بقلم : فاروق عطية
يوم الخميس السابع من أبريل 2016 يوم تاريخي لن ينمحي من ذاكرة أي مصري يفخر بمصريته. في هذا اليوم كانت الزيارة الأولي للملك سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية. أدركت في هذا اليوم المشئوم أن مصر الحضارة تنزلق بسهولة للفخ السعودي المنصوب لها بمهارة، وأن السعوية أبدا لن تنسي ما حدث لها من مصر محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا وأحفاده الملك فؤاد والملك فاروق، وهذا ما تحدثت عنه بالتفصيل في الحلقة الأخيرة من سلسلة مقالات مصر ومخططات الأبالسة. وتعجبت كيف تنصاع مصر الحضارة والتاريخ والعلم والفن بيسر لهؤلاء البدو الأجلاف الجهلة ذوي الوجه الإرهابي القبيح المجرم. خوفي علي مصر أم الدنيا الرائدة في كل مناحي الحياة ودروبها أن تسقط في مستنقع المشروع الوهابي لإخضاع شعوب المنطقة لسيطرة السلفية الوهابية الذي سوف يجرّنا بالقطع إلي منزلق النزاع السني الشيعي بالمنطقة وما يتبعه من ويلات.
قبل ساعات من انتهاء هذه الزيارة المشئومة أثار البيان الصادر من مجلس الوزراء المصري بإعلان توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، وما يترتب عليه من نقل السيادة على جزيرتي صنافير وتيران إلى السعودية، ردود أفعال متباينة في الشارع المصري. ووفقا لمصادر شبه رسمبة قيل أن ذلك تم في مقابل حصول مصر على 25% من الموارد الطبيعية للجزيرتين، والتزام المملكة بدفع ملياريّ دولار مقابل حماية الجيش المصري لهما مدة 69 عاما. وكاد هذا البيان أن يغطي على زيارة الملك سلمان وما صاحبها من توقيع عدد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي، وترقب إقليمي لما سيسفر عنه التحالف بين أكبر قوتين عربيتين سنيتين في منطقة الشرق الأوسط.
والغريب بل والمريب أن تعلن اسرائيل أن لها عِلم مسيق منذ أسبوعين بنقل ملكية الجزيرتين. نقلت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون قوله إن مصر أرسلت طلبًا مبكرًا لإسرائيل يتعلق بوضع الجزيرتين تحت سيطرة السعودية، وأن يعلون قال إن بلاده تسلمت تأكيدًا مكتوبًا من المملكة العربية السعودية على حرية الملاحة في مضيق تيران. وهذا يبين مدي استخفاف حكومتنا الموقرة بالشعب ومشاعره، ويبدو أن الشعب كالزوج الذي يكون غالبا آخر من يعلم !!
وكان لزيارة العاهل السعودي الميمونة الفضل في انقسام الشعب المصري إلي فريقين. فريق من المؤيدين الموافقين المرحبين بنقل ملكية الجزيرتين كأنهما جَرَب ألمّ بجسد الوطن والخلاص منه عمل وطنيّ. وفريق يرفض بشدة ويري أن الجزيرتين مصريتين تاريخيا وجغرافيا وجيولوجيا وبدماء الشهداء التي سالت للدفاع عنهما، وأعتُبِروا في نظر الفريق الأول خونة وعملاء ويفتقرون للوطنية.
وكانت حجج الحكومة والمطبلون والمزمرون لها، حجج واهية من عينة قالولوا وسمعنا ويبدو أن، وما شابه ذلك !.. قال متحدث باسم الحكومة في إحدى القنوات الفضائية إن القرار أتى بعد 11 جولة نقاش بين الخبراء من البلدين، على مدار ست سنوات. وأشار مسؤولون مصريون إلى مراسلات تعود إلى عدة عقود تظهر أن القاهرة كانت تقر بملكية السعودية للجزيرتين. وقالت صحيفة الإهرام الرسمية في مقالها الافتتاحي الاثنين 11/4، بعنوان "وعادت الوديعة الى أهلها": إن مصر لن تتنازل عن شبر واحد من أراضيها تحت أي ظرف من الظروف، ولكن من غير المعقول أن نُحرم أشقاءنا أيضا من أراضيهم التي تثبت كل الوثائق حقهم فيها، وإن السعودية طلبت من مصر رسميا عام 1950 "خضوع الجزيرتين للسيطرة المصرية، بسبب ضعف البحرية السعودية آنذاك وعدم قدرتها على الدفاع عنهما في مواجهة إسرائيل"(ولم تظهر أي وثائق !). ونوه المتحدث الرسمي للخارجية المصرية في مقابلة تلفزيونية إن القاهرة لم تدّع أبدا السيادة على الجزيرتين "فالوجود المصري في الجزيرتين لا يعني أننا نملك السيادة عليهما" وأن "قرار إعادتهما إلى السعوديين، اتخذته لجنة من الخبراء المصريين، بينهم مسؤولين من الخارجية والدفاع ورئاسة المخابرات المصرية"(مجرد لغو).
ومما ساعد علي التشكك في جدوي الاتفاقية ـ حتى لو ثبت فعلا تبعيتهما للسعودية ـ حرص السلطة المصرية الشديد على تأكيد تبعية الجزيرتين للسعودية ـ حتى بدت أكثر حرصاً من السعودية على ذلك ـ في مفارقة لا تحدث كثيرا. عامل آخر أدى الى إثارة الرأي العام تجاه الاتفاقية، هو طبيعة العلاقة بين مصر والسعودية، حيث قدمت السعودية مساعدات كبيرة لمصر في العامين 2013و 2014، كما زادت التوقعات بمساعدات اقتصادية من السعودية مع زيارة ملكها للقاهرة، وهو ما صور العلاقة بين البلدين على انها غير ندية، وأن احتمال تقديم تنازلات مصرية للسعودية أمر وارد. وما يؤكد ذلك أن مفاوضات الحدود تكون عادة أكثر صعوبة من اي اتفاقات أخرى، ولا يفوز فيها طرف بكل شيء، والأهم أنه لم يحدث سابقاً ان سعت دولة الى إثبات حق دولة أخرى مهما كان ثابتا.ً
أما الطرف الثاني المعارض المتهم بالخيانة والعمالة والافتقار للوطنية، فقد كانت معارضته قوية مؤيدة بالمستندات الدولية التي تثبت أحقية مصر وملكيتها للجزيرتين:
- كشف مركز فض المنازعات البحرية والدولية التابع للأمم المتحدة عن خريطة تم الحصول عليها من فرع بلغاريا، تثيت في مفاجأة كبري أن جزيرتي تيران وصنافير أراض مصرية، حيت تم وضع الجزيرتين تحت اسم مصر خاصة بعد عام 1982م العام الذي تم فيه حسم كل ملفات النزاعات الحدودية البحرية، وهوالأمر الذي ينفي المزاعم السعودية بتبعية الجزيرتين لها.
http://www.vetogate.com/2137808
- خرائط عددها 22 خريطة من مقتنيات مكتبة جامعة ستانفورد، تعود للفترة من سنة ١٨٠١- ١٩٠٦ تبين بوضوح أن جزيرتي تيران وصنافير تقع في الحدود السياسية والجغرافية المصرية وليست ضمن الحدود السعودية.
- وثائق مصرية وبريطانية وروسية، وقرارات ومخاطبات، و17 خريطة لـ 250 عامًا تؤكد تيران وصنافير مصرية من "الملكية إلى السيادة" تثبت ملكية مصر للجزيرتين، بدءً من التاريخ القديم، ومرورًا بفترة ما قبل إنشاء المملكة السعودية وانتهاءً بالوثائق والخرائط والقرارت الحكومية التي تؤكد ليس فقط ممارسة مصر لحق السيادة على الجزيرة، بل وملكيتها لها.
- قصة 4 وثائق صادرة من الحكومة المصرية منذ عام 1928 وحتى 1950 تؤكد أن تيران وصنافير مصرية. نشر د. صبري العدل أستاذ التاريخ والباحث في تاريخ سيناء مجموعة من الوثائق تعود للفترة من عام 1928 وحتى 1950 تثبت مصرية الجزيرتين، وان تبعية هذه الجزر لمصر بدأ ت حتى قبل انضمام شمال الحجاز للسعودية، اثناء تمرد حركة ابن رفادة ضد محاولات ضم شمال الحجاز لمملكة آل سعود، مشيرا إلى أن التواريخ السابقة على ذلك كان فيها النفوذ المصري يمتد للحجاز ويتجاوز خليج العقبة:
الوثيقة الأولى: التي أشار إليها العدل باعتبارها أحد المراجع المهمة عن سيناء وجغرافيتها وهي كتاب ناعوم شقير عن جزيرة سيناء والصادر عام 1916، ذكر فيه شقير عن وصفه لجزيرة تيران أنها «كفر بلقع»، في إشارة إلى أنها جزيرة صخرية لا حياة فيها. وحول اتفاقية 1906 قال العدل إنها كانت اتفاقية للحدود البرية ولم تتعرض للحدود البحرية ولكن في هذا الوقت كانت حدود مصر تتجاوز خليج العقبة وتمتد داخل الحجاز. الوثيقة الثانية: تعود لعام 1928 وفيها تستطلع وزارة الحربية من وزارة الخارجية عن وضع جزيرتي تيران وصنافير لإرسال قوة لوضع العلم المصري على الجزيرتين، نظرا لوجود تمرد على الجانب الآخر من خليج العقبة بدأت وزارة الحربية في التحرك لحماية الحدود وبناء عليه تم إرسال هذه المخاطبة. الوثيقة الثالثة: وهي صادرة بتاريخ 3 يونيو 1943 وتدور الوثيقة حول مناورات تجريها المخابرات البريطانية بالقرب من خليج العقبة ويدور جزء من هذه المناورات على الجزيرتين طبقا لاتفاقية 1936 والتي كانت تلزم مصر بمساعدة القوات البريطانية، وهو ما يؤكد تبعية الجزيرتين في هذا الوقت للسيادة المصرية، كما أن خرائط هيئة المساحة الصادرة عام 1937 أكدت تبعية الجزر لمصر، ورسمت تيران وصنافير بلون مصر. الوثيقة الرابعة: وهي صادرة في 25 فبراير عام 1950 العام الذي ادعت فيه السعودية صدور خطاب بملكيتها للجزيرة فيه، والوثيقة عبارة عن رد من وزارة الخارجية على وزارة الحربية في هذا الوقت وجاء الرد ليؤكد تبعية جزيرة تيران لمصر، وتكشف الخارجية في الوثيقة أنها استعلمت من وزارة المالية والتي جاء ردها ليؤكد وقوع تيران ضمن الحدود المصرية، وهذه قصة الوثيقة لتأكيد مصرية تيران عام 1950 بعد مطالبة نائب بالكنيست الإسرائيلي بضمها. وصور هذه الوثائق بالرابط أدناه:
وهناك وثائق سعودية تثبت أن الجزيرتين مصريتين، أولهما: دأبت وسائل الميديا السعودية في فترة العداء المصري السعودي، بعد العدوان الثلاثي وحتي قبيل حرب يونيو 1967م، علي معايرة مصر أنهاغير قادرة علي فرض سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير والمضايق بعد استيلاء إسرائيل عليها وبقاء القوات الدولية عليها بعد انسحاب إسرائيل، مما دفع عبد الناصر لطرد القوات الدولية منها قبيل حرب يونيو بخمس أيام. وثانيها: الخريطة الرسمية للمملكة السعودية الصادر بها قرار وزاري عام 1430هـ الموافق 2010م مدموغة بتوقيع الملك عبدالله بن عبدالعزيز بصفته أيضا رئيسا للوزراء حينها، كخريطة رسمية للبلاد وتعميمها على كافة الهيئات والوزارات للاتزام بها ولا تظهر بها الجزيرتان. وثالثها: فجّر السفير المصرى بالسعودية من 1887 إلي 1990م مفاجأة من العيار الثقيل حينما قال لعمرو أديب بأن الكلام كان بين مصر والسعودية منذ عشرات السنين حول جزيرة صنافير فقط أما تيران هذه لم تتحدث عنها السعودية نهائيا وقال، مصر تنازلت عن تيران للسعودية فوق البيعة، وهو مستعد للشهادة بمجلس النواب.
والسؤال الملحّ لماذا تهدي مصر الجزيرتين للسعودية رغم التاريخ الطويل للملكية أو السيادة؟ لماذا تلح السعودية الأن علي الطلب؟
هناك إجابات بعضها قد يكون مقبولا والبعض الأخر قد يكون مرجحا. يقول البعض أن مصر تنازلت عن الجزيرتين مقابل المعونات الاقتصادية ومصر الأن تعاني منها بشدة. والبعض الأخر يقول: أنها تمثيلية، لأن امريكا ترغب في إنشاء قاعدة لها بتيران وحتي يلتفّوا على غضب الشعب المصرى، ولا يقال أن السيسي وافق علي وجود قاعدة أمريكية بالأرض المصرية، تقام علي ارض سعودية. ورأي ثالث يقول: طمعا في وجود حقول نفطية خاصة بعدما نشرت وكالة الفصاء الأمريكية ناسا صورا كانت قد التقطتها الوكالة في 23 يونيو 2013, وأكدت ناسا أنها رصدت مواد زيتية تشبه النفط علي جزيرة تيران وهوما يعزز قولهم.
ولكن الرأي الأرجح هو أن السعودية تشعر بالتقارب الأمريكي الإيراني مما يسحب البساط من تحت قد ميها كحليف قوي بالمنطقة، وحصولها علي الجزيرتين يعطيها الحق في أن تكون شريكا في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وهذا يعطيعا الحق في الاتصال بقادة الدولة العبرية مباشرة دون أن يكون ذلك خفية كما كان يحدث سابقا وكانت تتعرض بسببه للتخرصات الإيرانية، كما أن السعودية تعلم أن الرباط الأقوي بين إسرائيل وأمريكا، وتطمع في وساطة إسرائيل لدي الولايات المتحدة لتقوية الروابط السعودية الأمريكية في مواجهة عدوهما المشترك إيران.
ولكن السبب الأقوي من وحهة نظري أن هناك مخطط أمريكي سعودي لا أعلم كنهه بالضبط، يحاك ضد مصر خاصة وأن حصول السعودية علي جزيرة تيران يحول المضيق من ممر إقليمي (لوجوده في أراض مصرية) يمكن مصر من السيطرة علي الممر ويعطيها الحق في جباية الضرائب علي السفن المارة بالمضيق، إلي ممر دولي (بين دولتين) يخضع للقانون الدولي للملاحة.
وقبل أن أرسل المقال بدقائق قرأت خبرا يؤكد مخاوفي من المخطط المحاك لمصر: أعلن حازم الناصر، وزير المياه و الرى الأردني، عن توقيع إتفاق مع إسرائيل لبدء العمل فى حفر قناة البحر الميت التى طالما حلمت بها إسرائيل كطريق تجارة دولية بديل لقناة السويس. سيبدأ العمل هذا العام، ويفتتح للعمل سنة 2020. أمريكا أعلنت بدورها عن تمويل المشروع ب 125 مليون دولار أمريكى.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع