تعلمنا فى علم الإجرام (Criminology) أن هناك دائماً مُستفيدا من أى جريمة. ولا شك أن مقتل الباحث الإيطالى الشاب جوليو ريجينى هو جريمة مُكتملة الأركان بامتياز. فهناك واقعة قتل مُحققة، وهناك جسم للجريمة، وهو جثمان الشاب الإيطالى، الذى كان يهيم حُباً بمصر. ولم يبق من أركان الجريمة إلا معرفة الجانى وأسباب قيامه بتلك الجريمة النكراء.
1ـ هناك احتمال أن يكون الجانى هو تنظيم الدولة الإسلامية فى العِراق والشام (داعش)، حيث إن لداعش سوابق فى قتل الأجانب المُقيمين أو الزائرين لبُلداننا العربية. ولكن الذى يجعلنا نستبعد ذلك هو ضعف التنظيم الداعشى فى مصر. وثانياً، لأن داعش لا يتوانى فى سُرعة إعلانه عن مسؤولية أى عملية، للإيحاء لأنصاره ولأعدائه بطول ذراعيه.
2ـ كذلك هناك احتمال أن تكون جماعة الإخوان المسلمين هى التى ارتكبت الجريمة، لإحراج نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى وإظهاره للمصريين والعالم كأنه رئيس فاشل، رغم أن إحدى مناقبه هى أنه رجل أمن من الطراز الأول، لخلفيته المهنية الطويلة فى جهاز المخابرات، سابقاً.
3ـ وهناك احتمال أن يكون جهاز مُخابراتى خارجى، مثل الموساد الإسرائيلى، وراء الحادث، وذلك لإفساد العلاقة بين مصر وإيطاليا، خاصة فى ميدان التعاون الاقتصادى، بعد اكتشاف شركة إينى الإيطالية أكبر حقل غاز فى جنوب المتوسط، قُرب السواحل المصرية الشمالية، بين كفر الشيخ ورشيد. وهو حقل فجر. وقيل إن هذا الحقل هو الأكبر من نوعه فى المتوسط، وأنه سيُنافس حقلاً إسرائيلياً مُشابهاً، ولكنه أصغر. أى أن إسرائيل صاحبة مصلحة فى إفساد العلاقات المُتنامية بين مصر وإيطاليا.
4ـ أما الاحتمال الرابع فهو أن يكون أحد الأجهزة الأمنية المصرية السبعة، هو الذى قام بتنفيذ تلك الجريمة لإحراج جهاز آخر ضمن نفس المنظومة المُخابراتية. وفى كل الأحوال فإن اللوم هو على الأجهزة المصرية التى كان جل همّها خلال الأسابيع السابقة ليوم 25 يناير هو مُحاصرة وإحباط شباب ثورة 25 يناير، الذين كانوا يُعدون لانتفاضة ثورية جديدة فى الذكرى الخامسة لثورتهم فى نفس ذلك اليوم. والذين حاولوا أن يذهبوا إلى الميدان فى ذلك اليوم، واجهوا إجراءات وحواجز أمنية عديدة. ويبدو لهذا السبب أن تلك الأجهزة لم يكن لديها حافز أو طاقة إضافية لحماية المواطنين المدنيين، أو الزائرين الأجانب ـ مثل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى.
5ـ هناك إهمال وتقصير، وربما تدنٍ فى كفاءة الأجهزة الأمنية المصرية، والتى لم تبرأ بعد من تُهمة التقصير فى نكبة الطائرة الروسية منذ عدة شهور، والذى تسبب فى ضرب موسم السياحة للعام 2016/2015، وكذلك حادث القتل الخطأ الذى تعرض له السُياح المكسيكيون. ولا تُغنى فى مُعالجة تلك الخسارة البيانات الرسمية الدعائية، أو تحفيز السياحة الداخلية لطلاب المدارس والجامعات فى عطلة نصف السنة.
وقيل فى تدنى كفاءة الأمن فى المطارات المصرية ما دعا وزارتى الطيران والسياحة لاستدعاء شركات أمنية أوروبية للتفتيش على الإجراءات الأمنية المُتبعة إلى تاريخه، وتقديم التوصيات اللازمة لرفع كفاءة الإجراءات الأمنية المصرية.
وفى كل الأحوال، لا بد من الإسراع فى إجراءات التحقيق فى مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، وتمكين ممثلين للجانب الإيطالى من أن يُشاركوا فيها، وكذا دعوة مُراقبين من جامعة كمبردج البريطانية التى كان يدرس فيها، وكذلك من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، التى كان بعض أساتذتها يُشرفون على الجانب الميدانى من دراساته فى مصر، والتى كانت تدور حول تجربة النقابات العُمالية المُستقلة، أى التى لا تخضع للاتحاد العام لعُمال مصر، والذى تُسيطر عليه أجهزة رسمية، بما فيها فروعها الأمنية.
أما على المستوى الإنسانى البحت، فربما يكون مُناسباً أن يدعو الرئيس عبدالفتاح السيسى شخصياً أسرة جوليو لزيارة مصر وقضاء إجازة الربيع فيها. وفى هذا الصدد أيضاً ربما يكون مُناسباً من اتحاد طُلاب الجامعات المصرية، واتحاد طلبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة أن يُخصصوا مُسابقة عالمية لأفضل بحث أو دراسة عن الحركة النقابية المصرية، ويُطلق على تلك المُسابقة اسم جوليو ريجينى.
لقد ذكّرتنا مأساة الشاب الإيطالى جوليو ريجينى بمقتل شباب مصريين آخرين، منهم خالد سعيد، الذى كانت ظروف مأساته ومُحاولة التستر على الجُناة المتورطين فى قتله، وتصدى الناشط وائل غُنيم لتلك المُحاولة بصفحته على الإنترنت «كلنا خالد سعيد»، أحد أسباب انفجار الهبّة الثورية فى 25 يناير 2011. وكذلك الناشطة السكندرية شيماء الصباغ التى سقطت برصاص الشرطة، أثناء وضعها إكليلاً من الزهور على النصب التذكارى لشُهداء ثورة يناير، فى الذكرى الرابعة لثورة يناير (2015).
إن كل تلك الذكريات المؤلمة هى التى تجعل أصابع الاتهام تتجه إلى السلطات الأمنية المصرية، خاصة أنها تلكأت طويلاً فى إصدار بيان عن الحادث. وحينما أصدرت بيانات فى هذا الصدد، جاءت مُتضاربة ومُتناقضة.
أقول قولى هذا وأدعو الله أن يرحم الشاب الإيطالى جوليو ريجينى ويدخله فسيح جناته.. آمين.
وعلى الله قصد السبيل..
نقلاً عن المصري اليوم