زهير دعيم
حفل التاريخ العربي والشرقي قديمه وحديثه بأرتال من المبدعين والفلاسفة والشعراء الذين لوّنوا الحياة واضفوا عليها مسحة من المجد ومسحات من العطاء. اعطوا من نفوسهم وذواتهم، وذابوا على مذبح التضحية وانسكبوا سلافة على افمام الظمأى، وهاموا في كلّ منحنى وفي كل واد، فسجّلوا أسماءهم في ضمائرهم ونقشوا بإزميل البذل تمثال التراث . الا يستحقّ هؤلاء ان ندوّن أسماءهم بماء الذهب على صفحات قلوبنا وحياتنا ومؤسساتنا؟؟! الا تستحقّ كوكبة المبدعين من ابناء جلدتنا ومن اخوتنا في الانسانية ان نعطّر وجودنا بعطرهم الازليّ؟!
بلى يستحقون ويستحقون اكثر، ويستحقون ان نقتفي أثرهم ونسير مع المنابت والجذور الى عمق الاعماق، ففي الاعماق نواة ، وفي النواة تُختزن النوايا والصفات واسباب الحياة. فهذا المتنبّي الذي شدا فوق كل ادواح الشرق وغرّد ، يتقوقع فوق رفوف مكتباتنا الغائصة بغبار الايام . كم يتوق هذا الرجل الى الانفلات والانطلاق ! كم يتوق الى التربّع وسامًا على صدر مدرسة او كلية في احدى بلداتنا الجليلية بالذات لان المثلّث قد بدّل وغيّر.
وكذا الامر مع الاخطلين الكبير والصغير وشوقي وجبران ونعيمة وابي النوّاس وزيدان وتيمور وجورج نجيب خليل ، وحتى مع تولستوي ومارتن لوثر والقائمة تطول ولا تنتهي. ألا نمتعض حين نسمع ان ابننا يتعلّم في المدرسة "أ"؟ او "ب" وان شوارعنا تحمل ارقامًا جوفاء لا معنى لها ولا طعم .
الامم الحيّة التوّاقة للحياة الفُضلى تكرّم أبناءها البررة في حياتهم وفي مماتهم ، وتسلّط الضوء المنبجس من الذوق الرفيع الى ما خطّه قلمهم وما نقشه ازميلهم
" وخربشته" ريشتهم وعزفته اصابعهم على الوتر العاشق. لقد اطلق الامريكان على حديقة عامّة في نيويورك اسم جبران خليل جبران ، الا يستحقّ الاديب العملاق هذا ان يزركش اسمه احدى حدائق دمشق او بيروت او القاهرة ؟ الا يستحق امرؤ القيس والمنفلوطي وابو ماضي ان يُبعثوا احياء في عبلين وام الفحم والناصرة وحيفا وشفاعمرو ، فيتنفسون هواء الشرق وينعمون بشمسه الدافئة؟
انني أهيب بالسلطات المحلية في مدننا وبلداتنا العربية ،أهيب بهم ان يلتفتوا لهذا الامر وآلا ينسوا ان بلادنا انبتت الكثيرين من اهل القلم والفنّ والادب والطبّ. فحريّ بنا وتخليدا لذكراهم ، ان نطلق اسماءهم على مدارسنا ومؤسساتنا العلمية والتربوية وعلى شوارعنا ، وان نلقّن صغارنا مع الحليب تاريخ امجادنا وامجاد البشرية ، وتاريخ من احبّ هذا الثرى الشرقيّ فمات وهو يرنو اليه عشقًا وهيامًا ، كما ولن انسى انّ انبّه الى ان المبدعين الاحياء – اطال الله في اعمارهم – يستحقون ان يروا ثمار تعبهم وعطائهم يتلألأ فوق يافطة مدرسة او شارع. انه اقلّ الايمان ...واقلّ الواجب ...انها همسة عاتبة اطلقها عسى صداها يزوّبع فوق قمم الوجود. ترى هل الاصرار يجدي نفعًا ؟ وهل باقة الهمسات والنسمات قد تكوّن صرخة مدوّية؟!!