كتب : سامح جميل
في 15 آيار انتهى الانتداب البريطاني وانسحب المندوب السامي والإدارة البريطانية من فلسطين ولم تتخذ الأمم المتحدة أية إجراءات لضمان الأمن والنظام في البلاد، مما دعا الدول العربية إلى إرسال جيوشها لتأديب العصابات الصهيونية وإعادة الحق إلى عرب فلسطين، كما أعلن.
وقد أرسل الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام إلى السكرتير العام للأمم المتحدة يبلغه قرار الدول العربية التي وجدت نفسها مضطرة إلى التدخل لإعادة السلام إلى نصابه ولإقرار الأمن والنظام في فلسطين، ولمنع انتشار الفوضى في الأراضي العربية المجاورة ولملء الفراغ الذي خلفه إنهاء الانتداب، وهذه الدول هي مصر وسوريا ولبنان وشرق الأردن والعراق، كما اشتركت كل من السعودية واليمن وليبيا بقوات رمزية من جيوشها.
* الجيش اللبناني يدخل فلسطين :
الجيش اللبناني يجتاز الحدود بقيادة الزعيم فؤاد شهاب (رئيس جمهورية لبنان فيما بعد) من إصبع الجليل باتجاه قرية المالكية الشمالية، والقوات الإسرائيلية تسبقه في احتلالها واحتلال قرية قدس المجاورة. لكن الجيش اللبناني يشن هجوماً معاكساً ويحرر القريتين ثم يقوم بتحصين نفسه فيهما، إلا أن القوات الإسرائيلية عادت واحتلتهما يوم 29-5-1948.
وفي 6-6-1948 قامت وحدات من الجيش اللبناني والسوري وجيش الإنقاذ العربي بهجوم مركز على المالكية واستعادتها وحررت قرى راموت ونفتالي وقدس وبذلك أصبحت الطريق نحو سهل الحولة والجنوب مفتوحة أمام الجيوش العربية.
*دخول الجيش السوري إلى فلسطين
الجيش السوري يجتاز الحدود ويحرر بلدة سمخ على الضفة الجنوبية لبحيرة طبرية ويواصل تقدمه إلى مستعمرة دغانيا والعدو ينسحب من معسكر الكرنتينا، في الوقت الذي كان فيه الطيران السوري والعراقي يقصف المستعمرات الصهيونية في وادي الأردن، والمدفعية السورية تدمر تحصينات العدو وتقصف محاور تقدم قواته لقطع الدعم والإمداد والنجدات إلى سمخ، وقد أدى ذلك إلى ترحيل المستعمرين الصهاينة من مستعمرات وادي الأردن.
وحتى تخفف القيادة الإسرائيلية من ضغط القوات السورية جنوبي بحيرة طبرية قام الطيران الإسرائيلي بقصف المواقع السورية في منطقة جسر بنات يعقوب ثم الهجوم البري عليها ولكنه ارتد عنها بفعل المقاومة الباسلة للجيش السوري.
وفي صباح يوم 6-6- 1948 عبرت قوات سورية أخرى نهر الأردن قاصدة احتلال مستعمرة مشمار هايردين، وتأمين الاتصال بالقوات اللبنانية وجيش الإنقاذ في منطقة المالكية، كما تحرك رتل سوري آخر من مدينة بانياس باتجاه مستعمرة دان، ولكن الهجومين أحبطا. وفي 10-6-1948 كرر الجيش السوري هجومه واستطاع تحرير مستعمرة مشمار هايردين وإقامة رأس جسر عبر نهر الأردن.
* الجيش العراقي يدخل فلسطين
وحدات من الجيش العراقي تجتاز نهر الأردن وتحاصر مستعمرة غيشر، ثم تنسحب إلى نابلس مقر قيادة جيش الإنقاذ، لحين وصول الإمدادات من العراق ( لواء مشاه معزز بكتيبة دبابات )، ثم تحركت القوات العراقية غرباً حتى وصلت مشارف مدينة نتانيا حيث تصدت لها القوات الصهيونية، التي شنت هجوماً معاكساً على جنين بعد أن احتلت قرى زرعين ومجدو واللجون وصندله وعرانا وجلمة والمقيبلة وبعد عدة معارك مع الجيش العراقي تمكنت القوات الصهيونية من احتلال مدينة جنين في 4-6-1948 غير أن الجيش العراقي شن هجوماً معاكساً واستطاع تحرير المدينة ليلة 4و5 -6-1948.
*الجيش الأردني يدخل فلسطين :
قبل أن تصل طلائع الجيش الأردني إلى مدينة القدس في 17-5-1948 كانت قوات الجهاد المقدس تحاصر الحي اليهودي في المدينة منذ يوم 15-5-1948 كما كان جيش الإنقاذ قد حرر مستعمرة النبي يعقوب على طريق القدس- رام الله واجبر القوات الصهيونية على أخلاء مستعمرة عطروت يوم 16-5-1948.
ولكن تتابع وصول القوات الأردنية، التي حررت شارع المصرارة وتمركزت في حي الشيخ جراح وحاصرت الحي اليهودي حتى استسلم في 28-5-1948، كان قد رجح الكفة لصالح العرب وخصوصاً بعد فشل العدو في هجومه المتكرر لاحتلال حي الشيخ جراح وفتح طريق القدس - تل أبيب لفك الحصار عن الأحياء اليهودية في القدس الجديدة وفتح طريق باب الواد - دير محيسن ( طريق بورما) واحتلال جبل المكبر.
* الجيش المصري يدخل فلسطين
الجيش المصري يجتاز الحدود في رتلين رئيسيين:
الأول: سلك الطريق الساحلي وحرر مستعمرة نيريم قرب مدينة رفح ومستعمرة كفار داروم ( دير البلح ) ودخل غزة في مساء يوم 15-5-1948 ثم واصل سيره وتابع تقدمه حتى حاصر مستعمرة يادمردخاي - دير سنيد يوم 19-5-1948 ودخلها يوم 24-5-1948، وتابع تقدمه إلى المجدل وعراق سويدان وسيطر على الطريق المؤدية إلى المستعمرات الجنوبية وحرر مدينة أسدود في 29-5-1948 حيث توقف ليواجه هجوماً معاكساً معادياً في منتصف ليلة 3-6-1948 ويحقق انتصاراً كبيراً يؤدي إلى انسحاب العدو بعد أن خسر نحو أربعمائة بين قتيل وجريح.
والثاني: كان يتقدم بسرعة حتى دخل مدينة بئر السبع في 20-5-1948 وعندما أصبحت القوات المصرية على بعد 32 كم جنوبي مدينة تل أبيب، أمرت القيادة المصرية على غير المتوقع قواتها باحتلال خط المجدل - الفالوجا - بيت جبرين - الخليل، وخط أسدود – قسطينة، بهدف فصل المستعمرات الصهيونية في النقب عن شمال فلسطين وإرغامها على الاستسلام وضمان الاتصال بقوات الفدائيين المصريين التي كانت على بعد 7 كم جنوبي القدس ( ونظراً لهذا الأمر لم يعد هدف الجيش المصري الوصول إلى مدينة تل أبيب).
وقد نفذ الجيش المصري بالاشتراك مع القوات السعودية التي كانت تعمل تحت إمرته مهمة احتلال الخطين الساحلي والداخلي بعد معارك عنيفة اشتركت فيها القوات الجوية والمدفعية مع الفريقين.
في ظل ظروف معقدة سياسياً ودولياً دخلت الجيوش العربية الحرب في فلسطين عام 1948، ولقد كان دخولاً متأخراً ومفاجئاً، إلى ساحة القتال، كما قال الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام للرئيس السوري شكري القوتلي عندما سأله عن دخول مصر الحرب فقال:" إن المعلومات التي لدي تقول أن الجيش المصري سيقف على الحدود في حالة استعداد ولكنه لن يدخل" وهذا ما قاله أيضا الملك الأردني عبد الله عندما سأله نفس السؤال.
كان هذا كله يحدث على الساحة العربية في الوقت التي كانت فيه العصابات الصهيونية وقبل أن تغادر القوات البريطانية فلسطين في 14-5-1948 وقبل أن تدخل الجيوش العربية فلسطين في اليوم التالي تستولي على ما يلي:
- في الأرض المخصصة للدولة العربية احتلال عكا ويافا والقرى العربية قزازة وسلمه وساريس والقسطل.
- في الأراضي المخصصة للدولة اليهودية طرد سكان المدن العربية طبرية وحيفا وصفد وبيسان ومئات من القرى العربية الأخرى.
- في منطقة القدس الدولية احتلال حي القطمون العربي.
- في مجمل الأراضي المحتلة طرد حوالي 400 ألف عربي فلسطيني.
ولكن رغم ذلك كله استطاعت الجيوش العربية أن تحقق تقدم على كل المسارات والجبهات في المرحلة الأولى من القتال التي امتدت من 15-5 إلى 10-6-1948 فقد وصل الجيش العراقي حتى مسافة 10 كم جنوب تل أبيب ووصل الجيش الأردني إلى القدس، كما أن الجيش السوري واللبناني حققا تقدماً جيداً في الشمال والجليل. ولكن فجأة تدخلت الولايات المتحدة وفرضت الهدنة الأولى والتي استمرت من 11-6 إلى 8-7-1948.
وعندما تجددت الحرب في الجولة القتالية الثانية في 9-7-1948 كانت العصابات الصهيونية، قد استكملت تسليحها وتدريبها وتعبئة كل الطاقات البشرية القادرة على حمل السلاح حتى وصل عدد المقاتلين اليهود إلى 106 ألف مقاتل، الكثير منهم شارك في الحرب العالمية الثانية ويتمتع بقدرة عالية على استيعاب العلوم العسكرية في مقابل 67 ألف جندي عربي نظامي وغير نظامي.
أمام هذا الاختلال في موازين القوى في العدد والعتاد والقدرة على الاستيعاب للعلوم العسكرية استطاعت المنظمات الصهيونية أن تستولي على 80% من مساحة فلسطين. وهكذا فرضت الهدنة الثانية في 18-7-1948.
انتهت الحرب التي صنعت مأساة فلسطين الوطن والشعب تلك الحرب التي بدأت عربية شكلاً وانتهت بمعاهدات هدنة فردية، حرب الأنظمة التي دفع ثمنها شعب فلسطين من وطنه ومن كيانه ودمه..!!