بقلم – أماني موسى
حين طلب مني أن أكتب في باب مستحدث بموقع الأقباط متحدون تحت عنوان "بسمة أمل" وأُبلغت أن الهدف من هذا العامود هو بث الأمل في نفس من يقرأ، شحنه بطاقة إيجابية، محاولة إيجاد النور في كل هذا الظلام المحيط من جهل وعشوائية وفقر لتعصب وإرهاب أعمى يغتال الأبرياء.
وفي الواقع إني وافقت للوهلة الأولى ولكن بعد لحظات تساءلت ماذا سأكتب؟ وجدتني ربما أصبحت "شخصية كئيبة" أو باتت عيني لا ترى –في الأغلب- سوى تلك السلبيات البغيضة المحيطة بنا من كل اتجاه سواء أشخاص أو أحداث وغيرها، ومن ثم أتخذتها فرصة جيدة لكي أدرب عينيّ على رؤية الجيد من قلب السيئ وانتزاع البسمة من قلب الألم وإيجاد الجميل وسط كل هذا القبح.
ويبدو أن شخصيات المترو ستكون البطل الرئيسي لهذا الباب، ففي صباح اليوم أثناء رحلتي اليومية مع تلك الوسيلة الثرية بالأحداث والقصص، وجدت امرأة تتجاوز الخمسين من العمر تبدو عليها ملامح "تعب السنين" لكن تعلوها بسمة رضا "مثيرة للتساؤل" وبرفقتها صبية في مقتبل العمر تعاني إعاقة جسدية وذهنية، ملتوية الأطراف متشنجة الأعصاب، تتحرك في صعوبة بالغة وتحتاج بظني إلى كرسي متحرك يعينها على التنقل بشكل أسهل.
ومنذ أن تمكنت من اللحاق بالقطار رغم صعوبة صعودها وابنتها "المريضة" في لحظات قليلة قبل أن يغلق المترو أبوابة استعدادًا للانطلاق، وهي تبدو مبتسمة وكأنها "راضية تمامًا" وتتمتم بكلمات "الحمدلله.. شكرًا يارب".
وهمت فتاة بالقيام لتجلس تلك المسنة وابنتها، وتصادف وجود طبيبة بجوارها لتسألها عن حالة ابنتها وتساعدها على تلقي العلاج، لتفتح تلك الأم المسكينة فاها وتحكي "مأساتها" برضا عجيب، حيث لها أربعة أولاد جميعهم مصابون بنفس المرض ويموتون عند وصول العشرين، لم يتبقى منهم سوى تلك الفتاة، وأستطردت حديثها بتوجيه الشكر لله الذي يرعاها وأولادها رغم قلة حيلتها وعجزها المادي، إلا أنها تثق فيما يفعل وأنه لخيرها ولخير أولادها المتعبين الذين يرحلون أمامها في صمت بعد رحلة ألم.
أدهشتني قدرة المرأة العجيبة على الابتسام رغم كل ما تعانيه، وتبادر لذهني بالمقابل حديث أولئك "المتذمرون" الذين لا يكفون عن التذمر من كل شيء وأي شيء، لا يكفون عن تصدير صورة وطاقة سلبية للآخرين، لا يشعرون بالرضا في أي حال من الأحوال بل دومًا يطلبون المزيد، متناسين ما لديهم من عطايا ونعم ويعتبرونها وكأنها حق مكتسب، كأن يستيقظون في تمام صحتهم في سريرهم وليس على سرير أحد المشافي، يتنفسون دون أجهزة، يمشون دون مساعدة آخرين، يقوم جسدهم بكافة وظائفه الحيوية دون مساعدة أجهزة طبية، يمارسون أنشطتهم اليومية دون عناء، فكلها منح وعطايا إلهية متجددة تستحق الشكر بل والامتنان لله وليست حقوق مكتسبة، وكما كانت تقول لي جدتي دومًا "اشكري.. بدل ما تزول من وشك"، وأبي ومعلمي رحمه الله "اشكري ربنا عاللي عندك، لأنه حلم كبير لناس كتير" وكما تقول الأديان ففق الإنجيل "ليست عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر"، وبالقرآن "لئن شكرتم لأزيدنكم"، وبت اسأل نفسي هل المرضى والمتألمون بهذه الحياة باتوا هم القادرين على الشكر والرضا؟ بينما المترفون في رغد العيش يشكون ويتذمرون؟