرجاً من هذا المأزق الذي انحشر فيه، بأيادي ضابط أو مسؤول أمني هنا أو هناك، ظناً بأن الزج بهؤلاء (المارقين) إلى غياهب السجون، يحفظ للبلاد أمنها وسلامتها.. لكنه الوهم بعينه.. فهو وأمثاله يحفرون هاوية سحيقة يمكن أن يسقط فيها الجميع.
هناك إشكالية معقدة وهي معاقبة 101 شاب بالعجوزة والدقي بالسجن لمدة خمس سنوات، وتغريم 79 منهم بواقع 100 ألف جنيه لكل متهم.. بينما عاقبت محكمة أخرى بدائرة قصر النيل 51 آخرين بالحبس لمدة عامين مع الشغل، وكلهم عن «جريمة» التظاهر.. فكيف يستقيم هذا؟.. وأين العدل والمساواة بين المتهمين؟.. وكيف تتباين العقوبة وتختلف عن نفس الفعل بمثل هذا الفارق الكبير في العقوبة؟.. إن القانون قد حدد للتظاهر بدون ترخيص عقوبة «الحبس من سنتين إلى 5 سنوات وبغرامة من 50 إلى 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين»، بما مفاده أننا بصدد قاض حكمَ بأقصى العقوبة (5 سنوات + 100 ألف جنيه غرامة)، وآخر اختار عقوبة السجن ذاتها دون الغرامة.. فيما رأى ثالث أن العقوبة الأدنى من السجن كافية (سنتان)، وفي كل الحالات لا جُناحَ عليهم.. فقد استخدم كلٍ منهم ما يُعرف بـ«السلطة التقديرية».. لكن الأوفق هو أن تكون هذه السلطة محكومة بعوامل واعتبارات موضوعية وليست «ذاتية»، قد تؤثر فيها قناعات وقيم ومعتقدات القاضي أو موقفه الشخصي.
نفس المشكلة قابلة للتكرار في الأحكام النهائية.. هذه ولا شك مُعضلة تضرب فكرة العدل ذاتها.. فليس من الإنصاف اختلاف عقوبة نفس الفعل من قاض لآخر، وهو ما يستلزم من المشرعين والقضاة وفقهاء القانون أن يجدوا حلاً عادلاً.. لعلنا نتذكر أن إسلام بحيري حصل على البراءة من تهمة ازدراء الدين الإسلامي، بينما عاقبته محكمة أخرى بخمس سنوات سجناً بنفس التهمة، قبل أن يتم تخفيضها استئنافياً إلى سنة واحدة، وهو شبيه بما حدث مع الأديب أحمد ناجي الذي تمت تبرئته من جنحة خدش الحياء، فيما أدانته محكمة الجنح المستأنفة بالحبس عاماً، بعدما طعنت النيابة على حكم البراءة، وفي جميع الحالات التي نحن بصددها، فالتهمة متعلقة بحرية التعبير وحق التظاهر وكليهما مباح بحكم الدستور المتروك.. لكنها القوانين المشوهة وسوء التطبيق والاستبداد.
نسأل الله السلامة لمصر.
Saidalsonny2@gmail.com